مناخ سياسي ساخن وأجواء مشحونة وحملات تشويه متبادلة ومخاوف بين المترشحين من إمكانية تغييب الشفافية والنزاهة عن الانتخابات الرئاسية المنتظرة ومن عدم جاهزية الدولة والإدارة وهيئة الانتخابات لتأمين هذا الاستحقاق الهام. تونس «الشروق»: مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات الرئاسية تتزايد المخاوف لدى الجميع، من مترشحين وسياسيين وأحزاب ومواطنين من أن يتأثر هذا الاستحقاق سلبا بالمناخ السياسي السائد اليوم. فهذا المناخ تسوده اليوم عدة مؤثرات أبرزها الجدل الدائر حول بعض المترشحين وكذلك طبيعة الصراع الدائر بين السياسيين وخاصة المترشحين والذي يستند الى استعمال الوسائل البعيدة كل البعد عن العمل السياسي السليم وعن التنافس حول البرامج. كما تسود هذا المناخ مخاوف أخرى من عدم قدرة الدولة بمختلف هياكلها على تأمين نزاهة الانتخابات وشفافيتها. مترشحون أول ما شاب هذا الاستحقاق الانتخابي من عيوب كان بسبب كثرة الترشحات في مرحلة أولى والتي ناهز عددها 98 ليتضح في ما بعد أن أغلب الترشحات كانت «شعبوية» و»فلكلورية» وغير جدية. وهو ما أدى الى المسّ من هيبة منصب رئيس الجمهورية الذي يعتبر رمز الدولة ومصدر هيبتها وسيادتها. وبعد عملية الغربلة الأولى التي أفرزت 26 مترشحا أثيرت مسألة ترشحات من تعلقت بهم قضايا، رغم أن إدانتهم غير ثابتة إلى حد الآن استنادا الى قرينة البراءة. فقد تردد كلام كثير حول ترشح نبيل القروي الذي صدرت مؤخرا في شأنه بطاقة إيداع بالسجن في انتظار البت في قضيته التي قد يُحكم فيها بالبراءة أو بالإدانة. وهو ما ينطبق أيضا على المترشح سليم الرياحي الموجود اليوم خارج حدود الوطن تهربا من امكانية ملاحقته بسبب بعض التهم التي يواجهها في انتظار إدانته أو تبرئته. كما أثير كلام كثير حول المترشحين الذين واجهوا تهمة تدليس التزكيات الشعبية والبرلمانية المطلوبة للترشح، وبعضهم اليوم محل متابعة قضائية. كما أن ترشح رئيس الحكومة يوسف الشاهد أثار بدوره سيلا من الجدل خاصة في ما يتعلق بتقديم استقالته من عدمه. ورغم أنه أعلن تفويض مهامه لوزير الوظيفة العمومية كمال مرجان إلا أن ذلك لم يوقف الانتقادات تجاهه باعتبار أن التفويض حصل لقيادي في حزب تحيا تونس (كمال مرجان) الذي ينتمي إليه الشاهد. حملات تشويه ما أثار الانتباه في تونس بمناسبة انتخابات 2019 هو حملات التشويه غير المسبوقة التي يجري تداولها بين صفحات «فايسبوك» التابعة لبعض المترشحين. وقد بلغ الأمر حد النزول بالخطاب السياسي وبالخطاب التنافسي إلى أدنى مستوياته اعتمادا على تشويه الآخر وثلبه وسبه ونعته بأبشع النعوت والاعتداء على الحرمة الشخصية والمس من الأعراض. ومع ذلك لم يظهر على الساحة الى حد الآن أي صراع حول البرامج والأفكار والمشاريع. شكوك كل ذلك دفع بجل المراقبين الى القول إن الانتخابات الرئاسية السابقة لاوانها لن تكون مضمونة بنسبة عالية من حيث الشفافية والنزاهة. فقضية نبيل القروي أحدثت جدلا واسعا حول استقلالية القضاء الذي اتهم بالانتقائية وبسياسة المكيالين لأنه لم يُثر قضايا ضد مترشحين آخرين عالقة بهم بعض التهم. ولم تسلم من هذا الجدل ايضا الأجهزة الأمنية التي