منذ بضع سنوات، قبل أن تحلّ بيننا مشغّلات الاقراص الليزرية وال»DVD» كانت أجهزة الفيديو نادرة الوجود بالبيوت التونسية، ولم يمض وقت طويل حتى أصبحت توفّر واحد منها لدى عائلة ما سببا للشعو بالفخر والتباهي... بل كان كل من يستأجر جهاز فيديو وشريطا لا يفوّت على نفسه فرصة اظهار ذلك أمام الجيران والاصدقاء والاقارب وكل المحيطين به... أما اليوم فمن يستعمل مصطلح فيديو بكل «أكسسواراته» فستوجه له «أصابع الاتهام» بأنه كلاسيكي وتقليدي وغير متطور. فما سرّ هذا الانقلاب على «تكنولوجيا» يرجع لها الفضل في تقريب السينما والمسرح من البيوت؟ وكيف أطاحت أقراص الليزر بعرش أشرطة الفيديو؟ وما تفسير، انتشار ظاهرة نسخ الاقراص الليزرية على اختلاف أنواعها DVD-DCV-DVIX-MP3؟ وما الفرق بين جميع هذه الوسائط والطرق الحديثة في مجال الاعلامية؟ هذه الأسئلة وغيرها طرحتها «الشروق» على فنيين في مجال الاعلامية ونسخ الاقراص الليزرية في سياق هذا الريبورتاج. هناك عناصر كثيرة يجب الاشارة اليها وعدم التغافل عنها لفهم أصل موضوعنا هذا، فحضور الحواسيب بأغلب البيوت التونسية والمدارس والمعاهد والنوادي الشبابية والثقافية والجمعيات وغيرها وتعميم نوادي الاعلامية على أغلب مناطق البلاد وبعث المراكز الجهوية للاعلامية الموجهة للطفولة... كل هذه العوامل الايجابية التي حققتها بلادنا في السنوات الأخيرة جعلت الاطفال والشباب والكهول وغيرهم يدخلون عالم التكنولوجيات الحديثة من بابه الواسع ويحذقون لغة العصر بكل مصطلحاتها ومفاهيمها وجديدها. **ثورة في هذا القرن الجديد لم تعد أقراص لوحة مفاتيح الحاسوب او الفأرة تستعصي على أصابع أغلب شباب وأطفال تونس، لذلك لم يكن من الصعب على هؤلاء الانخراط في التطور التكنولوجي الذي يشهده العالم كل لحظة. وحين نستقرئ التاريخ يتبيّن لنا أن شريط الفيديو استخدم على نطاق واسع فور ظهوره في السبعينات بالولايات المتحدةالامريكية واليابان، وبعد هذه المرحلة بقليل أطلق في الدول العربية ولكنه كان بكميات قليلة جدا في الوقت الذي لم يكن جهاز التلفزيون الملوّن قد حقق الانتشار بعد، وكان الشريط الصغير «البيتاماكس» هو السائد... وظل الفيديو متربعا على عرش الافلام او سينما البيوت لفترة طويلة حتى ظهور مشغّل «السي دي» أو القرص الليزري ليعلن عن ثورة كبيرة في عالم الصوت والصورة تلتها فيما بعد ثورة «الدي.في.دي» (DVD). **مواصفات دقيقة يقول السيد صلاح بورنان فنّي سامي في الاعلامية وصاحب محل نسخ الاقراص الليزرية «ما يحدث اليوم هو نتيجة طبيعية وايجابية للتطورات التكنولوجية المذهلة يشهدها مجال برامج الكمبيوتر والصوت والصورة، في السابق كان الناس يتباهون عند شراء جهاز فيديو لكن اليوم صار هذا الأمر لا معنى له فالحواسيب ومشغّل ال»في.سي.دي» (Lecteur V.C.D) ومشغّل ال»دي في دي» (Lecteur D.V.D) أصبحت في متناول جلّ العائلات وقد ظهرت منذ أيام بالسوق التونسية تقنية جديدة هي مشغل ال»دي فيكس» (Lecteur D.Vix) وكل هذه التقنيات والوسائط تتيح لمستعملها التمتع بمشاهدة ذات مواصفات دقيقة على مستوى الصوت والصورة والسرعة، وهذه المميزات الثلاث لم يكن شريط أو جهاز الفيديو يوفّرها للمشاهد. **وسائط قد يستعصي على البعض فهم المصطلحات التي أوردها السيد صلاح بورنّان، نعني التقنيات والوسائط الحديثة في عالم الصوت والصورة مثل «في سي دي» و»دي فيكس» و»دي في دي»، لذلك سألناه عن ماهياتها والفرق بينها. يجيب السيد صلاح قائلا: «هي مصطلحات يمكن استعمالها في سياق الحديث عن مشغلات الاقراص التابعة لحواسيب او المنفردة وأيضا في سياق الحديث عن الاقراص المضغوطة التي تحتوي على الافلام والمسرحيات والالعاب وبعبارة أوضح هي وسائط يكتشفها كل مستعمل للحاسوب او المشغلات وخاصة في