في إطار نشاطها الفكري لموسمها الثقافي الجديد 2018 / 2019 نظمت جمعية تونس الفتاة بالاشتراك مع مؤسسة كونراد أديناور ندوة فكرية تحت عنوان " النسوية في العالم العربي : نظرة نقدية" احتضنها نزل لايكو بتونس العاصمة يوم السبت 22 سبتمبر الجاري أثثها ثلة من أساتذة الجامعة التونسية والباحثين المهتمين بالقضية النسوية وموضوع الجندرية. في هذه الندوة تم الحديث عن البدايات الأولى للحركة النسوية في العالم العربي و التي تشكلت بالأساس بداية من القرن التاسع عشر مع ظهور فكر الإصلاح العربي وحركات النهضة العربية مع أسماء بارزة مثل قاسم أمين ورفاعة الطهطاوي وطه حسين وجمال الدين الافغاني والطاهر الحداد ومحمد عبده وغيرهم وتم التأكيد على أن الحركة النسوية في حقيقتها بدأت من الوعي النظري بفكرة حاولت مجموعة من الناشطات العربيات من خلالها تغيير الواقع الاجتماعي وهذا ما جعل من المهم تصحيح هذا المدخل التاريخي للحركة النسوية الذي لم يبدأ مع النضال الرجالي من زعماء النهضة العربية كما هو سائد في الأدبيات العربية التي أرخت للحركة النسوية وإنما قضية تحرر المرأة قد بدأت في حقيقتها مع الجهد الكبير الذي بذلته الكثير من النساء العربيات للدفاع عن حقوقهن وللمطالبة بتحسين وضعهن وهنا لا بد من ذكر إسم الأميرة نازلي فاضل وصالونها الأدبي الذي كان يرتاده الكثير من المفكرين والأدباء وقادة الفكر الاصلاح العربي سواء لما كانت في مصر أو حتى بعد مجيئها إلى تونس حيث يذكر أن الكثير من علمائنا قد تأثروا بفكرها الاصلاحي على غرار الشيخ سالم بوحاجب ووالشيخ الطاهر الحداد وغيرهما فكان صالونها فضاء فكريا كانت له الريادة الأولى في نشر الفكر النسوي الجديد الذي يطالب بتغيير حال وواقع المرأة المصرية ومن ورائها المرأة العربية في مطلب خروجها للعمل وحقها في التعليم وحقها في المشاركة في الفعل السياسي مع موجة الاستعمار الذي اجتاحت العالم الإسلامي. في هذه المرحلة الأولى كان هذا المطلب الاصلاحي الاجتماعي قائم بالأساس على ضرورة تعليم المرأة وتدريبها لتكون أما وربة بيت صالحة وإعدادها للحياة الأسرية بما يعني أن مطلب تحريرها لم يكن في البداية من أجلها هي أومن أجل حقها الإنساني المهدور في أن تتمتع شأها شأن الرجل بكل الحقوق التي يتمتع بها و إنما كان مطلب تحررها مؤسس على تحميلها جانبا كبيرا من مسؤولية فيما حصل للعالم الإسلامي من تخلف وتراجع حضاري لقد كان الموقف الأول في البدايات الأولى لدعوات تحرير المرأة والتفكير في تأسيس حركات نسوية تعمل على إخراج المرأة من واقعها المتخلف هو أن تخلف المسلمين سببه الأساسي تخلف المرأة وتخلفها هذا كان نتيجة عدم قدرتها على تربية الناشئة وتربية الأجيال التي تحتاجها الأمة في نهوضها الحضاري من جديد لعدم تعلمها وهذا يعني أن الحركة النسوية العربية كانت منذ نشأتها الأولى مرتبطة في قضية تحرير المرأة بقضايا تتجاوز ذاتها ووظفت في معركة لم تتسبب فيها و تقيدت برهان أكبر منها في تجاهل تام لإنسانيتها وذاتها وكونها فردا من المجتمع لا يختلف في شيء عن الرجل من حيث المسؤولية والحقوق والواجبات. هذه النظرة