اتهمت بدورها بسوء التصرف خلال عملية إيقاف نبيل القروي. كما أن جهاز الديوانة التصقت به أيضا تهمة خدمة أطراف سياسية معينة وذلك على خلفية حادثة «التفتيش الدقيق» في مطار تونسقرطاج لنجل الرئيس السابق حافظ قائد السبسي. وتواجه الإدارة بمختلف مكوناتها مركزيا وجهويا جدلا واسعا بين المراقبين والسياسيين بمن في ذلك المترشحون حول مدى حيادها في الفترة الانتخابية حتى لا تخدم حملة مترشح على حساب الآخر. وينطبق الجدل نفسه ايضا على هيئة الانتخابات التي رغم انها مستقلة إلا ان أطرافا سياسية ومترشحين يشككون في نزاهتها وفي قدرتها على تأمين انتخابات حرة ونزيهة وشفافة. خطر العزوف ما يسود أجواء التحضير لهذه الانتخابات يطرح مشكلا آخر وهو امكانية تأثر الناخبين بهذه «الفوضى» الدائرة على الساحة السياسية. وهو ما قد يتسبب في إرباكهم وفي تشتيت أفكارهم فيصعب عليهم الخيار وبالتالي قد يمتنعون عن التوجه الى مراكز الاقتراع يوم 15 سبتمبر. فقد حصلت شبه قناعة لدى غالبية التونسيين اليوم بأن السياسيين لا يبحثون إلا عن خدمة مصالحهم الضيقة والشخصية والحزبية. وتبقى مشاغل المواطن وانتظاراته في ذيل اهتماماتهم. يقظة كل ما تقدم يجعل من الجميع أمام حتمية اليقظة والانتباه كل من موقعه حتى لا تتطور الأمور نحو الأسوإ خلال الحملة الانتخابية التي تنطلق بعد يومين. فالمترشحون مطالبون بالكف عن حملات التشويه المتبادلة عبر مواقع التواصل الاجتماعي وبضرورة حث الصفحات التابعة لهم ليرتقوا بمستوى الخطاب السياسي والانتخابي. والمترشحون الذين تعترضهم صعوبات وعراقيل قضائية المطلوب منهم أن يوضحوا للرأي العام الحقيقة حتى يُزاح الغموض المحيط بهم. أما أجهزة الدولة المختلفة فتبقى ايضا مطالبة بتحمل مسؤوليتها التاريخية في الحفاظ على الحياد خلال هذه الانتخابات. وهو ما ينطبق ايضا على هيئة الانتخابات المطالبة بأكثر يقظة وحذر في الفترة القادمة حتى لا يقع تشويه الاستحقاق الانتخابي. أبرز المخاوف المحيطة بالانتخابات - الترشحات التي يشوبها الجدل حول سلامتها ومآلها - تواصل نزول حملات التشويه المتبادل عبر الفايسبوك الى ما دون المستوى - استقلالية مختلف أجهزة الدولة وحيادها بمناسبة الانتخابات (القضاء – الديوانة – المحكمة الإدارية – الامن – الجيش – الإدارة ) وهو ما ينطبق ايضا على هيئة الانتخابات - امكانية عزوف الناخبين بسبب ما وقفوا عليه من حقيقة بعض السياسيين والمترشحين . ضرورة توفير كل المناخات المناسبة للانتخابات دعت حركة النهضة في بيان مكتبها التنفيذي كل الأطراف المعنية بالانتخابات الى العمل على نجاحها وتوفير كل المناخات المناسبة لادارتها لما لها من أهمية في استكمال المسار الديمقراطي وتعزيز مؤسسات الدولة وترسيخ ثقافة المشاركة في إدارة الشأن العام. كما دعت كافة التونسيات والتونسيين داخل البلاد وخارجها الى المشاركة بكثافة في الاستحقاق الانتخابي القادم. وفي علاقة بقضية نبيل القروي جدد البيان تأكيده على استقلال القضاء والنأي به عن المناكفات السياسية وعن كل شبهة توظيف تمسّ من مصداقيته او استقلاليته، مع تأكيد حرص الحركة الدائم على علوية القانون وسريانه على الجميع دون استثناء وتمييز.