ما يتعلق بالافلام والمسرحيات والالعاب مثلما اوردت منذ قليل. وبالنسبة لمشغّل (V.C.D) فيبلغ ثمنه 50 دينارا ومشغّل (D.V.D) فيبلغ 150 دينارا أما الجديد فهو مشغّل (D.VIX) ويبلغ ثمنه 300 دينار وكلها تعمل من دون الحاجة الى جهاز الاعلامية. **دينار واحد... المشغلات الأخيرة التي تحدّث عنها السيد صلاح بورنّان عوّضت أجهزة الفيديو بمحلات كراء أشرطة الفيديو، فصرنا نرى مشغلات ال»في سي دي» بالاحياء الشعبية ومشغلات ال»دي في دي» بالاحياء الراقية، وتمنح هذه الأخيرة للمشاهد فرصة متابعة كواليس تصوير الفيلم، وبامكانه اختيار اللغة التي تناسبه ومشاهدة أي جزء يعجبه منه (الفيلم)، ويذكر السيد صلاح بورنان ان ثمن نسخ قرص (D.V.D) أرفع بقليل من ثمن نسخ قرص ليزري (V.C.D) أو (D.VIX) فالنسبة الى الاول فيتراوح بين ستّة وثمانية دنانير اما الثاني (أقراص ليزرية D.VIX - V.C.D) فيتراوح بين دينار ودينارين، وينسحب هذا الثمن ايضا على أقراص الالعاب والأغاني (MP3-Audio). **من «النت» تنوّع الافلام والالعاب والأغاني التي تملأ رفوف محلات نسخ الاقراص الليزرية جعلتنا نسأل السيد صلاح بورنان عن مصدر هذه «البضاعة الحديثة» فأجاب قائلا «المصدر الاول للأفلام والألعاب والأغاني هو الانترنات، وتتطلب عملية التنزيل من الشبكة العنكبوتية وقتا طويلا وهناك من يقوم بهذه المهمة يوميا وخاصة عندما يكون هناك جديد او مباشرة بعد المهرجانات السينمائية العالمية والعربية وغيرها، وعموما هناك جديد كل يومين أو ثلاث». ويأتي بعد الانترنات بعض الاشخاص الذين يوزعون الافلام من خلال اقتناء أفلام أصلية من الخارج ثم نسخها، وكذلك الامر بالنسبة الى الأغاني والألعاب. **هوليود حاضرة جديد الافلام والالعاب والأغاني يفتح دائما شهية حرفاء محلات نسخ الاقراص الليزرية، فتراهم يطرحون السؤال المعتاد لحظة دخول هذه المحلات «ثمة جديد؟». أحد هؤلاء التلاميذ محمد أمين الثغري (15 سنة) الذي كان يتصفح ألبوم الافلام حين سألناه عما يبحث بالضبط؟ أجاب قائلا: «لا شيء بالتحديد ولكن قد يشدّني فيلم ما فأقتنيه». ويضيف قائلا: «لديّ أكثر من 150 قرصا تحوى أحدث الافلام والالعاب وبعض البرمجيات، فأنا اقتني 4 أقراص تقريبا في الشهر. وقد كنت في السابق استأجر أشرطة فيديو اما اليوم فلا مكان لهذه «التقنية الكلاسيكية». بجانب محمد أمين كان زميله وائل غدامسي (16 سنة) يتصفح ألبوم الالعاب. تحدث قائلا: «أنا أقتني أكثر من 10 أقراص شهريا لانني مولع بالأفلام والالعاب وقد اشتريت الحاسوب منذ مدة قصيرة». أما عن نوعية الاقراص التي يقتنيها فيقول وائل: «أحبّذ ألعاب الحركة والافلام الهوليودية فانا أعشق هذه النوعية من الاقراص». **ظاهرة إيجابية ويجرّنا كلام التلميذين وائل ومحمد أمين الى التساؤل عن نوعية حرفاء الاقراص الليزرية، والاجابة عن هذا السؤال التقطناها من تدخل الشاب وسيم المهدي تقني في الاعلامية ويعمل بمحل لنسخ الاقراص الليزرية يقول: «أعمار الحرفاء تتراوح بين 12 و35 سنة وهناك فئة عمرية اخرى هي تلامذة المدارس الابتدائية، كما أنّ هناك عددا لابأس به من الكهول والشيوخ. وبالنسبة الى الفئة العمرية بين 12 و20 سنة فيحبّذون العاب الحركة و»البلاي ستاشن» والذين تتراوح اعمارهم بين 20 و35 سنة فيحبذون الافلام (الشبان: الافلام الغربية والفتيات: الافلام العربية) وبالنسبة الى الموظفين فيحبّذون الأغاني». ويضيف المختص وسيم المهدي ظاهرة انتشار نسخ الاقراص الليزرية بأنها ايجابية لانها بسطت الاعلامية وجعلتها في متناول الجميع وقرّبت المعارف والعلوم من التلامذة والطلبة كما اطلعتهم على احدث الانتاجات الفنية العربية والغربية، وهي عموما ظاهرة تعكس مدى رغبة الشباب التونسي في حذق لغة العصر بكل تفاصيلها. * اسماعيل الجربي