عندما كان نجمنا الدولي السّابق حاتم الطرابلسي مُبتدئا في دُنيا التحليل الفني قال إنّ كأس تونس «حكاية فارغة» مُعتبرا أن البطولة هي المقياس الحقيقي للوقوف على قوّة الأندية «المُتحاربة» على الألقاب في سَاحتنا الكروية. ونكاد نجزم أن محلّل «البي .آن .سبور» والظهير الطائر ل «السي .آس .آس» و»الأجاكس» تراجع عن أقواله ونَدم على «احتقاره» للكأس وهو يُشاهد صفاقس تَغرق في أمواج الفرح بعد أن كانت «عطشانة» للبهجة وحتى للماء الذي قطعته «الصُوناد» على الأهالي في يوم العيد. لقب بطعم خاص الكأس لا تُضاهي البطولة ورابطة الأبطال ولا حتى «كأس زايد» من حيث الأهمية الرياضية والعائدات المالية ومع ذلك فإن صفاقس عرفت «طُوفانا» من الفرح. وهذه الفرحة «المجنونة» والتي امتدّت من رادس إلى صفاقس لها مُبرّراتها القوية. ويُمكن القول إن الجمعية «هَرِمَتْ» من أجل هذه اللّحظة التاريخية خاصّة أن «الصفاقسية» انتظروا ستّة أعوام بالتَمام والكَمال لطرد الكساد والعودة إلى منصّات التَتويج. ستّ سنوات كانت ثَقيلة على الجماهير العريضة ل «السي .آس .آس» الذي يصل في كلّ مرة إلى «العِينْ» دون أن يشرب لأسباب كثيرة منها سوء التصرّف مع الأمتار الأخيرة والخسائر الناجمة عن «حَماقات» بعض المدربين المُتعاقبين على الطيّب المهيري فضلا عن أخطاء المُسيّرين (ولو أن التاريخ يحفظ لهم النجاح في تجاوز الأزمة المالية و»مُقاومة» قرار المنع من الانتدابات ومنح الثقة للشبان الصّاعدين). ولن نغفل طبعا عن الأضرار الحَاصلة من «الصِّدامات» المُتكرّرة مع «المنظومة» القائمة بقيادة وديع الجريء. وقد دفع «السي .آس .آس» ورئيسه فاتورة غَالية بعد الوقوف في صفّ المُعارضة وفضح فساد التحكيم حتى وإن أدّى ذلك على شطب المنصف خماخم مدى الحياة بتُهمة «تعكير الصّفو العَام» و»نقر» الحكّام المُتلاعبين بنتائج المُباريات والعَابثين بأعصاب النّاس المغرومين بالكرة الحقيقية والجَميلة. الكرة التي أمتع بها حمّادي العقربي «الصّفاقسية» والتونسيين لا «الكُرة المربّعة» التي يتحدّث عنها «سي» وديع. لقد قاطع النادي الصّفاقسي البطولات والكؤوس لستّة أعوام لكنّه انتصر لمواقفه ورفض سياسة «السّمع والطّاعة» التي سلكتها 99 بالمائة من الأندية ال»صَّغيرة» وال»كَبيرة». لقد خسر «السي .آس .آس» بعض الكؤوس والبطولات في زمن الجريء لكنّه كسب «حربه» الشريفة على «المنظومة» وأنصفته الكرة بكأس لا تقدّر بثمن بحكم أنها جاءت على حساب أحد «كبار القوم» وهو النّجم وتحقّقت دون أن يركع خماخم لرئيس الجامعة و»يُناشده» في الإذاعات والتلفزات على طريقة عبد السّلام السعيداني. والأجمل من ذلك أن رئيس «السي .آس .