الشروق ( مكتب القيروان ) قد يُثير العنوان أعلاه الكثير من الشجون لدى فئة من أبناء الجهات والذين يشعر بعضهم بالتهميش والإقصاء، بل بالتضييق على معيشتهم، وتنغيص حياتهم و استغلالهم بأي شكل من الاشكال تحت وطأة ال»حقرة» و الرفض الاجتماعيين و هما بالفعل مصطلحان في محليهما اذا ما أردنا توصيف واقع قاتم أسود لا يحتاج لتغليف. بالأمس توفيت مبروكة العبداوي الناشطة السياسية والمناضلة الشرسة ابنة ربوع القيروان بعد قهر المرض ، توفيت داخل المستشفى وهي لا تملك ثمن الدواء ولا بطاقة علاج و لم تجن من الوعود السياسية سوى «خربشات بعض السياسيين « على جدران صفحاتهم الفايسبوكية من باب التبجّح. ربما ما يشدّنا في حكاية مبروكة ليس الاسم فاسمها يدركه كل من عرفها و انما كونها ظلت عاطلة عن العمل منذ سنة 2006 تعاشر مرارة البطالة طيلة 13 عاما و مع ذلك لم تيأس و لم تمرّر الإحساس باليأس الى غيرها من زملاء النضال في البطالة داخل جهة لا يعترف فيها اباؤنا و امهاتنا الا بالتخرج و العمل و الترسيم حتى نكون بالنسبة اليهم مفخرة و أمانا لهم عند الكبر.و يظل أمثال مبروكة كثيرات و كثر و كلنا في حقيقة الامر نشترك و مبروكة في هذا. بلال الضويوي 32 سنة هو الاخر مبروكة في جانب من نضاله هو العاطل عن العمل منذ سنوات. توفي شابا في مقتبل العمر مساء الاربعاء 21 اوت 2019 في حادث مرور بعد اصطدام سيارة بدراجته النارية التي كانت ما يملك وذلك على مستوى «الفسقية» بالمدخل الشمالي لمعتمدية عين جلولة.. بلال هو الوجه الاخر لشباب الأرياف المتعلمين و المثقفين و المفكرين الصابرين الحالمين في الخفاء أكثر من العلن .حلمه كشاب ينحدر من عائلة معوزة كان احداث أي مشروع فلاحي. و رغم تحصله على 10 شهائد في مجال الفلاحة الا ان ذلك لم يسعفه في الحصول على قرض و طالما جوبه بعديد العراقيل الإدارية والبنكية بالجهة لتوافيه المنية وفي نفسه شيء من الحلم ، كثير من القهر الاجتماعي الرافض للضعيف ماديا. و لم يكن ضعفه أشدّ وقعا من مرض اجتماعي للرافضين له لكي ينزوي ويترك مشروعه ، وظل في غالب الأحيان يلعنه الحظّ ربما دون أن يلتفت إليه أحد و رغم ذلك فبلال كان غيورا على جهته و ناشطا عبر صفحته إعلاميا يبلغ مشاغلها و مشاكلها بصدق المستضعفين. وبالطبع فإن مثل هذا التهميش لا يحدث و للأسف الا لمن استطاعوا «مقارعة» الأوضاع الظالمة والمتخلفة، وساهموا في بسط حياة الكرامة الإنسانية عبر أحلامهم و نضالهم على طريقتهم الخاصة. و ربما نرى في هذين الحادثين أن المثقف الحقيقي لا يطرق الأبواب، ولا يستجدي الآخرين، حتى في أقسى حالات انتهاك حقوقه، يمكن أن يهمس لصديق، أو أن يطالب بحقه القانوني، لكنه دائماً ينأى بنفسه عن ذل الاستجداء.و رغم ايماننا بالقضاء و القدر الا أن ضحايا التهميش هم من يموتون سريعا . فمبروكة توفيت وكانت تعلم انها ستموت سريعا و بلال أيضا.رحم الله شبابنا من المعطّلين و المهمّشين والمفقّرين وفتح أعين الساسة والمسؤولين ..