الأولى لقضية تحرير المرأة والتي اعتبرت أن تخلف المسلمين وتأخرهم حضاريا عن غيرهم من أمم الدنيا سببه تخلف المرأة قد تغيرت في مرحلة الثلاثينات من القرن الماضي وما بعدها مع تنامي موجة حركات التحرر الوطني وسقوط الخلافة العثمانية وظهور البوادر الأولى لعمليات التحديث العربي وظهور حركات الصحوة الاسلامية التي اعتمدت على البروز النسوي لصد موجة التغريب التي راهن عليها الاستعمار لاحتلال الأوطان من خلال الغزو الفكري وتفكيك الأسر العربية . في هذه المرحلة تتطور الوعي النسوي بضرورة الحديث عن المرأة في ذاتها والتركيز عن حقوقها الإنسانية بمعزل عن تحميلها مسؤولية التخلف وقضية النهوض التي يطرحها رجال الحركة الاصلاحية ومن هنا بدأ النضال من أجل اكتسابها المزيد من الحقوق في العمل وحقها في المشاركة السياسية وحقها في المساواة مع الرجل فكان أن ظهرت اتحادات نساء و تأسيس هياكل تنتظم فيها المرأة للدفاع عن حقوقها فكان أول اتحاد للمرأة التونسية أسسته بشيرة بن مراد تحت إسم " الاتحاد النسائي الإسلامي التونسي سنة 1937 " ثم تلاه الاتحاد الوطني للمرآة التونسية سنة 1956 على يد عدد من المناضلات الدستوريات كانت راضية حداد أول رئيسة له . تناولت هذه الندوة المرحلة التي تلت الحركة النسوية التي انحصرت مطالبها في اكساب المرأة حقوقها الاجتماعية والسياسية مع الابقاء على التفرقة التقليدية بين الرجل والمرأة بل يمكن القول إن القضية الجنسية لم تكن مطروحة لانشغال المرأة بمطلب التحرر ولم تحصل النقلة النوعية في مسيرة قضية المرأة إلا مع بروز الفكر الحندري وقضية التفرقة بين الرجل والمرأة على أساس النوع الاجتماعي والجنس الاجتماعي والوضعية الاجتماعية بقطع النظر عن الجنس البيولوجي أي أن المساواة التي كانت تطالب بها الحركة النسوية في بداية القرن التاسع عشر قد أصبحت مع الحركة الجندرية التي ظهرت خلال ثمانينات القرن الماضي تؤسس مطالبها على نظرية النوع الاجتماعي ومن هنا جاءت المطالبة بالاعتراف بحقوق المثليين والمتشابهين جنسيا والاعتراف بالجنس الثالث وبالعائلة المثلية والعلاقات الجنسية المثلية في مقابل العائلة الغيرية والعلاقات الجنسية القائمة على جنسين مختلفين هما الرجل والمرأة. في خصوص مطلب المثلية الجنسية وحقوق المثليين طرحت في هذه الندوة الكثير من الأفكار في علاقة بتبرير هذا التوجه الجنسي المثلي من الناحية العلمية والنفسية وتم التعرض إلى جانب من الجدل الفكري والعلمي حول طبيعة المثلي جنسيا . ومن الأفكار التي تستحق أن نتوقف عندها قليلا ما ذكر في هذه الندوة أن الجنس البيولوجي لا يتطابق بالضرورة مع الضمير والهوية الجنسية فقد يكون الفرد ذكرا و يكون أنثى بقطع النظر عن ظهور أو اختفاء أعضائه التناسلية التي تميزه ظاهريا وهذا يعني أن الهوية الجنسية والضمير الجنسي هما غير قار ولا تحدده الأعضاء التناسلية وهو ما يعبر عنه بالنوع الجنسي المضطرب الذي له استعداد دون توقف للتحول جنسيا فهو يتغير حسب قرار الفرد ليصبح نوعا آخر غير النوع الذي هو عليه وولد به وهذا يعني أن المعطى البيولوجي لا يكفي لجعل المرأة امرأة والرجل