ولقد وصلت الحال الى شيء من الحيرة والعجز، عندما وقع السادات الاتفاقيات فحتى القيادات، أصابها العجز والحيرة. وكان لابد والحالة هذه إخراج الأمة من المأزق ومن الوضع النفسي الذي لابد وان تكون له نتائج عملية على المستوى السياسي فعقدت القيادة سلسلة من الاجتماعات وكانت النقطة الاساسية قناعتنا في ان مواجهة هذا الظرف لا يمكن بصيغ تقليدية متداولة لابد من صيغ جديدة لابد من أسلوب يهز الوجدان العربي ويضعه في مستوى ايجابي متقدم لقد كان الوضع النفسي من المسائل المركزية في التغيير. واتخذنا على هذا الاساس ثلاثة قرارات مركزية أساسية : هي اعتبار الساحة العراقية مكملة للساحة السورية ووضع الجيش العراقي في هذه الساحة في الصراع كي نرفع الوضع النفسي لحكام وشعب سوريا والوضع النفسي العربي عموما واتخذنا كذلك قرارا بالاستعداد لبناء علاقات جديدة مع سوريا تأخذ بعين الاعتبار الخطر المشترك اما قرارنا الثالث فهو الدعوة لعقد مؤتمر القمة في بغداد بغية الحصول على اجماع عربي برفض نتائج كامب ديفيد وتحقيق موقف عربي موحد. لقد تحرّكنا بسرعة قبل ان يفيق الامريكان من المفاجآت...وانعقد مؤتمر القمة في بغداد وحصل الاجماع العربي على رفض اتفاقيات كامب ديفيد وعدم التعامل معها أو بآثارها وتكون صندوق لدعم الجبهات..ونصت القرارات على مقاطعة الحكومة المصرية اقتصاديا وسياسيا..كذلك اتفق على نقل الجامعة العربية من مصر. لقد كانت هذه التدابير فعّالة ومهمة وكانت الرد المباشر على محاولات كارتر ان يصور ان مفتاح الوطن العربي بيد السادات ان هذا بحد ذاته يشكل انتصارا مهما ولابد الآن من متابعة تنفيذ القرارات.. ولقد كانت قمة بغداد تمتاز بصفة بارزة – على حد تعبيره – هي أن قراراتها كانت عربية لا هي سوفيتية ولا هي غربية..ولكن كيف يتصور الامر لو أصر الامريكيون على دفع كامب ديفيد مع السادات الى امام وحاولوا ان يجروا بعض الاطراف العربية اليها عن طريق التخويف؟ اننا سنسمع صدام حسين يقول لفرانيوا دينيو وزير التجارة الخارجية الفرنسي في لقائه معه في شهر فيفري عام 1979. انهم سوف يقسمون العرب فتصبح هناك حالتان الاولى حالة امريكية – عربية والثانية لا يمكن الا ان تكون حالة سوفيتية – عربية، واذا ما حدث ذلك فحينئذ سوف يحدث التسلل الى المنطقة..الذي لا نريده ومن المؤكد انكم لا تريدونه لأنكم ستكونون الخاسرين رقم واحد، كما نكون نحن الخاسرين رقم واحد. ومطلوب من فرنسا وأوروبا ان توضح هذا للأمريكان. غير ان قمة بغداد التي كانت قراراتها عربية سوف تجد التعبير المتكامل عن روحها والصياغة الأشمل لمنطقها في اعلان صدام حسين الذي اذاعه على الأمة العربية في 8 فيفري عام 1980 وهو الاعلان الذي اشتهر بعد باسم: الميثاق القومي. أولا... رفض تواجد الجيوش والقوات العسكرية وأية قوات وقواعد أجنبية في الوطن العربي أو تسهيل تواجدها بأية صيغة من الصيغ وتحت أية ذريعة أو غطاء ولأي سبب من الاسباب وعزل اي نظام عربي لا يلتزم بهذا المبدأ ومقاطعته سياسيا واقتصاديا ومقاومة سياسته بكل الوسائل المتاحة. ثانيا... تحريم اللجوء الى استخدام القوات المسلحة من قبل أية دولة عربية ضد أية دولة عربية أخرى وفض أية نزاعات يمكن أن تنشأ بين الدول العربية بالوسائل السلمية وفي ظل مبادئ العمل القومي المشترك والمصلحة العربية العليا. ثالثا... ويطبق المبدأ الوارد في البند الثاني على علاقات الأمة العربية بأقطارها مع الامم والدول المجاورة للوطن العربي فلا يجوز اللجوء الى استخدام القوات المسلحة في المنازعات مع هذه الدول إلا في حالة الدفاع عن السيادة والدفاع عن النفس ضد التهديدات التي تمس أمن الاقطار العربية ومصالحها الجوهرية. (يتبع)