بعد أن تولى محمد الناصر مهام القائم برئاسة الجمهورية تساءل المتابعون عن مدى قدرته خلال الأشهر الثلاثة القادمة على مواصلة «منهج» الحُكم الذي بناه سلفه الراحل الباجي قائد السبسي حتى يواصل المحافظة على تماسك الدولة. تونس – الشروق: منذ الإعلان عن وفاة رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، تبادرت إلى أذهان التونسيين ومختلف المتابعين مناقب الرجل وما تحلى به منذ توليه مقاليد الرئاسة في 2014 من صفات جعلته يكون رئيسا استثنائيا تمكن من المحافظة على تماسك الدولة رغم ما كان محيطا بها من مخاطر وعلى قيم الديمقراطية والحداثة والحرية. فالصفات التي تحلّى بها الباجي قائد السبسي طوال فترة توليه رئاسة الجمهورية مازالت تحتاجها البلاد أكثر من أي وقت مضى على الأقل خلال الأشهر القادمة التي ستشهد العملية الانتخابية. وستتواصل خلالها التقلبات المختلفة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. وهو ما فسح المجال أمام تساؤلات عديدة حول مدى قدرة خلفه محمد الناصر على مواصلة المنهج نفسه خلال الفترة الانتقالية. الباجي قائد السبسي كان الباجي قائد السبسي رئيسا توافقيا. ولم يكن إقصائيا. وتقمص دور «رئيس كل التونسيين» كأحسن ما يكون. فهو اول من بادر بالتوافق وبالحكم التشاركي وبحكومة الوحدة الوطنية. واستطاع تأمين مناخ الحرية والتعددية وأدى واجب الضامن لاحترام الدستور على أفضل وجه. ولم يُدخل عليه ولا على النظام السياسي أي تغيير. كما التزم حدود صلاحياته الدستورية ولم يخلق بذلك نزاعا حول الاختصاص. ونجح في المحافظة على تماسك الدولة رغم الصراعات السياسية العديدة التي أحاطت بها وفي اعادة هيبة الدولة وفي احترام المواعيد الانتخابية. حيث وقّع وهو يعاني أزمة المرض على أمر دعوة الناخبين الى الانتخابات لأنه يؤمن أشد الايمان بالانتقال السلمي للسلطة وبالممارسة الديمقراطية. وكان قائد السبسي الأكثر حرصا ضمن بقية الفاعلين السياسيين على إرساء المحكمة الدستورية لاعتقاده الراسخ أنها أفضل ضمانة للديمقراطية. كما كانت صورة تونس في الخارج شغله الشاغل وتمكن بفضل حنكته وخبرته السياسية الطويلة من افتكاك كل الاحترام والتقدير لشخصه وللدولة التونسية من كل دول العالم... المدرسة البورقيبية يعتبر المتابعون أن محمد الناصر لا يبتعد كثيرا عن الباجي قائد السبسي على مستوى الصفات والمؤهلات السياسية التي تؤهله لأن يواصل العمل وفق المبادئ المذكورة سابقا والتي كان قائد السبسي يعمل وفقها. فهو يشترك مع الراحل قائد السبسي في التخرج من «المدرسة البورقيبية» التي كانت تولي أهمية كبرى لبناء الدولة وللحفاظ على هيبتها ولقيم الديمقراطية والحداثة والتطور والانفتاح على الخارج. وهو صاحب الخبرة السياسية الطويلة التي يجوز معها إسناده صفة «رجل الدولة». حيث بدأ مسيرته السياسية منذ نشأة دولة الاستقلال مع الزعيم بورقيبة، شأنه شأن الباجي قائد السبسي. وتقلد فيها مناصب عديدة منذ سنة 1961 الى أواخر الثمانينيات قبل أن يتقلد مناصب أممية ودولية. كما أن الرجلين مرّا برئاسة أهم مؤسسة دستورية في البلاد. وهو البرلمان. حيث ترأسه قائد السبسي بين 1989 و1991 في حين ترأسه الناصر من 2014 الى اليوم. كما يشتركان ايضا في المرور عبر رئاسة حزب نداء تونس. كما أن التقارب بين الرجلين يستمد جذوره أيضا من اتحادهما في دراسة الحقوق. وهو الاختصاص الذي يؤهل صاحبه لأن ينجح أكثر من غيره في شؤون التسيير لأنه يمكن من التشبع بالقيم والمبادئ القانونية والحقوقية الضرورية لتسيير الدولة أبرزها مبدأ دولة القانون والمؤسسات. قريب من الباجي بعد الثورة اختار الباجي قائد السبسي منذ الوهلة الأولى محمد الناصر وزيرا للشؤون الاجتماعية في حكومة 2011. وبعد أن أسس حزب نداء تونس اختاره كأحد أوّل المُقربين منه. وعينه في 2014 نائباً له (نائب رئيس الحزب). وبعد أن تولى الباجي قائد السبسي رئاسة الجمهورية، كلف محمد الناصر برئاسة الحزب على مدى حوالي عامين. وكان وراء إسناده رئاسة مجلس نواب الشعب. وهذا التقارب الكبير بين الرجلين الى جانب التشارك في عديد الصفات والمؤهلات السياسية جعل من محمد الناصر في رأي كثيرين الأقرب في الوقت الحاضر لمواصلة المنهج الذي عمل به الباجي. صفات يشترك فيها الناصر مع الباجي التشبع بمبادئ المدرسة البورقيبية التخصص في الحقوق التي تمكن من التشبع بمبادئ دولة القانون والمؤسسات الخبرة الطويلة في التسيير من خلال تقلد مناصب عليا في الدولة رئاسة البرلمان رئاسة حزب نداء تونس تعهدات الناصر اقتداء بالباجي تعهد محمد الناصر فور أداء اليمين الدستورية بأداء مهامه وفق عدة مبادئ كان الباجي قائد السبسي يستحضرها باستمرار ويوصي باحترامها. فقد التزم الناصر باحترام الدستور والحفاظ على المكاسب التي حققتها تونس - وبأن يكون رئيس جميع التونسيين دون استثناء أو تمييز- وبأن يعمل على إرساء السلم الاجتماعية- وبأن يدعم الحوار بين مختلف الأطراف- وبأن يعمل على وحدة الصف. ومن جهة أخرى طمأن الناصر بأن مؤسسات الدولة تعمل بانتظام ونجاعة وجاهزية تامة وأن الدولة مستمرة، وأن تونس مسيرتها مستمرة. كما دعا الى مزيد البذل والعطاء وإعلاء قيمة العمل وإلى الحفاظ على أمن تونس ومكاسبها. ودعا الأحزاب والمنظمات الوطنية والجمعيات الى الثقة في مؤسسات الدولة والالتفاف حولها لتبقى تونس حرّة ومستقلة ومنيعة.