مثلما تورط نظام الشاه في تدبير عمليات اغتيال ضد رموز النظام العراقي القائم بعد ثورة 1968، على خلفيات تتعلق بالولاءات والمصالح وبالعداء التاريخي بين العرقيتين الفارسية والعربية، فإنّ النظام الجديد الذي ظهر في إيران بعد الثورة الإسلامية، ناصب هوالآخر العداء للعراق وللبعث ولصدام حسين أساسا، ولم تكف إيران عن التدخل في العراق حتى تم إسقاط النظام الوطني، وحتى تم إعدام الرئيس الراحل في فجر عيد الإضحى من سنة 2006، حيث كان وكلاء إيران حاضرين على منصة الإعدام. انطلقت خيوط هذه العملية من خلال تنظيم تخريبي اعتمد على عناصر من داخل العراق، وأخرى تسللت من الحدود الإيرانية وبعضها الآخر من التبعية الإيرانية في العراق، وكان المنسقون من أحزاب ذات مذهب طائفي وذات مرجعيات إسلاموية طائفية. واعتمد هذا التنظيم على صيغة «الاتصال الخيطي» في الداخل وتكون هذه الخيوط ذات ارتباطات رأسية مع الخارج، حتى إذا تم كشفها يقتصر العقاب على عناصر الخيوط في الداخل. وبدأت المجموعة تنشط بدعم من نظام الخميني، مستغلة الحقد العنصري الفارسي وبدأ اختيار العناصر على اساس طائفي بحت. وتنوعت اساليب عملها من تخريب للمنشآت، إلى توزيع للمنشورات المعادية للبعث، ثم محاولة تسميم مياه الشرب، ووضع المتفجرات في الأماكن التي تعج بالسكان، ثم تطور الأمر إلى محاولة اغتيال الرئيس صدام حسين. ففي شهر نوفمبر من عام 1979، ذهب علي أحمد علوان، المنتمي إلى حزب الدعوة، مع شقيقه زيد وخاله علي عباس إلى كربلاء، ثم توجهوا إلى النجف، وهناك جلسوا في مقهى، كان يجلس فيها صدفة ضابط المخابرات العراقية رضا حيدر، وشخص آخر يدعى صبيح سعيد، وبدأت المجموعة تتحدث عن تهميش المدن العراقية وخاصة الشيعية منها. وفهم الضابط رضا أن هناك تحريضا ما لدوافع وغايات عميقة. واستعمل رضا كل خبرة جهاز المخابرات في دفع علي أحمد ليكشف عن مخططاته. وفي مساء ذلك اليوم عاد رضا إليهم وهم في الفندق، وتحدث مع علي عباس عن علاقة العراقبإيران وكان علي عباس يزداد تهجما على حزب البعث وعلى السلطة العراقية. وكان رضا يؤيد كل كلامهم بل يدفعهم إلى مزيد من الكشف عما وراء قدومهم إلى المدينة. وفعلا فقد اكتشف أن الجماعة ينتمون إلى حزب الدعوة، وحينها حذرهم بضرورة الحذر وعدم كشف مخططاتهم خشية انكشاف السر، ثم سألهم عن أحوالهم، فتبين له أن علي أحمد هوجندي يعمل في حديقة القصر الجمهوري. ولعبت المخابرات لعبتها، فوضعت رضا حيدر ضمن المفتش عنهم، حتى يزداد الطرف الآخر ثقة فيه، وبدأ رضا رحلة الاختفاء الوهمي في منزل علي أحمد. وفعلا اختفى رضا حيدر ثلاثة أسابيع في منازل على ذمة التنظيم السري وكشف الكثير من العناصر التي كانت تتردد على المقرات، وأهمها عبد علي جواد كاظم رأس التنظيم في بغداد. واتضح لرضا أن الجماعة تخطط لتنفيذ عمليات تخريب في العاصمة. في ليلة 12 ديسمبر 1979، التقى رضا بعلي حسين طاهر، الذي كان مسؤولا عن جواد كاظم، واكتشف رضا أن المقر الذي يختبئ فيه هومقر خاص بلجنة الاغتيالات والتخريب التابعة لحزب الدعوة. وكان رضا ينقل كل المعلومات إلى رؤسائه، الذين كانوا يدرسونها ويضعون الخطط المناسبة لتفكيك التنظيم. في إحدى العمليات تقدم رضا ليجلب أسلحة ومتفجرات من البصرة إلى بغداد، وكان الهدف من ذلك كشف أوكار جديدة في مدينة البصرة. والتقى هناك بالشخص المسؤول عن إخفاء الأسلحة، وتمت العملية بسهولة، وتم نقل السلاح إلى بغداد. وارتقى رضا إلى رأس سلم التنظيم السري، وصار يعرف كل خيوط التنظيم بعد أن قامت المخابرات باعتقال رؤوسه السابقين. وبدأ رضا ينقل سيل المعلومات إلى جهاز المخابرات، ومن أهمها رسالة كانت تحملها فتاة تم ضبطها في مطار بغداد وكانت فيها معطيات عن أوامر بتنفيذ عملية اغتيال صدام. كان نظام الخميني يضغط على التنظيم بالإسراع باغتيال صدام، واجتمعت لجنة الاغتيالات، لدراسة تنفيذ المخطط، وتم تشكيل 6 فرق اغتيال تتكون كل فرقة من عنصرين إثنين، تكون كلمة السر بينهما «يا ستّار يا جبّار». كانت كل الخطط تستقر في نهاية المطاف عند جهاز المخابرات. صدرت الأوامر بإلقاء القبض على المجموعات، المكلفة بالاغتيال وعلى كل النعاصر المنتمية إلى التنظيم السريّ. وكانت المفاجأة صادمة لعناصر التنظيم، عندما دخل عليهم رضا حيدر لابسا الزي العسكري، وليخضعهم جميعهم إلى التحقيق، فانهاروا وأدلوا بمعطيات على غاية من الخطورة. يتبع