يرجى مراجعة حلقة الأمس لتتوضح الصورة تواصلا مع حلقة اليوم ! فلقد ربطت إشاعات الحب المخرج عز الدين ذو الفقار مع بطلات أفلامه جميعًا، باستثناء أفلامه مع فاتن حمامة، لمجرد أنها كانت زوجته فى الحقيقة، كان عز مشهورًا بأنه يعيش قصة حب مع كل بطلة لا يستطيع أن يبدأ فيلمه إلا إذا غرق فى حبها، وعز لم يكن يحب النجمة بل الشخصية التى تجسدها، حالة أقرب إلى الصدق الفنى كما سمتها مديحة يسرى بعد أن عاشتها معه فى فيلم «إنى راحلة». وعاش عز مع نجاة نفس الحالة فى «الشموع السوداء»، فكان يتردد عليها كثيرًا ويعيش معها كل مشهد كأنه بطل الفيلم، وفى واحد من تلك المشاهد دخل كامل الشناوى إلى الكادر فجأة فرأى ما ظنه مشهدا غراميا ساخنا، فكتب بدموعه «لا تكذبى». ! قصة الأغنية خرج كامل الشناوى يومها إلى بيت مصطفى أمين القريب من «مكان الحادث» فى الزمالك، ليدخل عليه منهارًا تسبقه دموعه ويمسك بالقلم ليكتب قصيدته الشهيرة فى دقائق معدودة… وكتب مصطفى أمين عن «لا تكذبى» وصاحبها: «لقد كُتبت هذه السطور داخل حجرة مكتبى بمنزلى بالزمالك، وهى قصيدة ليس فيها مبالغة أو خيال وكان كامل ينظمها وهو يبكى وكانت دموعه تختلط بالكلمات فتطمسها، ودخل علينا ذات مرة أنا والموجى البيت مسرعًا إلى غرفة المكتب وسمعناه يتحدث للمطربة التى عشقها بصوت منتحب خافت تتخلله الزفرات والعبرات والتنهدات والآهات مما كان يقطع القلوب، وحكى لنا بنفسه أن المطربة كانت صامتة أثناء سماعها الكلمات لا تقول شيئا ولا تعلق ولا تعترض، وبعد أن انتهى كامل من إلقاء القصيدة قالت له: (كويسة قوى تنفع أغنية، لازم أغنيها)، وحبًا فيها وللوقوف بجانبها ودعما لمسيرتها الفنية وافق على أن تكون هذه المشاعر الصادقة أغنية لها». ولحن الأغنية محمد عبد الوهاب...وربما كان أسعد الجميع بالأغنية هو عزالدين ذوالفقار نفسه المتهم الأول، فقد وجد أنها إضافة مهمة للأحداث فى فيلم «الشموع السوداء»، الذى عرض عام 1962، وقامت نجاة ببطولته مع صالح سليم، ومنح الأغنية 10 دقائق من عمر الفيلم محتفظًا بالمقدمة الموسيقية الطويلة وبالتوزيع المبهر الذى قام به على إسماعيل للحن، ولا يستبعد أن عزالدين ذو الفقار بكى تأثرًا وانفعالًا.. ربما أكثر من كامل الشناوى نفسه. *معلومات عن الأغنية قصيدة "لا تكذبي" أغنية غنتها المطربة نجاة الصغيرة في فيلم "الشموع السوداء" وقد صورت الأغنية سينمائيا وغناها أكثر من مطرب ومطربة، فقد غناها عبد الحليم حافظ على المسرح وغناها عبد الوهاب وغيره. أغنية لا تكذبى هي الأعلى تكلفة إنتاجية في عصرها، فقد تراوحت تكلفتها بين خمسة وسبعة آلاف جنيه، كتبها الشاعر الصحفى كامل الشناوى ضمن ديوان كامل له، ولحنها الموسيقار محمد عبد الوهاب. هذه القصيدة استغرق وقت غنائها عشرة دقائق تقريبا، وهي جزء من أحداث الفيلم العربى الشموع السوداء الذي شارك فيه اللاعب الأهلاوى صالح سليم ونجاة الصغيرة بالتمثيل والغناء وأخرجه عز الدين ذو الفقار (رحل في جويلية 1963). استمرت بروفات أغانى الفيلم شهرين كاملين فهى من القصائد الصعبة عكف عبد الوهاب على تلحينها تحت مسمى السهل الممتنع في الغناء التمثيلى. تم تسجيل الأغنية في إستوديو مصر واستمر التسجيل عشر ساعات متواصلة تحت قيادة المخرج الذي أصدر أوامره بعدم دخول أي شخص إلى الإستوديو وتم إعادة تسجيلها 28 مرة بسبب دقة ووسوسة عبد الوهاب. وبسبب المجهود الذي بذلته الفرقة الموسيقية قرر المخرج عز الدين ذو الفقار صرف علاوة ثلاثة أضعاف أجرهم المتفق عليه تقديرا لمجهودهم الزائد إلا أن المنتج اعترض لكن أصر ذو الفقار وانتصر. كامل ونجاة بأسلوبه الساخر وقصائده وثقافته استطاع كامل الشناوي أن يكون على رأس الصفوة من الكتاب والأدباء، لكن النيران لم تنطفئ لحظة بقلبه، عاش قصة حب من أكثر القصص ألماً