مثل وزير المال والإدارة أو الحسبان والديوان بعبارة ابن خلدون . ومهمّته أن ينظر النظر المطلق في الدخل والخرج ويستخلص الأموال ويعاقب على التفريط. استأثر بهذه الخطّة الموحّدون إلى أن أصبح ينافسهم فيها الأندلسيّون منذ ولاية أبي زكّرياء الحفصي عندما أصبح صاحب الأشغال في الرتبة بعد وزير الجند، الذي هو كالوزير الأوّل، وقبل وزير الفضل أو الكتابة، وديوان الجباية تابع له. وكان يسمّى عمل العمود ربّما لشكل التسجيل العمودي في الدفاتر الحسابية. ومن أصحاب الأشغال من لعب دورا سياسيّا، فقد كانت مبايعة الواثق بالله الحفصي سلطانا على تونس على يد سعيد بن أبي يوسف بن أبي الحسين صاحب الأشغال . ولكن مع السلطان أبي فارس ( حكم 1394 – 1434 م ) تراجعت مكانة صاحب الأشغال، ثمّ زالت مشيخة الموحّدين في 1462 م وتلتها الحجابة، وأصبح المنفّذ في المرتبة الأولى وصاحب الأشغال في المرتبة السابعة في تراتبيّة المخزن المركزي سنة 1470 م. وبعد انهيار سلطان الحفصيين ودخول الأتراك حافظ هؤلاء على هذه الخطّة نظرا إلى دور المكلّف بها في إدارة الشؤون الداخلية والجبائية. البشروش (ت.): موسوعة، ص 57 - 58. الصادقيّة : تولّى خير الدين باشا الوزارة الكبرى سنة 1290 ه / 1873 م بعد جولته الأوروبية سنة 1278 ه / 1861 م واستخلاص العبرة منها في أنّ سبب تأخّر المسلمين في عصره هو جهلهم بالعلوم العصرية وأنّ نهضتهم إنّما تكون بالاقتداء بالغرب فيما لا يتنافى مع دينهم حسب ما هو مفصّل في كتابه « أقوم المسالك»، فاغتنم فرصة تحويل ثروة سابقه مصطفى خزندار إلى الدولة بمقتضى الصلح معه لينصح المشير محمد الصادق باي باستثمارها في مشروع يخلّده متمثّل في مدرسة باسمه لتعليم العلوم واللغات ويستعين على المناوئين بنخبة المتنوّرين في إطار لجنة متكوّنة في جوان 1874 من أحمد بن الخوجة المفتي الحنفي والطاهر النيفر القاضي المالكي وعمر بن الشيخ قاضي باردو ومحمد العزيز بوعتّور باش كاتب وزير القلم والاستشارة ومحمد بيرم المدرّس ورئيس جمعيّة الأوقاف ومحمد العربي زرّوق رئيس المجلس البلدي والمدرّسين أحمد الورتتاني ومصطفى رضوان. أحدثت المدرسة بأمر عليّ في 5 ذي الحجّة 1291 ه / 13 جانفي 1875 وفتحت أبوتبها في الشهر الموالي بمقرّها الأوّل بقشلة الزنايديّة بنهج جامع الزيتونة عدد 55 . وكان أوّل مدير لها العربي زرّوق إلى ماي 1881 تاريخ استقالته بمقتضى معاهدة الحماية . وكان المتميّزون من تلامذتها يواصلون التحصيل في العربية بالزيتونة وفي اللغات الأجنبيّة والعلوم بباريس مستفيدين من عناية خير الدين بهم وتشجيعه لهم زيادة على مدائح الشعراء كالباجي المسعودي ومحمد التطاوني ومحمد البارودي الحنفي (ت1887م) وأحمد كريّم (ت 1897 م) وأحمد بن الخوجة (ت 1896 م) وزيادة – كذلك – على تحبيسات أهل الخير كالشيخ محمد عريف ناظر أوقاف الحرمين الشريفين. ولكنّ الحال تدهورت بعد استقالة خير الدين سنة 1294ه / 1877م وتوزير مصطفى بن إسماعيل الذي استحوذ على أعظم أملاكها كهنشير قعفور وهنشير قرنبالية . كانت الصادقيّة ضمن إصلاح التعليم من أهمّ ركائز نظام الحماية الذي سطّره الوزير المقيم بول كمبون ( Paul CAMBON) 1882 – 1886م). وكانت البداية بإحداث إدارة للعلوم والمعارف تولاّها المستعرب الكبير لوي ماشوال ( Louis MACHUEL ) مدرّس العربيّة بوهران . حفظت أرزاق المدرسة وأعدّ لها برنامج جديد يدعم الفرنسيّة ويبطل الإيطاليّة والتركيّة والبعثات إلى فرنسا ويفتح فروعا لها بالعلويّة وبمعهد سعدي كارنو (S.CARNOT) باسم رئيس الجمهورية تخليدا لذكراه سنة 1893م بعد أن كان باسم الصادقيّة العليا وباسم سان شارل (St CHARLES) من قبل في عهد الكردينال لافيجري (LAVIGERIE Cl) . وتعاقب على إدارة الصادقيّة المستعرب دلماس (DELMAS) من 1892م إلى 1912 وبولّون (BOLLON) من 1912 إلى 1927 وميرا (MERAT ) من 1927 إلى 1934. وكان الأستاذ محمد عطيّة أوّل مبرّز في اللغة والآداب العربية ومن خرّيجيها يعيّن مديرا مساعدا لها من 1934 إلى 1944 فمديرا من 1944 إلى 1955 تحت إشراف حازم من إدارة المعارف مدّة العلاّمة شارليتي (CHARLETY) وخلفه العلاّمة قو (GAU) اللّذين حسّنا ظروف الإقامة والدراسة بها والمواصلة بالخارج بقدر حرص الهادي بن طاهر على حسن التصرّف في مواردها وأوقافها بصفة وكيل من 1907 إلى 1941. ذلك ما مكّن الصادقيّة من تخريج نخبة مثقّفة رفعت راية التنوير والتحديث والنضال الوطني بأمثال البشير صفر ومحمد الأصرم وعلي باش حانبة من حذّاق اللغتين وحملة الشهائد العليا المشرّفة. ابن الخوجة (م.): صفحات، ص 309 – 323 ؛البشروش (ت.) : موسوعة، ص 293 – 297 ؛ سريّب (نور الدين): الصادقيّة (بالفرنسية)؛ الطويلي (أحمد): الصادقية / خير الدين مؤسّسا ومحمد العربي زرّوق مديرا . – تونس 2005؛ عبد السلام (أحمد) : الصادقيّة والصادقيّون . – تونس 1975 (بالفرنسية ثمّ بالعربية)؛ المصعبي (هشام) : أحباس المدرسة الصادقية . – في : المجلة الصادقية، ع 59، جويلية 2012، ص 18 – 36 ؛ المنقعي (العروسي) : الصادقيّة وأثرها في الحياة الفكرية (رسالة لشهادة التعمق في البحث سنة 1979، مرقونة بكليّة الآداب في 366 ص ) عرضها عبد الحميد العجمي في مجلة « الحياة، ع 30، س 1984 وفي «المجلة الصادقية»، ع 60، جوان 2013، ص 37 – 42. (يتبع)