رجلا وأن هناك عوامل أخرى تحدد الفروق بين الجنسين فالعامل الطبيعي موجود للتعرف على الجنس ولكن المعطى الثقافي مهم لتحديد الجنس والاستعدادات التي تحدد الضمير الجنسي موجودة كذلك وهي التي تحدد الاختلافات من ذكورة وأنوثة منذ الولادة و لكن هذه الهوية الجنسية لا تكفي فيها الطبيعة وإنما قد تتغير بفضل جملة من العوامل الأخرى منها العامل الثقافي والعامل النفسي . لكن السؤال المشكل هو هل أن العلاقات داخل المجتمع الإنساني والحياة الانسانية تبنى على العلاقات الجنسية المثلية أم على العلاقات الجنسية الغيرية ؟ وبمعنى آخر هل أن الكون مبني على وجود نوعين من البشر تم تأهيلهما لضمان بقاء الانسانية واستمرارها من خلال عملية التزاوج والتوالد أم أن الوجود يمكن أن تضمنه العلاقات الجنسية المثلية ؟ وهنا يطرح سؤال فرعي آخر وهو هل أن الحالة الطبيعية للإنسان في أن يكون الفرد في علاقة جنسية مع فرد آخر من غير جنسه ؟ أم أن الطبيعي والذي من أجله خلق الوجود أن يكون للفرد علاقة جنسية مع من يشبهه من جنسه ؟ وهل أن الأصل و القاعدة العامة في الانسانية هي العلاقات الجنسية القائمة على تلاقي رجل وامرأة أم أن الأصل في تلاقي الأفراد من نفس الجنس أي رجل مع رجل وامرأة مع امرأة ؟ ما تم تقديمه إجابة على كل هذه الأسئلة المشروعة التي تطرحها القضية الجندرية في علاقة بحقوق المثليين جنسيا هو أنه مع اعترافنا بوجود ميولات جنسية مثلية ومع إقرارنا بأن الضمير الجنسي والهوية الجنسية للفرد متحولة ولا تحددها الاستعدادات الطبيعية ولا تفيد معها ظهور الأعضاء التناسلية أو اختفاؤها فإن الأمر الذي يجب أن لا يغيب عنا ونحن نتناول حقوق المثلين هو أن الأصل في الوجود والحياة الإنسانية في التلاقي بين جنسين مختلفين وأن القاعدة الأولى هي العلاقات الجنسية الغيرية وأن الاستثناء من هذا المبدأ العام هو في وجود أفراد لهم ميولات مختلفة عن ميولات الأغيار ومن ثم لا ينبغي أن يتحول الاستثناء إلى الأصل ليصبح الاستثناء هو القاعدة العامة وما يحدث اليوم في العالم الغربي هو تدمير الأسرة الغيرية القائمة على تلاقي رجل وامرأة وعلى نوعين من جنسين مختلفين وإحلال محلها الأسرة المثلية القائمة على شخصين من نفس الجنس لذلك كان المطلوب لحل ولمعالجة الظاهرة المثلية هو إدماج الاستثناء البيولوجي في القاعدة العلامة للنظام الجنسي و لا العكس وأن الاعتراف بجود الاستثناء ضمن القاعدة المتمثل في الميولات المثلية هي مسألة طبيعية يتم التعاطي معها لا برفضها وإنما باحتوائها في إطار النظام الجنسي العام وإدماج هذا المعطى الجنسي حتى يتلاءم مع المنظومة العامة للكون والوجود والغاية التي من أجلها خلق الإنسان فوق هذه الأرض حتى يتواصل النسل والبشر فالغيرية مهمة لإنتاج الحياة وخلافة الأسلاف جنسيا ومن دون غيرية لا يمكن للحياة أن تستمر. فالقلق الفردي الذي نلحظه لدى المثليين لا ينبغي أن ينسينا طبيعتنا الجنسية في كوننا قد خلقنا أغيارا رجلا وامرأة ولنكوّن علاقات جنسية غيرية وحتى نحافظ على هذه الغيرية الجنسية القائم عليها الوجود علينا أن نحافظ على طبيعتنا الجنسية الأصلية.