قضايا تحرش و«براكاجات» واستهلاك مواد مخدرة وحوادث أخرى مفزعة تسجّل يوميا بمؤسساتنا التربوية ضحاياها تلاميذ كانوا فريسة لمخاطر الشارع خلال الساعات الجوفاء وعلى بعد أمتار من المؤسسات التربوية. تونس (الشروق): تعددت حوادث العنف والاعتداءات التي تستهدف التلاميذ في محيط المؤسسة التربوية وداخلها ويرى الملاحظون ان جزءا من هذه الحوادث يمكن تلافيها في حال تم التقليص من تواتر الساعات الجوفاء التي اصبحت خطرا داهما على الناشئة ففيها يتعلمون التدخين واستهلاك المواد المخدرة كما قد يكونون عرضة لحوادث الطرقات وجرائم الاغتصاب و"البراكاجات" والعنف بشتى انواعه... عنف بأنواعه تشير الارقام الى تسجيل 30 ألف حالة عنف بمختلف أنواعه وأصنافه في محيط المؤسسات التربوية وداخلها منها 17 الف حالة عنف مادي ولفظي سنويا. ومنها حوادث عنف خطيرة يمكن تصنيفها بالجريمة. والملفت للنظران هذه الاعتداءات متكررة بمحيط المدرسة. ويعد الكثير منها فظيعا. وقد يهز الراي العام من حين الى آخر لكن دون البحث عن حلول جذرية او الاهتمام بإصلاح الزمن المدرسي او الحرص على توفير قاعات مراجعة ومطالبة التلاميذ بارتيادها قصد حمايتهم من مخاطر الشارع بالإضافة الى تكثيف الحملات الامنية في محيط المؤسسات التربوية. ويأتي هذا التراخي في حماية الناشئة رغم اعتراف مختلف الاطراف من اولياء وتلاميذ ومربين وسياسيين ومجتمع مدني وهياكل رسمية بخطورة ظاهرة العنف والاعتداءات على التلاميذ في محيط المدرسة التونسية التي تحولت في حالات كثيرة الى مسرح للجريمة. ورغم ان وزارة التربية كانت قد اصدرت خلال سنة 2016 مذكرة للمندوبين الجهويين للقضاء على ظاهرة تسكع التلاميذ أمام المؤسسات التربوية دعتهم من خلالها إلى استغلال قاعات المراجعة لاحتضان التلاميذ خلال الساعات الجوفاء بهدف تمكينهم من انجاز واجباتهم تحت إشراف القيمين مع تسجيل الغيابات. كما شدّدت على ضرورة بقاء التلاميذ في قاعة الدرس في حال غياب الأساتذة والإشراف عليهم من قبل قيمين مع تسجيل الغيابات أيضا قصد حمايتهم من مخاطر الشارع الا أننا لا نرى تطبيقا حازما لهذه المذكرة بسبب نقص القيمين والاطار التربوي الذي تشهده جل المؤسسات التربوية وغياب قاعات شاغرة يمكن تحويلها الى قاعات مراجعة ونظرا الى غياب الاجتهاد من المشرفين على المؤسسات التربوية في غالب الاحيان. إذ ّأن شهادات عديدة جمعناها من التلاميذ تؤكد أن بعض المؤسسات التربوية بها قاعات يحرم منها التلاميذ ولا تتم تهيئتها لتكون قاعات مراجعة في حين يتم تخصيصها لتكديس الطاولات القديمة والمحطمة لحمايتها من اشعة الشمس والامطار. وهو ما يدعو وزارة التربية الى مزيد الحرص على تفعيل هذا المنشور وتوفير آليات تطبيقه خاصة ان العديد من المؤسسات التربوية تجد صعوبة في توفير اقسام لتأمين الدروس اليومية. وهو ما يحرم التلاميذ من قاعات مراجعة تحميهم من مخاطر الشارع والمقاهي التي اصبحت تستهويهم اكثر من قاعات الدرس ومنها ما قد يوفر لهم الأنترنات فيقضون فيها جل وقتهم. كما اطلقت نقابات التعليم صيحة فزع مطالبة بإصدار قانون تجريم الاعتداء على المؤسسات التربوية والاطار التربوي وانتهاك حرمة المؤسسة التربوية. نقص التأطير وتظهر الاحصائيات أن نسبة التأطير في الإعدادي والثانوي تبلغ 91 تلميذا لكل قيم وهي نسبة تأطير ضعيفة. وهذا ما يفسر وجود نقص في وجود القيمين وسوء توزيع اطار الاشراف في حين تشير المواصفات الى ان عدد التلاميذ لا يجب ان يتجاوز 60 تلميذا لكل قيم. ويشار الى ان مهام القيمين عديدة فهي تربوية وبيداغوجية واجتماعية وثقافية خاصة بتأطير التلاميذ ومتابعة سلوكهم ومواظبتهم. لكن نقص اطار القيمين بالإضافة الى الساعات الجوفاء ونقص قاعات المراجعة تعد من أهم اسباب تواجد التلاميذ في محيط المدرسة ومنها تعدد حوادث العنف نظرا الى وجود التلاميذ في اوقات طويلة امام المؤسسات التربوية