بعد مفاجأة المستقلين في الانتخابات الرئاسية تتجه الأنظار يوم الأحد القادم إلى القائمات المستقلة في الانتخابات التشريعية وما يمكن أن تحققه من نتائج وما قد يرافق ذلك من جدل.. تونس (الشروق) بعد أن أسفرت نتائج الدور الأول من الانتخابات الرئاسية عن تقدم عدد من المترشحين المستقلين على مُرشحي الأحزاب، يدور هذه الأيام جدل واسع لدى الرأي العام حول ارتفاع عدد القائمات المستقلة التي ستشارك في سباق الانتخابات التشريعية. فذلك يثير مخاوف من إمكانية تشتيت أصوات الناخبين وأيضا من فرضية عدم قدرة المستقلين –في صورة بلوغهم السلطة–على تقديم أداء جيّد خصوصا أن العادة جرت في تونس منذ الاستقلال على تولي مقاليد الحكم من قبل أطراف سياسية وحزبية بامتياز.. تشتيت الأصوات... والمقاعد تقدمت القائمات المستقلة للانتخابات التشريعية بطريقة مشتتة ولم يتقدموا في شكل ائتلافات انتخابية إلا بنسبة قليلة. وبالنظر الى ارتفاع عددها فإنّ المخاوف تصبح أكيدة من إمكانية تسبب ذلك في تشتيت الأصوات وبالتالي في افراز برلمان مشتت هو الآخر لا تتوفر به كتل برلمانية قوية وقادرة على لعب الدور الأول تحت قبة البرلمان. صحيح أن المستقلين الذين سيفوزون بمقاعد في البرلمان يمكن أن يشكلوا كتلة برلمانية كبيرة وقوية وقادرة على توفير الأغلبيات المطلوبة في العمل البرلماني سواء لمنح الثقة للحكومة او لتمرير القوانين لكن ذلك سيبقى رهين قدرتهم على التوافق على هذا الخيار وأيضا رهين عدم استقطابهم من قبل الأحزاب والذي سينفي عنهم صفة الاستقلالية. تونس والأحزاب منذ الاستقلال، جرت العادة في تونس ان تتولى الحكم أطراف سياسية وحزبية. وهو ما حصل طوال فترة حكم بورقيبة (الحزب الاشتراكي الدستوري) وفترة حكم بن علي (حزب التجمع) وأيضا بعد 2011 من خلال الترويكا بقيادة النهضة ثم الائتلاف الرباعي وحكومة الوحدة الوطنية بقيادة نداء تونس. ورغم الهزات والتقلبات العديدة التي رافقت حكم هذه الأطراف السياسية والحزبية طيلة العقود الماضية في المجال الاقتصادي والاجتماعي والأمني وغيرها إلا أن عديد المتابعين يرون أنها تمكنت من تسيير الدولة بثبات وحافظت على الشكل الجمهوري للدولة وعلى مكتسبات الحرية والحداثة والمدنية. وهو أمر طبيعي بحكم ما تتوفر داخل الأحزاب من كفاءات وخبرات وبحكم ما يوفره العمل السياسي والحزبي من حنكة ودراية بكيفية إدارة الشأن العام وربط العلاقات الدولية القوية والتعامل مع مختلف الأزمات.. حكام مستقلون هذا المنحى نحو تولي المستقلين مقاليد الحكم سواء على مستوى السلطة التنفيذية او السلطة التشريعية يقول عنه مراقبون أنه من شأنه أن يحمل بين طياته إيجابيات عديدة على غرار وصول أشخاص الى الحكم لا تقف وراءهم الأحزاب التي عادة ما تكون مصدر تقلب وارتباك ممثلها في الحكم بسبب ما تعيشه عادة من صراعات داخلية وأخرى خارجية مع منافسيها... ووفق هذا الرأي فان استقلالية من سيتولى مقاليد الحكم قد تجعله في مأمن من ضغوطات ومشاكل الحزب وتسمح له بممارسة مهامه بكل راحة بال. ومن حيث المضمون يعتبر كثيرون أن المستقل قد تكون لديه أفكار وبرامج جديدة وخارجة عما ألفوه في برامج ووعود الأحزاب وقد تكون مستجيبة لطموحاتهم وانتظاراتهم. غير أن ذلك لا ينفي المخاوف القائمة من عدم قدرة المستقلين على تسيير شؤون الدولة بالشكل المطلوب. فخبراء الشأن السياسي ينبهون مثلا من افتقار الحاكم المستقل (في البرلمان وفي رئاسة الجمهورية أو في الحكومة) لحزام سياسي وحزبي يساعده على أداء مهامه ويحميه من ضغوطات وانتقادات المعارضة في البرلمان وخارجه. وهو ما قد يُسبب تعطيلات للمستقل في تنفيذ برامجه وأفكاره بسلاسة والتي عادة ما يتجنبها المسؤول المُتحزّب لأن حزبه سيوفر له حزاما سياسيا يسانده ويقيه من التعطيل والنقد والضغوطات. مسؤولية الأحزاب تقدم المستقلين في الاستحقاقات الانتخابية المختلفة لا تختص به تونس بل لوحظ تطوره في السنوات الأخيرة في عديد الدول. ويفسره المختصون بتراجع دور الأحزاب وبتراجع قيمة ومكانة بعض الإيديولوجيات التي كانت نقطة قوة الأحزاب وايضا عزوف الناس خاصة الشباب عن الاهتمام بالعمل الحزبي والسياسي. وتبقى المسؤولية الكبرى ملقاة على عاتق الأحزاب وذلك بالعمل على استرجاع دورها التاريخي وعلى تطوير وسائل عملها حتى تقدر على لعب الدور المطلوب منها بشكل جيد عندما تكون في السلطة. مخاوف.. وإيجابيات المخاوف - عدم توفر الخبرة والدراية اللازمة بتسيير الشأن العام والدواليب الكبرى للدولة لدى المستقل - عدم القدرة على ربط علاقات دولية قوية - ابتلاع المستقل من الأحزاب بسبب ظاهرة السياحة الحزبية وفرض هيمنتها عليه وبالتالي الاخلال بإرادة الناخبين. الإيجابيات - عدم وجود ضغط حزبي وراء المسؤول المستقل - وجود كفاءات وخبرات لدى بعض المستقلين تفوق ما يتوفر داخل بعض الأحزاب. - إمكانية الالتفاف داخل البرلمان لتكوين كتلة قوية وكبيرة تُوفر كل الاغلبيات المطلوبة. - تولي المستقلين الحكم من شأنه أن يمثل رجّة معنوية ونفسية إيجابية للمواطن الذي ملّ وسئم طيلة السنوات الماضية إدارة شؤونه من أحزاب وحكّام متحزبين لأنهم أغرقوه بالوعود الكاذبة ولم يحقّقوا انتظاراته. أرقام يبلغ عدد القائمات المترشحة للانتخابات التشريعية 1507 قائمة في 33 دائرة انتخابية. وتتوزع القائمات بين 163 ائتلافية و687 قائمة حزبية و722 قائمة مستقلة وهو ما يرجح فرضية حصول المستقلين على عدد هام من المقاعد في البرلمان إلى جانب إمكانية صعود المستقل قيس سعيد الى منصب رئيس الجمهورية.