لم يسمح هولاكو بأكثرمن مائة إمرأة للخليفة الذي لن يعيش بما يكفي لكي يتمتع بأية واحدة منهن أصلا. لم يبت هولاكو في قصر الخلافة بل عاد إلى معسكره عند المساء وأمر في اليوم الموالي أحد قادته بضط أملاك الخليفة وهي الثروات الطائلة التي جمعها وتوارثها خلفاء بني العباس طيلة عدة قرون. في الأثناء كانت بغداد تحترق. بلغ المغول حدا غير مسبوق من الأجرام في حق البشر لم يسبقهم إليه أحد. لم يكن هناك مقاتلون كثر في المدينة منذ أن سلم الخليفة نفسه وأكابر العاصمة وعلماؤها، لذلك قتل المغول النساء والأطفال والحوامل والشيوخ حتى أن مؤرخا أوروبيا هو ريشتارد كوك حقق عدة أحداث متفق عليها لا تكاد تصدق لفظاعتها منها أن أحد جنود المغول قتل في زقاق واحد أكثر من أربعين طفلا «إشفاقا عليهم» بعد أن أكتشف أن رجال جيشه قد أهلكوا أمهاتهم وآبائهم قبل وصوله. لم ينج أحد ممن يمشي فوق أرض في المدينة التي تبيت كل مساء على أنين المحتضرين الذين يواجهون كل يوم الموت بلا مبرر. اختبأ الناس في المطامير والدهاليز وحفروا الأنفاق هربا من الموت العبثي الذي لا يدخر رضيعا ولا شيخا ولا إمرأة حبلى. من يطلع على ما كتب عن خراب بغداد بيد المغول لا يكاد يصدق أن الاستهتار بالروح البشرية يصل ذلك الحد غير الإنساني. ترد في كتب التاريخ أوصاف تدمي القلب عن الجثث الآدمية التي كانت تتعفن بعشرات الآلاف في الطرقات. ويقول آخرون إن المغول اجتنبوا الإقامة في مدينة بغداد بعدما دمروها هربا من جوها العفن ومن العدوى القاتلة المترتبة عن الأوبئة حتى أن هواء المدينة ظل أشهرا عفنا بسبب الجثث. يقول ابن الأثير:»ولما نودي ببغداد بالأمان، خرج من تحت الأرض من كان بالمطامير والقنى والمقابر كأنهم الموتى إذا نبشوا من قبورهم، وقد أنكر بعضم بعضا فلا يعرف الوالد ولده ولا الأخ أخاه، وأخذهم الوباء الشديد فتفانوا وتلاحقوا بمن سبقهم...». كانت نتيجة كل ذلك القتل أوبئة عامة أصابت المدينة لأشهر بعدما فسد هواؤها وماؤها، إلا أن ما ينتظر المستعصم آخر حكام عاصمة الحضارة كان يفوق الوصف. كان يظن أن استسلامه الكامل للمغول وسعيه لاسترضائهم سوف ينقذ رقبته، لكن الموت لن يأتيه من الرقبة كما سنرى في الحلقة الموالية.