غوغل تسرح 28 موظفا احتجّوا على عقد مع الكيان الصهيوني    حراك 25 جويلية يناشد رئيس الجمهورية الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة    عاجل/ بعد منع عائلات الموقوفين من الوصول الى المرناقية: دليلة مصدق تفجرها..    برج السدرية: انزلاق حافلة تقل سياحا من جنسيات مختلفة    في اجتماعات الربيع: وزيرة الاقتصاد تواصل سلسلة لقاءاتها مع خبراء ومسؤولي مؤسسات تمويل دولية    اليوم: انعقاد الجلسة العامة الافتتاحية للمجلس الوطني للجهات والأقاليم    وزير السياحة يلتقي رئيس الغرفة الوطنية للنقل السياحي    طيران الإمارات تعلق إنجاز إجراءات السفر للرحلات عبر دبي..    بعد فيضانات الإمارات وعُمان.. خبيرة أرصاد تكشف سراً خطيراً لم يحدث منذ 75 عاما    عاجل/ زلزال بقوة 5.6 درجات يضرب هذه الولاية التركية..    الوكالة الفنية للنقل البري تصدر هذا البلاغ    التوقعات الجوية لهذا اليوم..سحب كثيفة مع الأمطار..    عاجل : هجوم إسرائيلي على أهداف في العمق الإيراني    فرنسا: إصابة فتاتين في عملية طعن أمام مدرسة شرقي البلاد    الأندية المتأهلة إلى نصف نهائي الدوري الأوروبي    سلطنة عمان: ارتفاع عدد الوفيات جراء الطقس السيء إلى 21 حالة    اللجان الدائمة بالبرلمان العربي تناقش جملة من المواضيع تحضيرا للجلسة العامة الثالثة للبرلمان    منبر الجمعة .. الطفولة في الإسلام    خطبة الجمعة..الإسلام دين الرحمة والسماحة.. خيركم خيركم لأهله !    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    خلال الثلاثي الأول من 2024 .. ارتفاع عدد المشاريع الاستثمارية المصرّح بها    جوهر لعذار يؤكدّ : النادي الصفاقسي يستأنف قرار الرابطة بخصوص الويكلو    تم جلبها من الموقع الأثري بسبيطلة: عرض قطع أثرية لأول مرّة في متحف الجهة    ضروري ان نكسر حلقة العنف والكره…الفة يوسف    ارتفاع عائدات صادرات زيت الزيتون بنسبة 82.7 بالمائة    عاجل/ هيئة الدفاع عن الموقوفين السياسيين: اللّيلة تنقضي مدّة الإيقاف التحفّظي    عاجل/ بعد "أمير كتيبة أجناد الخلافة": القبض على إرهابي ثاني بجبال القصرين    وزير الصحة يشدّد على ضرورة التسريع في تركيز الوكالة الوطنية للصحة العموميّة    سوسة: الاستعداد لتنظيم الدورة 61 لمهرجان استعراض أوسو    أنس جابر خارج دورة شتوتغارت للتنس    طبربة: إيقاف 3 أشخاص يشتبه في ترويجهم لمواد مخدرة في صفوف الشباب والتلاميذ    تخصيص حافلة لتأمين النقل إلى معرض الكتاب: توقيت السفرات والتعريفة    سيدي بوزيد.. تتويج اعدادية المزونة في الملتقى الجهوي للمسرح    توزر.. افتتاح الاحتفال الجهوي لشهر التراث بدار الثقافة حامة الجريد    محمود قصيعة لإدارة مباراة الكأس بين النادي الصفاقسي ومستقبل المرسى    كأس تونس لكرة القدم: تعيينات حكام مقابلات الدور السادس عشر    بعد حلقة "الوحش بروماكس": مختار التليلي يواجه القضاء    حملات توعوية بالمؤسسات التربوية حول الاقتصاد في الماء    جلسة عمل مع وفد من البنك الإفريقي    شاهدت رئيس الجمهورية…يضحك    انخفاض متوسط في هطول الأمطار في تونس بنسبة 20 بالمئة في هذه الفترة    حيرة الاصحاب من دعوات معرض الكتاب    أبطال أوروبا: تعيينات مواجهات الدور نصف النهائي    عاجل/ تلميذ يطعن أستاذه من خلف أثناء الدرس..    بوركينا فاسو تطرد 3 دبلوماسيين فرنسيين لهذه الأسباب    عاجل : نفاد تذاكر مباراة الترجي وماميلودي صانداونز    هام/ تطوّرات حالة الطقس خلال الأيام القادمة..#خبر_عاجل    ضربة إسرائيل الانتقامية لايران لن تتم قبل هذا الموعد..    الحماية المدنية: 9 حالات وفاة خلال ال24 ساعة الأخيرة    غادة عبد الرازق: شقيقي كان سببا في وفاة والدي    البنك المركزي : ضرورة مراجعة آليات التمويل المتاحة لدعم البلدان التي تتعرض لصعوبات اقتصادية    مصر: رياح الخماسين تجتاح البلاد محملة بالذباب الصحراوي..    