قال أستاذ القانون الدستوري أمين محفوظ انه من الواجب على الهيئة تحمل مسؤولياتها وإعادة فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية نظرا لوجود اخلالات جسيمة تمس جوهر العملية الانتخابية. تونس (الشروق) هل يطرح التعاطي مع ملف المترشح نبيل القروي في علاقة بالدور الثاني للانتخابات الرئاسية وجود ثغرات قانونية؟ في تقديري الوضعية التي تعيشها تونس اليوم هي غير معهودة، وصعبة ايضا، ولم نحسن التعامل معها،حيث أن الدستور والقانون الانتخابي وقانون هيئة الانتخابات وبقية القوانين يمكن ان تعرف بعض الثغرات او ان تستجد وضعيات لم يتوقعها من حرر الدستور ومن حرر هذه القوانين، ولكن على الدولة التونسية ان تتخذ القرارات اللازمة حسب طبيعة المشاكل المطروحة وبالموازنة بين الضغوطات المطروحة و المبادئ الاساسية لسلامة العملية الانتخابية. إذن ماهي الضغوطات التي يحيلنا اليها التعاطي مع ملف الدور الثاني للانتخابات الرئاسية؟ هنالك العديد من الضغوطات المطروحة، ومن بينها ما يتعلق بالآجال الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية طبق الفصلين 75 و86 من الدستور، لأن القائم بمهام رئيس الجمهورية كما نعلم جميعا يرأس الجمهورية لمدة ادناها 45 يوما واقصاها 90 يوما. والى جانب هذا الاكراه الدستوري المتعلق بالآجال ثمة إكراه آخر يتعلق بطبيعة الانتخابات، فرئيس الجمهورية ينتخب طبق الفصل 75 من الدستور انتخابا عامّا حرا مباشرا سريا نزيها وشفافا، يضاف الى ذلك ان الهاجس الأساسي الأولي للقانون الأساسي للقانون الانتخابي نجده في الفصل الثاني منه والذي يقول:››يكون الانتخاب عاما وحرا ومباشرا وسريا ونزيها وشفافا. إذن الموازنة تقع بين الإكراهات المتعلقة بالآجال والإكراهات المتعلقة بالمبادئ الأساسية والجوهرية لطبيعة هذه الانتخابات وعلى الدولة التونسية أن تعلم ماذا تريد لأنه أحيانا لا يحصل تطابق بين الآجال الدستورية وبين المبادئ الأساسية للعملية الانتخابية هل يعني ذلك ان التعاطي مع ملف المترشح نبيل القروي قاد الى خرق المبادئ الاساسية للعملية الانتخابية؟ اليوم نجد انفسنا امام مترشحين في الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية، أحدهما حر طليق، والثاني مسلوب الارادة وسجين، بما يعني أن العناصر الاساسية للانتخابات النزيهة كما هو مطبق في دولة القانون والمتعلقة أساسا بالمساواة وبالحرية وبسرية التصويت أراها أصبحت مختلة تماما في الدور الثاني. ولعل أكبر دليل على ذلك ان الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عبرت عن قلقها وعن انزعاجها من هذا المناخ الذي لا يسمح بتوفير انتخابات حرة ونزيهة كما اقتضاه الدستور وكما اقتضاه ايضا القانون الأساسي للانتخابات. إذن ما هي الجهة القانونية الضامنة لنزاهة الانتخابات والتي يمكن تحميلها المسؤولية ؟ الضامن للانتخابات الحرة والنزيهة هي الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وذلك طبق قانونها الأساسي لسنة 2012 والذي ورد في الفصل الثاني منه:››تسهر الهيئة العليا المستقلة للانتخابات على ضمان انتخابات ديمقراطية وحرة وتعددية ونزيهة وشفافة››، وقد أعطى هذا القانون للهيئة سلطة تقريرية لاتخاذ القرارات اللازمة لضمان نزاهة هذه الانتخابات خاصة وان المسؤول عن وضع رزنامة الانتخابات وتنفيذها بما يتفق مع المدد المقررة بالدستور وبالقانون الانتخابي هي هيئة الانتخابات. لكن هيئة الانتخابات أكدت انها بذلت ما يكفي في ملف القروي،فماذا كان عليها أن تفعل في رأيك؟ كان على هيئة الانتخابات الاجتهاد ومحاولة الخروج من هذه الازمة غير المسبوقة، ويجب التنويه هنا بان العديد من الانظمة السياسية في العالم يمكن ان تعرف وضعيات لم يتعرض إليها لا الدستور ولا المشرع، ولكن يجب الاجتهاد لإيجاد حل لهذه الازمة. كيف كان يمكن لهيئة الانتخابات الاجتهاد مثلا ؟ في تقديري يجب العودة الى المبادئ الاساسية لسلامة العملية الانتخابية، وكذلك الى القياس بوصفه من بين مبادئ تأويل النص الدستوري، فلو عدنا للفصل 75 من الدستور الذي يتحدث عن الانتخابات الحرة والنزيهة بالنسبة لانتخاب رئيس الجمهورية نجده يتحدث عن حالتين يتبين من خلالهما انه لا يمكن ضمان الانتخابات الحرة والنزيهة الا بالتعرض اليها حيث تعرض الى حالة وفاة احد المترشحين في الدور الاول او احد المترشحين في دور الاعادة وهنا قدم الفصل المذكور الحل وقال بانه يعاد فتح باب الترشح وتحديد المواعيد الانتخابية من جديد في أجل لا يتجاوز45 يوما. بما يعني ان الدستور اعطى الصلاحيات لهيئة الانتخابات أنه في صورة الوفاة يتم فتح باب الترشح من جديد وللتأكيد استثنى من فتح باب الترشحات حال الانسحاب في الدور الاول او الثاني. هل يعني ذلك أنه من الممكن اعتبار المترشح نبيل القروي بالقياس في حالة المتوفى؟ نظرا الى عدم انسحاب المترشح نبيل القروي فإنه بالقياس يكون في حالة المتوفى لأنه غائب تماما، وفكرة المشرع الدستوري وفلسفته بالنسبة للمتوفى انه محروم تماما من المشاركة الانتخابية ولا وجود لمنافسة انتخابية، وهذه الحالة تنطبق على السجين الذي يجد نفسه في السجن في حالة مظنون فيه وليس متهما ومسلوب الارادة ومحروم من الاتصال بالشعب ومن التنقل في الدوائر الانتخابية في تونس وفي الخارج ومن إمكانية التنافس على البرامج ومن كل الآليات التي تضمن الانتخابات التنافسية. وما يؤكد ان الانتخابات في الدورة الثانية لن تكون تنافسية تصريح المترشح الاخر قيس سعيد والذي أقر وقال :»لست في منافسة مع المترشح نبيل القروي›› والحال ان الانتخابات الديمقراطية تقوم بالاساس على التنافس الذي هو غائب تماما. وكان على الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ان تتحمل مسؤوليتها وان تقوم باعادة فتح باب الترشح وتحديد مواعيد انتخابية جديدة في اجل لا يتجاوز 45 يوما، ولكن للاسف هذه المبادئ والاسس في المادة الانتخابية غابت على هيئة الانتخابات وقرارها بخصوص تحديد موعد الدور الثاني للانتخابات الرئاسية هو قرار قابل للطعن. هل يمكن الطعن في قرار الهيئة بخصوص موعد الدور الثاني للانتخابات الرئاسية؟ نعم، قرار هيئة الانتخابات قابل للطعن امام المحكمة الادارية، ويمكن للمحكمة الادارية ان تقوم باصلاح الوضع وايقاف تنفيذ هذا القرار، كما يمكن كذلك لهيئة الانتخابات ان تتراجع وتسحب هذا القرار حيث سبق لها ان سحبت قراراتها، وادعوها ان تفعل ذلك وتتخذ قرارا يحترم المبادئ الاساسية للانتخابات حتى لا تصبح انتخابات 2019 انتخابات غير تنافسية وغير نزيهة ومشكوكا فيها في الداخل والخارج تصبح من خلالها رئاسة الدولة ضعيفة ومحل ضعف في الداخل والخارج.