مما يعرضهم الى الاعتداءات بكل اصنافها. ويرجع بعض الاداريين في المؤسسات التربوية وجود التلاميذ في محيط المدرسة بكثافة خلال الساعات الجوفاء وعدم وجود قاعات مراجعة واطار مؤهل للأشراف عليها الى عدة عوامل منها اشكال التشغيل الهش للحراس والقيمين وعدم ادماج الاعوان في الوظائف التي انتدبوا من اجلها مما يؤدى الى تهربّهم من تحمل المسؤولية. ولاحظ عدد من الاولياء الذين تحدثنا اليهم ان نسبة هامة من العنف تمارس في الساعات الجوفاء نظرا الى غياب قاعات المراجعة في العديد من المعاهد. ورغم ان القانون ينص على الاحتفاظ بالتلاميذ داخل قاعات في الساعات الجوفاء وعند غياب المدرسين، الا ان نقص القاعات ونقص القيمين جعلا من الصعب قيام القيمين والمربين بدورهم خاصة امام انتشار ظواهر عديدة منها العنف والمخدرات. عامر الجريدي نائب رئيس منظمة التربية والأسرة ل«الشروق» مخاطر بالجملة تهدّد التلاميذ تعد الساعات الجوفاء خطيرة في حال تسريح التلاميذ خارج أسوار المؤسسة التربوية في ظل تردّي البنية التحتية للمدارس والمعاهد أو عدم وجود قاعات مراجعة تؤويهم خلالها. وهو مثال حالنا في وقت تراجعت فيه المنظومة التربوية عن أدائها المفترض بصفة كبيرة. بل إن الساعات الجوفاء خارج المدرسة تكاد تكون القاعدة الآن التي تيح للتلاميذ وقتا ضائعا على حساب المراجعة والمطالعة والمراقبة البيداغوجية وتمتين التحصيل القِيمي والمعرفي وتطوير المهارات. ويشار الى ان الساعات الجوفاء أصبحت خلال العشريّتيْن الأخيرتيْن على الأقل مناسبة لتعويد عديد التلاميذ على التدخين و"الزطلة" والشغب في الطريق العام والجنوح والعنف والرذيلة. ويزداد الامر تعقيدا مع استقالة العديد من الأولياء في متابعة الحياة الدراسية لأبنائهم وبناتهم وطغيان التواكل على المؤسسة التربوية ودخول الأنترنات وشبكات التواصل الاجتماعي. وبذلك يمكن الجزم بأن هذه الساعات الجوفاء أصبحت تمثل كارثة مجتمعية تزيد في تفسخ الناشئة وفي تقويض أركان المواطنة في التربية والسلوك وفي الفساد المجتمعي. وما شيوع وتواتر الانحرافات التلمذية خارج المؤسسة التربوية وداخلها الا دليل على خطورة الساعات التي يقضيها التلميذ خارج المدرسة دون رقيب ولا حسيب، فضلا عن جعله عرضة للإجرام والاختطاف والنشل والاغتصاب... وعموما لا يمكن القضاء على هذه الآفة دون إصلاح شامل للمنظومة التربوية المبنية على المسؤولية والمواطنة والتربية البيئية وقيمة العمل. وتشمل مثل هذه الرؤية للمنظومة التربوية وللمؤسسة التعليمية المرافق والبنى التحتية الضرورية بما فيها المكتبات وقاعات المراجعة والتأطير المدرسي والنشاط الثقافي والاجتماعي خارج ساعات الدرس وهو رهان الحكومة المقبلة. رضا الزهروني رئيس الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ ل«الشروق»..الساعات الجوفاء ضرب للتعليم عندما نمرّ من أمام مؤسسة تربوية، فإننا نلاحظ في اغلب الاحيان أعدادا كبيرة من أفواج التلاميذ المتواجدين بمحيط المؤسسة، منهم الجالس على كلّ ما هو متوفر بالقرب من المدرسة أو على قارعة الطريق ومنهم المتسكع. كما ان منهم عددا من التلاميذ خاصة في المعاهد الثانوية المنهمكين في استعمال هواتفهم الجوالة ومنهم من يدمن السجائر او يتعاطى مواد مخدرة.. ولا يختلف اثنان على أن مثل هذه الوضعيات تتنافى مع مقتضيات الأمانة التربوية وتمثل آفة تهدد مسار التربية السليمة التي نريدها لأبنائنا وبناتنا بالإضافة إلى ما تمثله من تهديد فعلي على سلامتهم الجسدية والمعنوية وعلى قيمهم الأخلاقية. فنجدهم عرضة إلى حوادث الطرقات والانحراف وضحية لأصحاب النوايا السيئة والمنحرفين أو إلى ممارسة مختلف مظاهر العنف. هذا ولا ننسى أن هذا الزمن الأجوف هو إهدار فعلي للزمن المدرسي لأبنائنا وبناتنا. حيث كان من الضروري الحرص على توظيفه في ما ينفعهم والقيام بأنشطة ثقافية لتدعيم مكتسباتهم المعرفية.