وزير الصحة يشدد في لقائه بمدير الوكالة المصرية للدواء على ضرورة العمل المشترك من أجل إنشاء مخابر لصناعة المواد الأولية    توزر: المؤسسات الاستشفائية بالجهة تسجّل حالات إسهال معوي فيروسي خلال الفترة الأخيرة (المدير الجهوي للصحة)    الكاف: تلقيح اكثر من 80 بالمائة من الأبقار و25 بالمائة من المجترات ضد الأمراض المعدية (دائرة الإنتاج الحيواني)    "سينما تدور": اطلاق أول تجربة للسينما المتجولة في تونس    جراحة فريدة في الأردن.. فتحوا رأسه وهو يهاتف عائلته    موعد أول أيام عيد الاضحى فلكيا..#خبر_عاجل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النهضتان الغربية والعربية
نشر في الشروق يوم 05 - 08 - 2019

إن مجال القراءة التاريخية ومجال تأويل التراث عرف نقلة نوعية منذ مؤلفات عبد الله العروي في مجال التاريخ والفكر، ومحمد عابد الجابري في مستوى نقد العقل العربي وهشام جعيط على صعيد الفلسفة الحديثة والمعاصرة وغيرهم من النقاد والمفكرين الذين استبانت مؤلفاتهم عن تصورات تعنى بدراسة المباحث التاريخية والحضارية وفق مناهج تأويلية ارتبطت تاريخيا بالنص المؤسس، ومن ثمة القيام بمعالجة تراثية انقسمت فيما انقسمت الى توجهات عروبية وأخرى اسلامية وتيارات علمانية تتفرّع بدورها الى مرجعيات فكرية متباينة في تأويل التراث العربي. واننا نقصد بالمعالجة التراثية الامتداد الزمني الحاصل في الفكر النهضوي الذي تأسس أساسا على تعارض بين نظرة ازدراء للتأويل تنتصر لأهل الحديث على الرأي، وفكر حداثي تميّز بمطاولة التأويل، ومعاشرة المجاز.
قصدنا في هذا المقال أن نرسم ملامح النهضة الغربية مرفوقة بخلق نظريات عامة للتأويل أفسحت المجال أمام الهرمنيوطيقا باعتبارها مجهودا لفهم التجربة الانسانية وتحوّلا الى منهج لفهم النصوص. وإن التدقيق في نصوص القرن السادس عشر يصير بنا الى القول عن بداية انطلاق أوروبا الغربية في مجال الفكر والمعرفة، وكان المحرك لهذا التقدم الانعتاق من سلطوية الكنيسة التي خضعت سياسيا واجتماعيا واقتصاديا الى سلطة «بابا الفاتيكان». ويرجع الفضل في ذلك الى الكاثوليكي الألماني مارتن لوثر، الذي دعا سنة 1517 الى لزوم التحرر من أدوات الأسلبة الدينية مجسّدة في العقائد الكاثوليكية وما لحقها من العِيّ والعجز الفكريين. ومن هنا نفهم كيف انتهت الفكرة «اللوثريّة» الى ضرب من الانخلاع عن مبادئ الكنيسة والتحول الى مرحلة جديدة رامت في أصل جوهرها تحريك عجلة التغيير التاريخي.
إن المبحث ينحو في جانبه التحليلي الى الاستئناس بأعلام ساهموا في إعادة بناء المفاهيم والتأويلات وإخضاعها الى مقاييس النقد التاريخي وأصول التحليل اللساني... وفتحوا المجال أمام قراءات جديدة متحرّرة من الاسقاطات التاريخية والمغالطات الابستمولوجية والتهويمات المنهجية. ووقع اختيارنا على أعلام ثلاثة تميّز كلّ في مجاله بتحليلات استقرائية وأنماط تعليلية تعنى بالاقتراب من الحقيقة والتحول من «علوم الرّوح» الى «علوم الانسان، هؤلاء المفكرين تباعا:
كارل ماركس: الحديث هنا إنما يتركز على نظرية علمية محددة لطبيعة العلاقات الاقتصادية والسير بها من رأسمالية (آدم سميث) نحو بنية اقتصادية كشفت عن ثيمات تصادمية بين مصالح الطبقة الرأسمالية من جهة وطبقة البروليتاريا من جهة أخرى، وبغض النظر عن مدى نجاح النظريتين الاشتراكية والشيوعية، وبغض النظر عن مشروعية الهدف الذي تتحرّك نحوه الماركسية فلا مفرّ من الحديث أنه باستثناء بلدان أوروبا الشرقية وروسيا (الثورة البلشيفية) فإن الايديولوجيا الماركسية برهنت على فشل تجربتها في أمريكا وآسيا وبلدان أوروبا الغربية، هذه بعجالة النظرية الماركسية السائدة.
