اليوم العيد الوطني للمرأة التونسية: هل نكتفي بذكر المكاسب ونغمض العين الأخرى على المشاكل وعلى محدودية تلك المكاسب في واقع الممارسات الاجتماعية؟ سنحاول مواكبة مناسبة اليوم الوطني للمرأة التونسية من ثلاث زوايا الأولى الإقرار بتغير واقع المرأة والثاني التركيز على ظاهرة ترابط اليوم النضال من أجل المرأة مع النضال من أجل قيم المواطنة. آما الزاوية الثالثة فسنحاول بشكل خاطف جدا الحديث عن التفاوت الحاصل في الحياة العاطفية والمعرفية والاجتماعية اليومية في حياة المرأة بين التشريعي والظواهر التي تعبر عن أزمات تعيشها المرأة التونسية اليوم. لنقل في البداية أجمل ما يمكن أن يقال عن علاقة الرجل والمرأة: هما سر الوجود وقلب الحياة النابض وأصل البشرية والعطاء والخصوبة. إنهما صانعا المعنى بامتياز وحولهما يدور كل شيء. هما الحب في تمظهراته الكثيرة وعلى عاتقهما وضع الله تعالى امتحان الدنيا وبهجتها وصعابها. هما في الحقيقة واحد تراهما العين المجردة اثنين. لا غنى للثاني عن الأول ولا الأول عن الثاني. كل هذا جميل بل وأيضا حقيقي ولكن كل ما قلناه ولم نقله في مديح العلاقة بين الرجل والمرأة وأهمية هذه العلاقة وجوديا واجتماعيا لم يمنع من أن تكون هذه العلاقة عرضة للتوتر والصراع والهيمنة تاريخيا. هناك مجتمعات قطعت أشواطا في تذليل الهيمنة والتمايز بين الجنسين وذلك منذ أن هبت رياح الحداثة التي بشرت بتحرير الإنسان رجلا وامرأة من حتمية المؤسسات الاجتماعية المتحكمة في الفعل الاجتماعي ومجتمعات أخرى بصدد تحقيق بعض الخطوات مع تعثرات واضحة. ما هو واضح اليوم لكل العالم هو أن إرادة تحرير المرأة بالكامل من سلطة المجتمع الأبوي والهيمنة الذكورية قد باتت واقعا لا لبس فيه. حتى لكأن المسألة تتطلب فقط النضال أكثر وتراكم المنجز التشريعي الحقوقي والنتيجة مضمونة لا ريب في ذلك. فالعالم اليوم انخرط في التحديث ولا مجال للعودة إلى الوراء، كما أن المشاريع المجتمعية الراهنة قائمة على الجنسين وتراهن على تصور جديد للمجتمع ولتقاسم الأدوار والثروة والامتيازات بينهما. بمعنى آخر فإن معركة إعادة بناء العلاقة على أسس حداثية تنتصر للأنسنة بشكل يكون فيه الولاء للإنسان دون الانتماء الجنسي هي معركة القرن الجديد وحربه المشروعة. من هذا المنطلق يكون النضال الموجود منذ سنوات في تونس وفي مجتمعاتنا العربية الإسلامية وغيرها إنما هو نضال من أجل مجتمع أفضل وأقوى ومن أجل رجل أقل أعباء وأكثر تبادلية وعلاقة أفقية بينه والمرأة. وتبعا لهذا الأفق الثقافي الفكري يمكننا القول إن احتفال العالم باليوم العالمي للمرأة أو باليوم العالمي للرجل هو في واقع الأمر احتفال بالجنسين معا وبالمجتمع ككل. كما أننا نلاحظ بإيجابية عالية كيف أن المعارك القيمية الثقافية اليوم متداخلة جدا وتخدم بعضها البعض. فمعركة تثبيت قيم المواطنة والتربية عليها تصب في عصب أساسي منها من المساواة بين الجنسين أمام القانون وفي التشريعات. وهذا وذاك يتداخلان على نحو خلاق ومثمر ويتجهان صوب غربلة أنماط السلوك الثقافية وممارسة النقد الثقافي لمجتمعاتنا وإعادة تشكيل العقل والوجدان والتمثلات والمخيال .