تعيش البلاد خلال الأيام الأخيرة على وقع دعوات ومجهودات حثيثة للعناية بالنظافة والعناية بالبيئة وهي ظاهرة مهمة ومحمودة ولكن يتوجب تحويلها الى سلوك يومي ومنهج تعامل نابع من وعي داخلي . عن قيمة العمل واهميته في الإسلام نفتح ملف هذا الأسبوع . جعل الله جمال المحيط من غايات وجود الإنسان في هذه الحياة، قال تعالى على لسان نبيه صالح: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود: 61]. يقول ابن كثير: "أي جعلكم فيها عُمَّارًا تعمرونها وتستغلونها". كما "قال زيد بن أسلم: استعمركم: أمركم بعمارة ما تحتاجون إليه من بناء مساكن وغرس أشجار. وقيل: ألهمكم عمارتها من الحرث والغرس وحفر الأنهار وغيرها. وقد ارتبط أدنى أشكال الجمال في الطريق بالإيمان في نفوس المسلمين، فلقد جعل رسول الله إماطة الأذى عن الطريق جزءًا من الإيمان، فقال: "الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ، أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً؛ فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ". وإماطة الأذى عن الطريق تعني تنحية وإبعاد كل ما يُؤْذِي؛ من حجر أو شوكٍ أو غيره. وكانت إماطة الأذى تساوي أجر صدقة؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ " : يُمِيطُ الأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ". بل كانت إماطة الأذى مما غفر الله به ذنوب أحد العِباد وأدخله الجنة، وهذا ما أخبر به النبي فقال: "بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ، فَأَخَّرَهُ، فَشَكَرَ اللهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ". وفي رواية ابن ماجه: "كَانَ عَلَى الطَّرِيقِ غُصْنُ شَجَرَةٍ يُؤْذِي النَّاسَ، فَأَمَاطَهَا رَجُلٌ، فَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ" . ونهي النبي عن قضاء الحاجة في الأماكن التي يرتادها الناس، فقال: " اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ. قَالُوا: وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ فِي ظِلِّهِمْ"[11]. والمعنى أن الرجل الذي يقضي حاجته في أماكن يمر بها الناس أو يجلسون فيها يجلب لنفسه اللعن، "قال الإمام أبو سليمان الخطابي: المراد باللاعنيْن الأمريْن الجالبيْن للعن، الحامليْن الناس عليه، والداعييْن إلي" . فإذا كان المكان أشد خصوصية كالمسجد كان الاهتمام به أكبر، إلى حدٍّ قال فيه النبي: " الْبُزَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ، وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا". وقد أمر الإسلام بنظافة البيوت والاعتناء بها، فكان الإسلام يحث على صلاة النوافل في البيت؛ فعن جابر أنه قال: "إِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ الصَّلاةَ فِي مَسْجِدِهِ، فَلْيَجْعَلْ لِبَيْتِهِ نَصِيبًا مِنْ صَلاتِهِ؛ فَإِنَّ اللهَ جَاعِلٌ فِي بَيْتِهِ مِنْ صَلاتِهِ خَيْرًا". وبهذا كانت البيوت مساجد أخرى صغرى، وكان لا بُدَّ من طهارتها كي تصلح للصلاة، وبهذا أمر النبي أُمَّته؛ فعن سمرة بن جندب قال: "أمرنا رسول الله أن نتخذ المساجد في ديارنا، وأمرنا أن ننظفها. كما ان كثرة الأوساخ وتكدسها في غير موضعها المخصص فيها أذية للجيران الساكنين حولها. وقد اوجب الإسلام بين الناس التعاون والإحسان، وحرم الأذى والعدوان، وأقام العلائق بين الخلائق، ورغبهم في الحب والإخاء، والتراحم والوفاء. ولهذا أوصى الإسلام بالجار، فأمر بالإحسان إليه، وأكد حقه وحذر من إيذائه. ومن صور الأذية للجيران الذي قد تغيب عن أذهان بعض الناس أو يتساهلون فيها وهي مرتبطة بمسألة النظافة رمي القمامة في الشوارع في غير أماكنها الخاصة، أو عند بعض البيوت، أو يرميها بجانب برميل القمامة، فتتكاثر الأوساخ وتنبعث الروائح الكريهة مؤذية للجيران حولها وتكثر الحشرات مما يزعج الساكنين ويؤذي العاملين في النظافة الذين يتعبون في جمع هذه المخلفات من هنا وهناك. وإنك لتعجب من بعض الناس يخرج من بيته بقمامته فيسير عشرات الأمتار إلى أن يصل قرب الصندوق المخصص وما بينه وبينه إلا مسافة قصيرة فيرمي بكيسه بعيداً عن البرميل أو بجانبه، ويأتي آخر فيعمل مثله وبعض الناس قد يرسل أطفاله لرمي القمامة، فهؤلاء ينبغي أن يرشدوا أبناءهم إلى وضعها في أماكنها المخصصة، وهذا من التربية السليمة على الفضائل والمحاسن. وإن من صور التواصي بالحق أنك إذا رأيت شخصاً يرمي بفضلاته ومخلفاته في غير موضعها أن تنهاه عن ذلك وتزجره وهذا من تمام الولاية بين المؤمنين: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة: 71].