رئيس الحكومة يقدم درسا في حياد الإدارة وإبعاد الشبهة عنه. هكذا حاول الشاهد تقديم نفسه بإعلانه عن تفويض صلاحياته الحكومية لوزيره كمال مرجان فأي خلفية لهذا القرار وما مدى وجاهته؟. تونس الشروق: رئيس الحكومة يوسف الشاهد متهم باستغلال أجهزة الدولة لخدمة أغراضه الانتخابية ولهذا ارتأى تفويض صلاحياته «عن قناعة، أملا في كسب ثقة الناخبين «بإمكانياته الخاصة…» على حد قوله في كلمته المتلفزة التي بثتها القناة الوطنية الأولى مساء الخميس. الشاهد اختار مبدئيا أقل الخيارات مرارة فهو تحاشى الخيار الأول المتمثل في الاستقالة لأنها تعني دستوريا استقالة جماعية للحكومة كلها في وقت ستتضرر فيه البلاد حتما من حالة الفراغ، وهو قطع مع الجمع بين العمل الحكومي والاستعداد للانتخابات وأوقف شبهة استغلال النشاط الأول في تحقيق أهداف الثاني، أما الفرضية الثالثة فلن تخلف غير الجدل حول مدى دستورية التفويض ومدى توفر شروطه. ما يحسب للشاهد مبدئيا أنه رشح للتفويض شخصية سياسية مشهودا لها بالكفاءة والخبرة والوطنية ولكن قراءة متأنية وموضوعية في قرار الشاهد يقلب المعطيات سابقة الذكر رأسا على عقب. تشبث بالمنصب هناك معطيان ثابتان مترابطان أولهما أن عديد الأطراف السياسية نبهت إلى إمكانية استغلال أجهزة الدولة وأن هناك من دعا الشاهد صراحة إلى الاستقالة وأن هناك من خيره بين التفرغ للعمل الحكومي وبين الاستقالة للتفرغ للانتخابات، وثانيهما أن الشاهد استعمل أظافره وأنيابه في التشبث بكرسي رئاسة الحكومة حتى عندما دعاه حزبه الأم (النداء) ومرشحه لرئاسة الحكومة (الراحل الباجي قايد السبسي) إلى الاستقالة، فلماذا لم يستقل عندما كانت الاستقالة ممكنة وغير مرتبطة بخطر الفراغ. هذان المعطيان يقوداننا إلى معطى مهم وهو سبب استجابة الشاهد هذه الأيام فقط لدعوة التخلي عن رئاسة الحكومة بعد أن رفضها في جميع المناسبات السابقة مثل تلك التي تزامنت مع تقديمه ترشحه للرئاسية يوم 9 أوت الجاري. سنجيب عن هذا السؤال المهم بالتعرض إلى شخصية المفوض له فكمال مرجان مشهود له فعلا بالكفاءة والتجربة والخبرة والوطنية وربما بمزايا أخرى لا نعلمها ولكن لماذا فوض الشاهد صلاحياته لهذا الوزير دون غيره؟. «رأسان في شاشية» كمال مرجان هو رئيس حزب المبادرة الوطنية الدستورية الذي اندمج في حركة «تحيا تونس» برئاسة الشاهد، وهو الذي عاد إلى الوزارة ثمنا لمساندته الشاهد وهو الذي يرأس حاليا المجلس الوطني في حزب الشاهد وهو الذي رشح الشاهد للرئاسية وهو الذي تخلى عن حلمه في رئاسة الجمهورية لصالح الشاهد، وهو الذي تلتقي مصالحه كلها مع مصالح الشاهد جميعها. لا فرق في النهاية بين الشاهد ومرجان إلا من حيث الشخصية والهوية والتجربة ما يعني أن الشاهد رفع عن رأسه قبعته أو شاشيته التونسية على حد إشارة مثلنا الشعبي التونسي ووضعه على رأس واحد من أقرب المقربين إليه، ولولا خشيتنا من المبالغة لقلنا إن الشاهد ومرجان كانا رأسين في شاشية واحدة وأن الأول أنزل رأسه منها وترك الثاني في الواجهة فما الهدف من هذا كله؟. سنستعير من النهضة تلك الماركة التي سجلتها باسمها حول «العصفور النادر» لنقرر أن الشاهد حاول ضرب جملة من العصافير بحجر واحد: مغانم عديدة يتمثل العصفور الأول في إسكات من يتحدثون عن استغلال الشاهد لأجهزة الدولة، ويكمن الثاني في ظهوره بصورة الوطني الذي يرفض تعريض الدولة إلى الخطر عبر رفض الاستقالة، ويرتبط الثالث بصورة المنافس النزيه الذي ينطلق مع بقية المنافسين من نفس الخط وبنفس الحظوظ عبر التخلي مؤقتا عن رئاسة الحكومة. هذه الأهداف المعلنة تلتقي مع أخرى غير معلنة في مرمى الحجر الذي ألقى به الشاهد، فهو لن يتغيب عن الحكومة أكثر من ثلاثة أسابيع يمكنه فيها أن يتفرغ لحملته الانتخابية فيجوب البلاد طولا وعرضا ويجد الوقت والجهد للاجتماعات الشعبية والمناظرات التلفزية دون أن ينشغل بالتحول إلى القصبة ولا بالاجتماعات الوزارية ولا باللقاءات السياسية…. الأهم أنه سيكون مطمئنا على سير العمل الحكومي فهو لم يترك الأمانة لدى أمين فحسب بل إنه يبقى قادرا على إملاء ما شاء من القرارات وقتما شاء. الشاهد ليس بالسذاجة التي توقعه في إشكال قانوني أو دستوري بل إنه يعتمد في قراراته على مبدإ الربح والخسارة، وفي قرار التفويض مغانم شتى لا يهددها غير فشله في إصابة الهدف. رئاسات بالنيابة بتفويض الشاهد صلاحياته لمرجان تصبح الرئاسات الثلاث خالية من رؤسائها الأصليين، فالقيادي النهضوي عبد الفتاح مورو يرأس مجلس نواب الشعب بدل الرئيس الأصلي محمد الناصر، والناصر يقوم بأعمال رئيس الجمهورية منذ فارقنا الرئيس الأصلي الباجي قايد السبسي، أما رئاسة الحكومة فقد آلت إلى الوزير كمال مرجان بعد أن فوضه رئيس الحكومة صلاحياته. في رئاسة الجمهورية لم يحسسنا الناصر بغياب الباجي، وفي مجلس نواب الشعب نجح الرئيس بالنيابة مورو في تعويض الناصر لاسيما وأن له من الخبرة في رئاسة الجلسات والتنسيق بين الكتل ما يؤهله للنجاح في دوره. أما رئاسة الحكومة فلن تتأثر فإحالة الصلاحيات من الشاهد إلى مرجان لأن الثاني يملك خبرة طويلة بالعمل الحكومي ولأن الأول لن يتركه وحيدا.