لم يقتل هولاكو الخلفة المستعصم منذ أن استباح بغداد، بل ظل يهينه بشكل مستمر ويومي إلى أن أمر بقتله، وهو ما يتفق عليه كل المؤرخين. لكن كتب التاريخ والروايات تحفل بحوارات بين هولاكو والمستعص تبدو غاية في الإثارة حيث يعترف الخليفة بتقصيره في حق الخلافة والمسلمين وبمسؤوليته في ما آل إليه أمر الناس. تذكر إحدى هذه الروايات أن هولاكو منع الخليفة الأكل حتى توسل إليه فأمر بتقديم طبق مملوءا ذهبا إليه. عندها يقول الخليفة :»كيف يمكن أن آكل الذهب؟» فيقول له هولاكو ساخرا:»إذا كنت تعرف أن الذهب لا يؤكل فلماذا احتفظت به ولم توزعه على جنودك حتى يصونوا لك ملكك، ولماذا لم تحول الأبواب الحديدية إلى سلاح وتسارع لمواجهتي عند نهر جيحون لتحول دون عبوري ؟» . وقد يبدو الافتعال في بعض هذه الحوارات التي تستبطن رغبة الرواة في إظهار أسباب انهيار الخلافة وتحميل أولي الأمر مسؤولية ذلك وكذلك استنكار تراكم الثروات الفاحشة لدى الخليفة بدل توزيعها على المسلمين ومرافق الدولة ومنها الجيوش عندما كان العدو يزحف على بلاد الإسلام بالإضافة إلى استخلاص النتيجة وهي أن هجوم المغول الكفار على بلاد الإسلام وقتلهم المسلمين هو عقاب من الله. لم يحتمل المغول هواء بغداد المتعفن بمفعول مئات الآلاف من الجثث الآدمية ودخان آلاف الحرائق وفساد مرافق الحياة وتعطل مصالحها، لذلك هجروها للإقامة بعيدا عنها مع الاستمرار في النهب والسلب والسبي وإحصاء الغنائم. لم يبق لهم من مسألة تستحق الذكر سوى الخليفة الذليل الذي لا يدري إن أصبح إن كان يمسي حيا وإن أمسى أن يصبح حيا. والحقيقة أن الخليفة كان يمثل مشكلا حقيقيا أمام هولاكو الذي لم يدر كيف يتخلص منه. كان المغول يؤمنون بالتنجيم ولا يقدمون على أمر دون استشارة المنجمين. وفي هذا المجال كان المنجمون قد حذروا هولاكو من عواقب قتل خليفة المسلمين ونبهوه إلى احتمال حدوث كوارث طبيعية كبيرة عند اقتراف هذه الجريمة، كما ذكروا له أن كل من تجرأ على خليفة ا لمسلمين وعلى مدينة بغداد قد حلت عليه اللعنات والمصائب ومات مبكرا في ظروف شنيعة. هنا نجد روايات تختلف فيما بينها بتفاصيل هامة، فالبعض من المؤرخين يذكر أنه رمي به في نهر دجلة، والبعض الآخر يرجح أن يكون قتل خنقا ورمي به حيث لا يعرف أحد. لكن أهم الروايات وأكثرها تواردا في كتب التاريخ هي التي سنذكرها لكم في الحلقة القادمة بكامل تفاصيلها.