تتجه الأنظار غدا إلى مجلس نواب الشعب حيث سيؤدي رئيس الجمهورية المنتخب قيس سعيّد اليمين الدستورية ثم يُلقي خطابه الرسمي الأول الذي ينتظر منه التونسيون الكثير. تونس (الشروق ) من المنتظر أن تكون الكلمة التي سيتوجه بها رئيس الجمهورية المنتخب قيس سعيّد غدا الاربعاء 23 أكتوبر 2019 بالغة الاهمية بالنظر إلى عدة اعتبارات . فهي الكلمة الرسمية الأولى التي سيقولها سعيّد بعد توليه بصفة رسمية منصب رئيس الجمهورية، وهي الكلمة التي من المفروض أن تمثل نُقلة تقطع ولو نسبيا مع الخطاب السابق الذي ظل يُردّده قيس سعيّد طيلة الفترة الماضية وتحديدا منذ اعلان ترشحه للانتخابات الرئاسية والذي أثار جدلا واسعا على الساحة السياسية. فالخطاب الرسمي هو عادة غير الخطاب الانتخابي وغير الخطاب «الحماسي» ، وهو ما يجعل الانتظارات من هذه الكلمة عديدة لدى التونسيين.. وإذا كان سعيّد قد رفع في حملته شعار «الشعب يريد» فان اول ما يريده الشعب منه هو توضيح عدة مسائل متعلقة به ظلت غامضة إلى اليوم.. وضوح رغم ظهوره أكثر من مرة خلال الحملة الانتخابية في الدورين الاول والثاني من الرئاسية عبر وسائل الاعلام وفي الاماكن العامة وبمناسبة المناظرات التلفزية، ورغم الالتفاف الشعبي المحترم حوله والذي مكنه من الفوز بالمرتبة الاولى في الدور الاول وخاصة في الدور الثاني بنسبة فاقت 70 بالمائة من الناخبين، إلا أن سعيّد لم يكن على درجة كبيرة من الوضوح في خطابه. فقد أثار جدلا واسعا لا سيما على مستوى أفكاره وبرنامجه الانتخابي ومن حيث الاطراف المحيطة به والداعمة له والمتحدثة باسمه. وهي النقاط التي على قيس سعيّد ان يتعامل معها غدا في كلمته أمام البرلمان بكلام واقعي بعيدا عن كل أشكال «التعميم» و»التعويم» التي طالما ميزت خطابه في الفترة الماضية والتي لم يتوصل كثير من التونسيين إلى فك شفرتها. برنامج رغم محدودية صلاحياته الدستورية إلا أن رئيس الجمهورية له هامش تحرك كبير يمكن من خلاله تنفيذ رؤية شاملة في عديد المجالات. وهي النقطة الهامة التي يجب على سعيّد توضيحها بالقول إنه سيعمل على تنفيذ برنامج حقيقي على أرض الواقع ( في إطار صلاحياته الدستورية) ولعب دور متقدم في الحُكم من خلال التحرك في كل الاتجاهات من أجل تحسين الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية للبلاد في أسرع وقت بعيدا عن الكلام النظري. وتبقى النقطة الأهم التي من المفروض ان يوضحها قيس سعيّد تلك المتعلقة ب»الحكم انطلاقا من المحلي في اتجاه المركزي». فهذه النقطة أثارت جدلا كبيرا بل ومخاوف عديدة من امكانية المسّ بأسس واركان الدولة الموجودة منذ دستور 1959 على غرار الشكل الجمهوري وأيضا النظام السياسي القائم على المركز وعلى توزيع السلط الى تنفيذية وتشريعية ومحلية ( جاء بها دستور 2014) إلى جانب مسائل اخرى. فتغيير النظام السياسي القائم اليوم وفق ما لمح اليه قيس سعيّد في برنامجه الانتخابي فُهم منه امكانية تقسيم الدولة وتقوية الحُكم المحلي والجهوي على حساب الدولة ، وما قد يتسبب فيه ذلك من فوضى لا تتحملها