جاءت المفاجأة التي هزت الوسط الفني من خلال مونولوغ « ان كنت اسامح» للقصبجي وأداء ام كلثوم سنة 1928 , كانت عبارة عن فتح في تاريخ الغناء العربي ومنعطفا هاما بفضل الأسلوب الجديد الذي اتبعه فيها واستغل فيه طاقة ام كلثوم الصوتية في المد والترجيع وفي تحويل الأداء الذي دأب المطربون والمطربات على إلقائه الى تعبير لمعاني الاغنية وترجمة احاسيس المؤدي – مطربا كان ام مطربة- لكلام الاغنية وبذلك انتقل الالقاء الغنائي بفضل القصبجي وام كلثوم الى مرحلة جديدة لم تكن معروفة قبل ذلك في الغناء العربي لقد اقضت اغنية « ان كنت اسامح» مضاجع الملحنين ودفعتهم للتحامل بما فيهم محمد عبد الوهاب الى جانب عدد من الملحنين الشبان في تلك الحقبة ومن ضمنهم رياض السنباطي الذين وقفوا مبهوتين امام هذا الفتح الموسيقي الجديد الذي غير وجه الاغنية والغناء عموما لأنه نحى في ألحانه التي جاءت بعد هذه الاغنية المنحى نفسه واكتشف من وراءها المستقبل الوضاء الذي ستصير اليه وكان في تلك الفترة عاكفا على تلحين أغنيات لعبد الغني السيد واحمد عبد القادر لم يقتصر تأثر السنباطي بأسلوب القصبجي على المونولوغ بل طال هذا التأثير وجعله يمتد ليشمل الطقطوقة كفن , فقد وجد بحدسه الفني ورفضه العفوي في « الطقاطيق» التي كانت شائعة آنذاك نظما ولحنا كثيرا من الابتذال والاسفاف, زكان يغني هذه « الطقاطيق» جميع المطربين والمطربات دون استثناء كمنيرة المهدية ونادرة ونعيمة المصرية وسعاد محاسن وسمحة البغدادية وفريدة مخبيش وعزيزة حلمي وصالح عبدالحي وغيهم ... فكان ان غنت منيرة المهدية لزكريا احمد « ارخي الستارة « ولمحمد القصبجي « بعد العشا يحلا الهزار والفرفشة « وغيرها من الالحان والتي دفعت بالسنباطي الى الناي بنفسه والترفع عن مثل هذه الالحان وحتى مجرد التفكير في التلحين على شاكلتها، فأرضيته القروية وجذوره الدينية واخلاقياته الخاصة، كلها باعدت بينه وبين الفن الخليع الذي انحدر اليه فن الطقطوقة اتجه رياض السنباطي الى اختيار نصوص غزلية خفيفة بعيدة عن الابتذال تتحدث عن الحب بلغة معقولة لا ابتذال ولا اسفاف فيها فاعطى وراء ذلك رؤيته المستقبلية وعفويتها لصادقة في ترجمة المعاني الى الحان غنائية وكان اول اعماله في هذا المجال للمطرب الناشئ عبد الغني السيد الذي استطاع بصوته وطموحه ان يؤدي ذلك اللحن باتقان لفت اليه الأنظار وجعل الاغنية تتردد على كل لسان زكان ذلك سنة 1932 والاغنية او الطقطوقة فعنوانها « يا ناري من كثر جفاكي». (يتبع)