وعذاباً، أحب المطربة «نجاة الصغيرة»، كانت حبه الوحيد، لعن كل النساء من أجلها، وجعلها أهم امرأة في العالم، أما هي، فأدارت له ظهرها وعبثت به، ساعة تقبل عليه وساعة تهرب منه، حتى كتب مرة يقول: «إنها امرأة غامضة، لا أعرف هل تحبني أم تكرهني، هل تريد أن تقتلني أم تحييني؟». كان كامل الشناوي كئيباً و«ابن نكتة» في نفس الوقت، اشتهر بخفة الدم؛ يقول النكتة فتصبح على كل لسان، كأنها أغنية جديدة «لأم كلثوم» أو «عبد الوهاب»، كان لديه القدرة على أن يضحكك على نفسه ويبكيك أيضاً، وكان حبه ل«نجاة» سبب بكائه وعذابه.. وأجمل أشعاره أيضاً، لكنها أبداً لم تكن لحن الفرح في حياته. والذي يعرفه الجمهور، أن «كامل الشناوي» هو من قدّم «نجاة» إلى الجمهور، اكتشفها وكتب لها أجمل أغانيها، أما الذي لا يعرفه أحد، أن أغنيتها الشهيرة «لا تكذبي» كانت مكتوبة لها ومن أجلها، وأن «الشناوي» شاهد الأديب «يوسف إدريس» معها بالسيارة في أحد شوارع القاهرة، ولما شاهدهما فأصابته الغيرة ثم شاهدها مع عز الدين ذور الفقار كما روي لاحقا فشعر بطعنة الغدر !... وكتب : لا تكذبي إني رأيتكما معاً ودعي البكاء فقد كرهت الأدمعا ما أهون الدمع الجسور إذا جرى من عين كاذبة فأنكر وادعى ويؤكد «الصحفي الكبير» أنها ردت عليه ببرود وقالت: «حلوة يا كامل.. لازم أغنيها!». وفي عيد ميلادها عام 1962، كانت أسوأ لحظة مرت على الشاعر الرقيق، اشترى لها هدايا الحفل، وجلس مع رفاقه في شقتها بالزمالك، وعند إطفاء الشموع اختارت «يوسف إدريس» ليقطع التورتة ممسكاً بيدها، فانسحب الشناوي حزيناً، وخاطب نفسه بعدها قائلاً: «افهميني على حقيقتي.. إنني لا أجري وراءك بل أجري وراء دموعي»، وعندما فاض به الكيل قال: «هل ألعنها أم ألعن الزمن؟ كانت تتخاطفها الأعين، فصارت تتخاطفها الأيدي» ! وربما كان «الشناوي» مخطئاً حين ظن أنها خانته، أما الحقيقة فواضحة كالشمس؛ فهي لم تحبه، أو رأته أباً لا حبيباً، حيث كان يكبرها بثلاثين عاماً؛ لذلك لم تلتفت إليه من الأساس بسبب فارق السن الكبير، وأحس هو بذلك فقال: «احتشم يا قلبي، فالحب طيش وشباب وأنت طيش فقط!». وفي نهاية حياته تزوجت «نجاة»، وشعر كامل الشناوي أنه أضاع عمره في حبها، وأن كل ما فعله تصرفات حمقاء، قلّلّت من شأنه، فبعث لها برسالة يقول: «ليتك تعلمين أنك لا تهزيني بحماقاتك، فلم يعد يربطني بك إلا ماضٍ لا تستطيع قوة أن تعيده إلينا أو تعيدنا إليه، كنت أتعذب في حبك بكبرياء.. وقد ذهب الحب، وبقي كبريائي، كنتِ قاسية في فتنتك ونضارتك وجاذبيتك، فأصبحتِ قاسية فقط!». لقد أعطى كامل الشناوي حياته ونفسه كلها ل«نجاة»، اكتشفها وساعدها في بدايات حياتها، إلا أنها أبكته وأضنته وحطمته، يقول مصطفى أمين: «عشت مع كامل الشناوي حبه الكبير، وهو الحب الذي أبكاه وأضناه وحطمه وقتله في آخر الأمر، أعطى (كامل) لهذه المرأة كل شيء، المجد والشهرة والشعر، ولم تعطه شيئاً، أحبها فخدعته، أخلص لها فخانته، جعلها ملكة فجعلته أضحوكة». ومات كامل الشناوي وحيداً، كما عاش وحيداً بلا زواج من أجل حبه الأفلاطوني العظيم، الذي ظل طريداً من أجله طوال حياته، فرحمة الله...ولقد كتبت الصحف يوم وفاته بالبنط العريض وفي غضب ظاهر وتعاطف شديد"الحب الذي قتل الشاعر" ! والتقى " مصطفى أمين" بنجاة الصغيرة، وأخبرها أنه كرهها طول حياته منذ قصيدة "لا تكذبي إني رأيتهما معًا"، فقالت: إنني لم أحبه، هو الذي كان يحبني، إنني كنت أحبه كصديق فقط، وطلب مني الزواج فرفضت لأننا اختلفنا في كل شىء فأنا رقيقة وهو ضخم، وصغيرة وهو عجوز، أجد متعة في أن أجلس مع الناس، ومتعته أن يجلس معي وحدي، أنا لا أريد أن يعرف الناس من أحب، وهو يريد أن تعرف الدنيا كلها أنه يحبني. فرد عليها "أمين": أن أصدقاءه يعتقدون أنك قتلتيه، فقالت: لا.. إنه هو الذي انتحر. !