البلاد. وهي المسألة الهامة التي على قيس سعيّد توضيحها غدا امام البرلمان والاقناع بها والتعهد والالتزام بتحمل مسؤولية تبعاتها إذا ما نفذها او الاعلان بكل وضوح عن التخلي عنها.. المُحيطون كلام كثير قاله المراقبون خلال الفترة الماضية حول المحيطين بقيس سعيّد ممن رافقوه في حملاته وجولاته الانتخابية وممن شكلوا «ذراعه الفايسبوكي» وأيضا ممن عبروا عن تبني أفكاره وبرامجه والذين أثاروا الجدل في ما يتعلق بعدة مسائل (التصريحات غير المسؤولة – حملات السب والشتم لكل من يخالفهم الراي – بعض المواقف التي تهم العلاقات الخارجية للدولة – بعض التهديدات وأحيانا الاعتداءات التي طالت الاعلاميين).. فقيس سعيّد نفسه اعترف أكثر من مرة بعدم وجود «فريق» لحملته الانتخابية وبعدم وجود متحدث باسمه وبأنه لم يطلب المساعدة من أي كان وبانه لا انتماء حزبيا او سياسيا له ودعا اكثر من مرة الى تجنب مثل هذه الانزلاقات. غير أنه على أرض الواقع يلاحظ أحيانا العكس، وهو ما عليه أيضا توضيحه بشكل قاطع غدا امام البرلمان حتى تتضح الامور اكثر. فهو سيتحول بعد كلمته مباشرة إلى رئيس للجمهورية بصفة رسمية وهو المنصب الذي لا يقبل أي شكل من أشكال الفوضى على مستوى الخطاب الرسمي لمؤسسة رئاسة الجمهورية وأيضا على مستوى الموقف الرسمي للدولة التونسية في علاقاتها مع الشعب ومع الخارج.. شركاء الحكم ينتظر الرأي العام من قيس سعيّد أن يوضح أيضا غدا أمام البرلمان موقفه الرسمي من التعامل السياسي المستقبلي مع شركائه في المنظومة الحاكمة وطبيعة العلاقة التي ستجمعه بهم سواء كانت النهضة شريكه الوحيد في الحكومة أو شركت آخرين سواء في رئاسة الحكومة او في عضويتها.. فالبعض تحدث خلال الفترة الماضية عن تصادم منتظر بينه وبين شريكه في التنفيذية رئيس الحكومة القادم خاصة بسبب التنازع حول الاختصاص في ظل عدم وجود محكمة دستورية لتفصل النزاع وفق ما ينص عليه الدستور. وآخرون عبروا عن تخوفهم من التصادم بينه والبرلمان إذا ما رغب في تمرير بعض المبادرات التشريعية ، او بينه وبين المعارضة السياسية والمجتمع المدني والهيئات الدستورية .. وهو ما يُحيل أيضا الى توضيح العلاقة التي ستجمعه بالدستور وإن كان فعلا ينوي تنقيحه لارساء نظام سياسي جديد.. عموما ما يُنتظر من قيس سعيّد غدا هو خطاب طمأنة لكل التونسيين يشمل مختلف التساؤلات التي تشغلهم حوله.. اللغة العربية واللهجة التونسية طيلة الفترة الانتخابية، ظل قيس سعيّد يتحدث بلغة عربية لقيت الاستحسان لدى البعض لكن لم يتقبلها البعض الآخر بسبب ما رافقها احيانا من غموض ومن أخطاء. لذلك يذهب مختصون إلى القول أنه على سعيّد أن يُحاول بداية من خطابه غدا امام البرلمان الميل أكثر إلى لغة «مُبسّطة» يفهمها كل التونسيين بلا استثناء ويمكن ان يُبقي في هذا المجال على اللغة العربية الفصحى سهلة الفهم أو ادماج اللهجة التونسية من حين إلى آخر حتى يقدر على تبليغ افكاره وبرامجه المستقبلية الى كل التونسيين ويتوصل الى اقناعهم بها وبذلك يمكنه ان يضع حدا لكل اشكال التأويل الخاطئ لما يقوله.