فارقتنا ام كلثوم منذ 30 سنة وتحديدا يوم 2 فيفري 1975، اليوم يصادف ذكرى وفاتها ولابد ان نتذكر هذا الهرم الرابع الذي مازال خالدا بفنه عند عشاق الفن الرفيع. ثلاثون سنة مرّت وبقيت ام كلثوم تعيش بيننا بأغانيها التي مازالت تحطم الارقام القياسية في المبيعات فهي التي اضاءت النفوس واشعلت الحب ووعدت بالسعادة، انها وحدها التي تغني بالساعات، هي وحدها التي تقف شادية ليلة كاملة وكانت تفعل ذلك حبا لعشاق فنها فقد قال الفنان علي الجارم حول السهرة التي تحييها ام كلثوم اول خميس من كل شهر: يوم كان ضياءه من اعين من طول ما اتجهت له الانظار طفولة «كوكب» ولدت ام كلثوم سنة 1906 (وهناك من يؤرخ بميلادها سنة 1898 او 1900) في قرية طماي الزهايرة ولما بلغت الخامسة من عمرها بدأت تدرس القرآن مع اخيها خالد في كتاب الشيخ عبد العزيز وتعلمت القراءة والكتابة ايضا وكان خالد مشهورا بحلاوة صوته يصاحب والده الشيخ ابراهيم السيد ويغني في الموالد والاعياد واخذت الطفلة من الغناء عنهما وكانت موهوبة مما جعل والدها يشجعها وتصبح مع الفرقة بالرغم ان غناء النساء كان ممقوتا لا سيما في قرية ريفية. وما لبثت ان حفظت كل اغاني الفرقة واتقنت الاناشيد وغنت لاول مرة باجر قدره «صحن مهلبية» وبدأت تغني في الحفلات الخاصة بقريتها والقرى المجاورة حتى طار صيتها فغنت في بيت زاهر بك الذي شجعها على الذهاب الى القاهرة. رحلة فنية من السنبلاوية الى القاهرة في القاهرة سمعها الشيخ ابو العلا فاخذ يعلمها اصول الفن وحفظت على يديه القصائد والاغاني المشهودة ودعيت لاول حفلة عام 1918 في الزقازيق وارتفع أجرها منذ سنة 1920 وانطلقت مسيرتها بصفة رسمية سنة 1921 حيث استقرت بالقاهرة وتعاقد معها الشيخ محمد ابو زيد لاحياء الحفلات العامة فنالت نجاحا باهرا شجع الكثير من المتعهدين على التعاقد معها ومن اشهر قصائدها في ذلك الوقت «أقول لذات حسن روعتني»، «مولاي كتبت رحمة الناس عليك» «رجل من طرز الياسمين» «بين الغرام وبين القلب محكمة». عاصرت ام كلثوم المطربات منيرة المهدية، فاطمة سري، نعيمة المصرية، حياة صبري، فتحية احمد، عقيلة راتب، سعاد محاسن (ليست التونسية). وقد تجنبت الاغاني المائعة في ذلك الوقت لتشق طريقها فكانت تغني مع والدها وشقيقها اغاني صوفية من ألحان استاذها ابو العلا محمد منها «وحقك انت المنى والطلب» و»افديه ان حفظ الهوى او ضيعه» و»غيري على السلوان قادر». طبيب اسنان ثم التقت بالملحن طبيب الاسنان احمد صبري فلحن لها مجموعة من الاغاني بلغ عددها الثلاثين واشهرها «اللي انكتب على الجبين» كما لحن لها موشح «لي لذة في ذلتي وخضوعي»... والتقت لأول مرّة بالشاعر الغنائي احمد رامي سنة 1924 فاعجب بها جدا واحبها خاصة بعد ان سمعها تؤدي قصيدته «الصب تفضحه عيونه» ونشأت بينهما صداقة كبيرة تواصلت حتى وفاة ام كلثوم، وقد وضع لها أروع اغاني الحب والهوى وجعلته يمزج الشعر بالزجل ليدخل الى قلب كل مستمع لملهمته الشعر العذري واول اغنية وضعها لها لحنها احمد صبري: خايف يكون حبك ليّه... وتواصلت الاغاني بعد ان تعرفت على الموسيقار محمد القصبجي الذي احب ام كلثوم في صمت ولم يبح لها بهذا السر. وفي عام 1926 تكونت فرقة ام كلثوم الخاصة من محمد العقاد (قانون)، محمد القصبجي (عود) سامي الشوا (كمان) محمود رحمي (ايقاع). وكانت اغنية ذلك الموسم «إن كنت اسامح» ألفها احمد رامي ولحنها محمد القصبجي. وطارت شهرة ام كلثوم فلحن لها زكريا احمد، رياض السنباطي الذي وضع اجمل الالحان طيلة حياة ام كلثوم وقد بدأها باغنية: النوم يداعب عيون حبيبي، وكذلك بليغ حمدي ومحمد عبد الوهاب التقته سنة 1963 عندما غنت انت عمري بتدخل من الرئيس جمال عبد الناصر. مثلت ام كلثوم ستة افلام وهي «وداد» و»نشيد الامل» و»دنانير» و»عايدة» و»سلامة» و»فاطمة» وقد كتب اغاني افلامها احمد رامي، وبيرم التونسي، واعتزلت السينما سنة 1948 بعد ان اصيبت بمرض في عينيها. ورغم ان ام كلثوم انثى تشعر بالحب فإنها لم تتزوج الا عندما وجدت القلب المليء بالحب في شخص طبيب يعالجها وهو الدكتور حسن الحفناوي وتم الزواج في جويلية 1954. وتحصلت ام كلثوم على اوسمة عديدة من لبنان وتونس والاردن وسوريا وبالطبع مصر وقدمت الكثير للعروبة ولبلدها وأدت خدمات عديدة وفي عام 1971 ساءت حالتها ثم بدأت الشمعة تنطفئ رويدا رويدا حتى ذابت يوم 2 فيفري 1975.