آس» رفض التمتّع ب»العَفو العام» الذي كانت الجامعة قد وزّعته على المسؤولين واللاعبين والمدربين وحتّى الأطباء في نطاق لعبة المصالح المُتبادلة بين الجامعة والجمعيات. أفضل تعويض فرحة الكأس كانت في طعم «الجواجم الصّفاقسية» لأن المدينة بأكملها عاشت خلال الأعوام الأخيرة خيبات رياضية مُوجعة ومُؤلمة. وإذ ينسى «المُواطن الصفاقسي» فإنه لا ينسى «كِذبة» احتضان الألعاب المُتوسطية لعام 2021 حيث احتشدت مجموعة من باعة الكلام والأوهام وأكدت أن نجاح ملف عاصمة الجنوب «مَضمون». هذا طبعا قبل أن تستيقظ صفاقس على خبر مُزعج وهو فوز وهران الجزائرية بشرف تنظيم هذه التظاهرة الرياضية. وقد جاءت تلك «الصَّدمة» لتؤكد أن الوعود التي قدّمها آنذاك السياسيون ورجال الأعمال ورئيس اللّجنة الأولمبية محرز بوصيان كانت مجرّد حملات دعائية وأضغاث أحلام. عائق كبير فرحة التتويج بالكأس شَكّلت أفضل تعويض عن خيبة احتضان الألعاب المتوسطية والتي كانت مُتوقّعة لأنّ صفاقس لم تكن جاهزة لإحتضان مِثل هذه التجمّعات الرياضية الكبيرة بالنّظر إلى ضعف البِنية التَحتية (هذا الأمر ينسحب على كل المدن والملاعب التونسية). ومن المعلوم أن ملعب الطيّب المهيري «يختنق» بروّاده الذين يَتزايد عددهم في انتظار «مشروع» التوسعة والتي يرجو أهل الدار أن تكون ناجعة وسريعة وليس كما حدث مع ملف السّبورة اللاّمعة التي لم يقع تركيزها إلاّ بعد أن سمع العالم بأسره بخبرها رغم أن تكاليفها التقريبية تُعادل ثمن أربع سيارات فحسب من النّوع الذي تُخصّصه الدولة لرؤساء البلديات. هذا وينتظر «الصّفاقسية» أيضا «ولادة» «المدينة الرياضية» التي وعدتهم بها الدولة التونسية من زمان. والأمل كلّه أن لا يضيع هذا المشروع الرائد في زحمة الدراسات الفنية والتعطيلات الإدارية والمشاكل العقارية وأيضا «المُزايدات السياسية» خاصّة أن صفاقس مدينة وازنة اقتصاديا وديمغرافيا وثقافيا ورياضيا الشيء الذي يجعلها تحت تهديد «التَوظيفات السياسية». الكأس لنسيان «الأحزان» كأس تونس لم تُعدْ «السي .آس .آس» إلى «البُوديوم» فحسب بل أنّها أدخلت ولو إلى حين البهجة على قلوب الآلاف من الناس «المُعذّبين» بفعل انقطاعات الماء وضعف الخدمات الصحية فضلا عن «كابوس» التلوّث الذي ضرب البحر والبر خاصّة في ظل المخلّفات «الكاريثية» لمصنع «السياب» الذي تقرّر بعد «نضال» طويل وصبر كبير تفكيك وَحداته المُلوّثة دون الإضرار ب»خُبزة» العمّال. إن كأس تونس وإن كانت في نظر البعض مُتواضعة القيمة فإنها أسعدت جهة بأكملها وجعلتها تعيش ليلة ولا في الأحلام. كما أن هذا اللّقب وإن كان عاديا في سِجلّ فريق كبير مثل «السي .آس .آس» فإنه قد يشكّل نقطة تحوّل «عظيمة» في مسيرة الجمعية بحكم أن هذه الكأس قد تكون بداية عهد جديد وحافل بالمسرّات والتَتويجات. كما أن هذه الكأس ستُعيد الأمل لصفاقس التي تحلم بالمزيد من الألقاب وبدفع مَشاريها الرياضية المُعلّقة وأيضا بتنفّس هواء نقي. ولاشك في أن عاصمة الجنوب قادرة على تحقيق آمالها خاصّة إذا تكاتفت الجهود وتوحّدت الصُفوف كما حصل على هامش «فينال» الكأس عندما ظهر في الصُورة المنصف خماخم وبسّام لوكيل والمنصف السلامي... وكلّ بلاد يخدمها رجالها ونساؤها ومن خَلفهم الدّولة المسؤولة عن النُهوض بكلّ الجهات والقطاعات.