الشاهد يرأس الحكومة دون أن يحكم، النهضة كانت شريكا في الحكومة وصاحبة الأغلبية البرلمانية دون أن تحكم، نداء تونس فاز بالانتخابات دون أن يحكم… كل طرف يتملص من خيبة الحكم ويلقي بالمسؤولية على غيره فمن كان يحكم تونس؟ تونس (الشروق) «النصيب الأكبر من الحكومة كان لحزب نداء تونس، وبالتالي فإن حركة النهضة تتحمل الفشل جزئيا على قدر مشاركتها»، هذا ما قاله رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي مضيفا، خلال ندوة صحفية عقدها نهاية الأسبوع الماضي، أن «النصيب الأكبر من الفشل يتحمله حزب نداء تونس». هذا الموقف تداعى له القيادي في النداء خالد شوكات بالأسف والاستغراب قبل أن يسأل الغنوشي إنكاريا: «الآن أصبح النداء في نظركم هو المسؤول وحده عن حصيلة الحكم خلال السنوات الخمس الماضية، رغم مطالبته بتغيير الحكومة منذ 2017 بعد ثبات فشلها، ورغم أنه عانى من مشروع تخريبي كان برعايتكم المباشرة». النداء بريء من وجهة نظر أبنائه لأنه لم يحكم والنهضة بريئة وفق تقديرها وإن كانت مسؤولة فجزئيا فقط، حتى الشاهد لا يتحمل المسؤولية حسب رأي أنصاره، ولكن ما مبررات كل طرف ومستنداته؟. «لم يطبق برنامجه» من المفترض أن يكون النداء الحاكم الأول والمسؤول المباشر عن النجاح أو الفشل في الحكم فهو الفائز بالتشريعية الماضية والمكلف دستوريا بتشكيل الحكومة والممسك برئاسة الجمهورية منذ انتخاب الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي حتى وفاته. لكنه يدفع التهمة بمستندات عديدة. أولا: «النداء لم يحكم البلاد ولم يطبق برنامجه الانتخابي والحكومة الحالية لا تمثله وبذلك لا يجب تحميله المسؤولية عن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد»، هذا ما قاله القيادي (سابقا) في النداء ناجي جلول إبان اشتداد الأزمة بين حزبه السابق والحكومة. ثانيا: النداء شارك في الحكم ولا يجوز تحميله المسؤولية دون الأطراف التي شاركته. ثالثا: هو غادر الحكومة من تلقاء نفسه وأصبح معارضا لها فكيف يمكن مساءلة المعارض عن فشل الحكومة الحاكمة التي يعارضها. رابعا: هو اكتشف عجز الحكومة عن الإصلاح وطالب بإقالتها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه لكن النهضة استماتت في الدفاع عنها. وعليه فإن المسؤولية تتقاسمها الحركة مع الحكومة من وجهة نظر الندائيين. «مسؤولية جزئية» النهضة شريك في الحكم منذ سنة 2011 إلى اليوم وحتى الفترة التي غادرت فيها الحكومة سنة 2014 أكدت فيها على لسان رئيسها أنها «غادرت الحكومة دون أن تغادر الحكم». بل إن الغنوشي نفسه أكد في حوار لقناة فرانس 24 خلال ماي الماضي أنه «رئيس حزب حاكم، والرئيس (يقصد رئيس الحزب الحاكم) يحكم حتى وإن لم يحمل حقيبة وزارية أو منصبا رسميا». هذا يعني أن النهضة بقوة كتلتها البرلمانية وقدرتها على حماية حكومة الشاهد كانت الحاكم الفعلي والمسؤولة تبعا لذلك عن الفشل في التخلص من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية لكن أبناءها يدافعون بأنها مجرد شريك في الحكم وأنها لا تتحمل مسؤولية من عجز عن تطبيق برنامجه، وإن كانت لها مسؤولية فهي جزئية مقارنة بمسؤولية النداء. النهضة لم تترأس الحكومة ولا الجمهورية ولا مجلس النواب بغض النظر عن حلول نائبها عبد الفتاح مورو محل رئيس المجلس محمد الناصر منذ تحوله من باردو إلى قرطاج لتعويض الباجي قبل نحو شهرين فهل كان الشاهد الحاكم الفعلي والمسؤول عن الفشل؟. ممنوع من الاجتهاد رفض يوسف الشاهد كل دعوات الاستقالة، واستمات في الدفاع عن الاستقرار السياسي والحكومي حتى تضرر منه في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية وقد يتواصل الضرر في التشريعية القادمة. الشاهد متهم باستغلال موارد الدولة والتحكم في التسميات بما ينفع مصالحه ومصالح حزبه، ومتهم بترويع خصومه والزج بهم في السجن وهي أفعال إن ثبتت صحتها لا يمكن أن تصدر إلا ممن يحكم فعليا لكن رئيس الحكومة يؤكد في كل مناسبة أنه لم يعدّ برنامجا حكوميا حتى يطبقه ويحاسب من أجله بل جيء به لينفذ ما اتفقت عليه أطراف وثيقة قرطاج من أولويات، وحتى المناسبات التي حاول فيها الاجتهاد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وجد معارضة قوية من بعض الأطراف الحاكمة والداعمة من خلال الحزام السياسي. هذا كله يحيلنا إلى سؤال محير فإذا كانت الأطراف الثلاثة تنفي عن نفسها التورط في الحكم والمسؤولية عن الفشل فمن كان يحكم فعليا؟. أداة تنفيذية؟ لا يمكن الاطمئنان إلى أطروحات الأطراف الثلاثة لاسيما وأنها تتزامن مع استعدادها للتنافس في التشريعية القادمة ولكن هذا لا ينفي مسكها ولو نسبيا بزمام الحكم. الحكم لا يعني رئاسة الحكومة والجمهورية ومجلس النواب فقط، ولا عضوية الحكومة والبرلمان فحسب بل أيضا التأثير في القرار الوطني مركزيا والقرار الجهوي والمحلي لامركزيا. علينا في هذه الحالة أن ننظر إلى تركيبة الولاة والمعتمدين والعمد لنكتشف حضور النداء والنهضة وتحيا تونس (حزب الشاهد) في الحكم، وعلينا أيضا أن ننظر في تركيبة الإدارة التونسية لنقف على التنازع الكبير بين الثلاثي على الإمساك بالحكم. ظاهريا شارك نداء تونس في الحكم عبر الرئاسات الثلاث وزرائه في حكومتي الصيد والشاهد وأبنائه الذين أمسكوا بالمناصب الإدارية والسياسية قبل مغادرته الحكومة وحتى بعدها، فيما سعت حركة النهضة منذ 2011 إلى تركيز أقدامها في الحكم سياسيا وإداريا، أما الشاهد فتفرغ لتنفيذ سياسة مغيرة لأولويات وثيقة قرطاج وتعيين كل من يعينه على تنفيذ هذه السياسة، لكن علينا ألا نغفل عن حقيقة دامغة فالحاكم لا يطبق بالضرورة وجهة نظره ولا سياسته الخاصة، بل قد يكون أحيانا مجرد أداة تنفيذية لأطراف أخرى تحكم فعليا من وراء الستار. «نظام خفي» أو «حكومة ظل» زعم المرشح للدورة الثانية من الرئاسية قيس سعيد قبل سنتين أنّ «نظاما خفيا» يحكم تونس بشكل غير مباشر و»يحدد الدوائر التي يدور فيها النظام الظاهر والمؤسسات التي وضعها الدستور». وقال سعيد في حديث نشرته صحيفة «القدس العربي» يوم 4 نوفمبر 2017 إن «تونس تعيش حاليا في ظل نظامين، نظام ظاهر وآخر خفي، فالظاهر يتحرك في الدائرة التي يحددها له النظام الخفي الذي يتحكم في كل شيء فهو الذي يحدد الدوائرالتي تتحرك فيها المؤسسات التي وضعها الدستور، وهو صاحب القرار النهائي وهو الذي يحسم في كل المسائل المصيرية، فهناك حكومة يفترض أنها مستقلة عن رئيس الدولة وهناك مؤسسات دستورية كهيئة الانتخابات وغيرها، تتحرك جميعها في الدوائر التي يحددها هذا النظام الخفي، لا تلك التي يحددها الدستور أو القانون بوجه عام». من وراء الستار الحاكم الحقيقي في أغلب الدول الغربية هي اللوبيات وجماعات الضغط التي تتحكم في أصوات النواب وتوجهات الرؤساء، أما في تونس فيكفي أن ندقق في هويات نواب الشعب وعلاقاتهم وتركيبة كل حزب حاكم لنكتشف أن هناك حكاما غير مرئيين يوجهون سياسة البلاد الداخلية بما يخدم مصالحهم. المقصود بهؤلاء الحكام هم أصحاب رأس المال الذين ينخرطون فعليا في الأحزاب القوية الحاكمة أو يتكفلون بتمويلها واستقطاب الشخصية المناسبة قبل الدفع بها إلى مجلس النواب حتى تمرر القوانين التي تنفعهم وتعترض على ما يضرهم. الحاكم الحقيقي في تونس ليس صاحب رأس المال فقط بل قد يكون أجنبيا فتونس مثلها مثل أغلب دول العالم تطبق طوعا أو كرها إملاءات الأطراف الخارجية. علينا أن نلقي نظرة على مشروع أي ميزانية لنكتشف أن النهضة والنداء وحركة المشروع وآفاق تونس والوطني الحر والشاهد والصيد وجمعة والعريض والجبالي والباجي وغيرهم كانوا في النهاية مجرد أداة تنفيذ وأن الحاكم الحقيقي والفعلي كان صندوق النقد الدولي والجهات المانحة. عندما نحل أزماتنا ونؤسس اقتصادا قويا ونتخلى عن سياسة الإقتراض قد نستعيد بعض حقنا في حكم بلادنا.