أزاح قيس سعيّد في حواره على القناة الوطنية أول أمس شيئا من الغموض الذي كان محيطا به خاصة ما راج حول تبنيه «فكرا ثورجيا» مصدره المحيطون به. غير أنّ ذلك سيبقى في حاجة الى مزيد من التأكيد منه للقطع مع كل الشكوك. تونس-الشروق- بعد فترة من الصمت وإثارة الجدل حوله والمخاوف من غموضه ومن غموض برنامجه والمحيطين به، تكلم المترشح للدور الثاني من الانتخابات الرئاسية قيس سعيد كما لم يتكلم من قبل. وقد ظهر سعيد في رأي عديد المتابعين في حواره على قناة الوطنية 1 بمظهر مصارحة مطمئنة نسبيا أزاحت جانبا كبيرا من الضبابية التي التصقت به منذ صعود اسمه في عمليات سبر الآراء وخاصة بعد تقدمه بترشحه وخلال حملته الانتخابية. ووصف المراقبون كلام سعيد على مدى أكثر من ساعة بأنه قطع شبه نهائي مع من أرادوا مؤخرا الركوب على نجاحه وأعلنوا دعمه في الدور الثاني مروجين في الآن ذاته لخطاب «ثورجي» حاولوا كسب التعاطف به. تبرأ من «الثورجية» نفى قيس سعيّد كل صلة له ببعض صفحات التواصل الاجتماعي التي قال انها نسبت نفسه له دون علمه وعبّرت طيلة الفترة الماضية عن مواقف عادت بالتونسيين إلى خطاب تجاوزه الزمن وتجاوزته الأحداث وهو الخطاب الذي يهدم ولا يبني ويعود بتونس الى تجاذبات 2011 و2012 . وقد تبرّأ سعيد من هذه الصفحات ومن الذين يُروجون لهذا الخطاب وقال أنهم غير مرحب بهم في حملته الانتخابية وفي محيطه الذي يدعمه وحذّر أنصاره والمدافعين عن برنامجه من التواصل معهم . وكان عدد من الناشطين قد روجوا في المدة الأخيرة لتجاذبات تجاوزها الزمن ولم يعد لها مكان اليوم في تونس ولا تنفع الناس بقدر ما ستزيد من تعميق أزمة البلاد وستزيد من التعطيل ومن هدم ما وقع إنجازه من تقدم في مجال الانتقال الديمقراطي طيلة السنوات الثماني الماضية. تجميع التونسيين ركز قيس سعيد في كلامه على مسالة التجميع ونبذ كل أشكال التفريق الذي حاول البعض نسبه إليه أيضا استنادا الى مواقف «ثورجية» أراد البعض الترويج لها طيلة السنوات الماضية ثم حاولوا اليوم الركوب على نجاح قيس سعيد لإعادتها إلى الواجهة. وقال سعيد بالحرف الواحد أنه «يجب أن نتجاوز الخلافات، قضيتنا قضية وطن، يجب أن نعمل جميعا بدون اقصاء من أجل الشعب، والا سنخسر كلنا.. انا داخل للجمع ولا مجال للإقصاء». وعبّر أيضا عن احترامه لقيم الجمهورية ولأسس الدولة ومدنيتها خاصة في ما يتعلق بما راج حول تبنيه فكرة الحكم عن طريق لجان ثورية او شعبية وقال أنه سيعمل عكس ذلك على المحافظة على تلاحم الدولة وحماية شكلها الجمهوري من كل أشكال الانهيار. حماية الحريات من أبرز التجاذبات التي تجاوزتها تونس ويريد البعض إعادة البلاد إلى مربّعها ما راج مثلا حول تبني قيس سعيد لفكر مُهدّد للحريات ولقيم الحداثة والتقدمية خاصة المس من مكاسب المرأة. وهو ما نفاه سعيد بلهجة حادة وبصفة قاطعة بالقول أنه بالعكس هذه المكاسب تحتاج الى مزيد من الدعم وأنه سيعمل على ذلك. فرنسا .. سوريا وليبيا وضّح سعيّد أيضا بخصوص الفكرة التي نُسبت إليه والمتضمنة للقطع مع المحيط الدولي خاصة مراجعة العلاقة مع فرنسا، وهو الخطاب الذي ينسبه المراقبون لبعض الثورجيين، الذي نفاه بقوة أيضا معتبرا ان تونس لا يمكن عزلها عن محيطها الخارجي لأنها مرتبطة باتفاقيات دولية.. في السياق نفسه تحدث قيس سعيد عن موقفه المستقبلي عند تولي منصب الرئاسة من الأوضاع في سوريا وليبيا والجزائر وقال أن تونس لن تتدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدول وستكون فقط مجرد قوة اقتراح لحلحلة الازمات وجمع الفرقاء في البلد الواحد وكل ذلك في إطار احترام الشرعية الدولية. احترام الشرعية تضمن كلام سعيد أيضا طمأنة حول ما قيل عن تبنيه فكرة وصفها البعض ب»الخطيرة» وهي المتعلقة بتنقيح الدستور وتغيير النظام السياسي، والتي يريد البعض أيضا الترويج لها اليوم والقطع مع ما تحقق الى حد الآن من مسار انتقالي ديمقراطي. وقال في هذا السياق أن هذا الامر موكول للبرلمان دون سواه وأنه سيواصل التحرك في إطار الشرعية الحالية أي التقدم بمبادرات تشريعية وانتظار قبولها او رفضها من البرلمان. وقال إن كل المبادرات التي سيطرحها سيتم العمل على تطبيقها في إطار الدستور. كما طمأن حول ما راج من رغبة بعض المحيطين به من أصحاب بعض الأفكار «الثورجية» من رغبة في الاستحواذ على دواليب الحكم والدولة حال بلوغه إلى السلطة وقال في هذا السياق «لا مجال لأي جهة سياسية أو غيرها أن تتدخل في المرافق العمومية أو تتسلل الى أجهزة الدولة». بلا أفق بقدر ما كان كلام قيس سعيد مطمئنا حول عديد المسائل بقدر ما يتوجب عليه مواصلة نهج التوضيح وإزاحة الغموض والتكثيف من الظهور الإعلامي او بمناسبة حملته الانتخابية لنفي كل ما التصق به من أفكار لازال البعض يتبناها رغم أن الزمن تجاوزها. فبذلك يمكن الاطمئنان نهائيا إلى برنامجه المستقبلي وإلى نهاية الفكر «الثورجي» الذي أعاده البعض مجددا على السطح مستغلين نجاح قيس سعيد فنسبوه إليه معتقدين أنهم بذلك سيكسبون تعاطف كل من ناصره في الدور الأول، ليتضح بذلك ان هذا الفكر بلا أفق في ظل رفضه من كل المكونات السياسية الكبرى في البلاد خاصة العائلات السياسية التقدميّة والحداثيّة.