سيغموند فرويد: أحدث هذا الرجل ثورة علمية في مجال علوم النفس، وكان له الفضل في إرساء اجراءات مفهومية تقوم على بعد تجريدي عال وفق قوانين محتومة.
جان بول سارتر: مؤسس الفلسفة الوجودية، ساهمت فلسفته في سباق تصوره للثقافة الأوروبية، في انبثاق الثورة الفرنسية، وأكد على أهمية الانسان في الفضاء المعرفي ومركزية الوجودية باعتبارها سبيلا رئيسيا في رؤية الانسان للأشياء.
تدفعنا الضرورة المنهجية الى الكشف عن مدى تأثر الثقافة العربية بالنهضة الأوروبية. وهو تأثر كرّسته جادة أعمال النهضة التي أبان روادها عن روح الامتلاء بالعقل النقدي والحسّ التاريخي، ولفهم خطاب عصر النهض، أسباب التقدم والتأخر، لا بد من استجلاء التجربة الغربية سوسيولوجيا، ابستمولوجيا... واستحضار الصدمة الحضارية مع الآخر التي زلزلت الثقافة الكلاسيكية للعرب والمسلمين واستدراك سؤال المواءمة بين اكتساب الحداثة والمحافظة على الهوية. فكانت الضرورة تفرض إعادة النظر في العلاقة بين المعرفة والسلطة ولمجتمع، ووجد رجال النهضة أنفسهم أمام معضلة حقيقية، إما الرجوع الى الاسلام الأول منبع الفطرة، أو التسليم بتراخي الماضي وهيمنة مفاهيم جديدة من قبيل الديمقراطية، الحداثة، العلمانية...
تناولت هذه الدراسة الاتجاهات الدينية والسياسية والاجتماعية والعلمية التي تكونت عند العرب نتيجة اتصالهم بالفكر الغربي في الفترة الواقعة بين حملة نابليون بونابارت على مصر عام 1798 وقيام الحرب العالمية الأولى عام 1914. فعصر النهضة ليس تاريخ الذاكرة الجماعية فحسب، وإنما هو تاريخ عمّق فكرة الوعي بالانفتاح العلمي وتعدّد المناهج ومن ثمة الدعوة الى تحديث العقل العربي، ويمثل النصف الأول من القرن التاسع عشر مرحلة مهمة في تاريخ تطور الفكر في العالمين العربي والاسلامي، وفي ذلك المرحلة ظهرت شخصيات مهمة على صعيد العلم والاجتماع... انخرطت في تيارات فكرية تصبو الي تجاوز التأخر التاريخي في الثقافة والمعرفة. وهي على تباينها محاولات تاريخية ترنو الى استفراد الثورة المنهجية والابستمولوجية لأوروبا الغربية.
وقد سبق المسيحيون العرب المسلمين منهم الى التبشير باتجاهاتهم النهضوية والمجاهرة برؤيتهم النقادة والنفاذة للأدب والتعليم وحتى الاقتصاد والسياسة وغيرها من البُنى الاجتماعية والعلمية. ففي فجر القرن التاسع عشر دخل المذهب البروتستاني الى البلاد العربية وتُرجم الانجيل الى اللغة العربية وأخذت طوائف الروم الأرثوذكس في بلاد الشام تطالب بتعريب كنيستها وتعريفها علما أن الكنائس الكاثوليكية هي التي عملت على إنشاء المعاهد التي تخرجت منها الارساليات التبشيرية التي تمخضت بدورها عن بروز رواد الحركة القومية رجالا ونساء.
تشير المعطيات الختامية الى وجود نقاط ائتلاف ونقاط اختلاف بين النهضتين القائمتين أساسا على مفاهيم الحرية والعدالة والمساواة، من هنا وفي تظافر مع ما تقدم، هل يمكن الاعتقاد الصارم في نجاح العلوم والمناهج النهضوية المنفتحة على الحداثة والاختلاف؟ أم أن محاولة صهر التعددية المنهجية الغربية والتراث الثري الماضوي وكذا مدّ جسور التواصل بينهما فسح المجال لعودة الدّغمائيات وسوسيولوجيا الفشل؟
غادة سالم
(أستاذة عربية وباحثة)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.