ألقت المواقف التي أعلن عنها رئيس الجمهورية قيس سعيّد بظلالها على العلاقات الخارجية لبلادنا . وظهر ذلك جليا في بعض التقارير الإعلامية وكذلك في المواقف المعلنة رسميا لعدد من الدول الصديقة . صحيفة « لوموند « الفرنسية اعتبرت منذ أيام في افتتاحيتها أن انتخاب قيس سعيّد على رأس أعلى سلطة في تونس يطرح العديد من الأسئلة، مثل دعوته الى إحداث ثورة مؤسساتية من بينها عكس هرم السلطة في البلاد لصالح المجالس المحلية. بل إن هناك في توجهاته ما يدعو الى الحيرة في ما يتعلق بمواقفه الدينية والأخلاقية المحافظة. كما أنه لا يخفي معارضته لإلغاء تجريم المثلية الجنسية والمساواة بين الرجل والمرأة في الميراث. وأبدت الصحيفة بعض القلق من أفكار قيس سعيّد المستمدة من القومية العربية التي تعتبر أي علاقة مع إسرائيل «خيانة عظمى». وتنبأت الصحيفة بأن هذه المواقف ستؤثر على العلاقة بين تونس وشركائها الأوربيين. وفي سياق مماثل ذكرت صحيفة ال«غارديان» البريطانية أن فوز قيس سعيّد يجعله منعزلا ببلده في ظل آرائه المحافظة بشأن تونس، وسعيه إلى إلغاء النظام البرلماني ومعتقداته ضد المثلية الجنسية وموافقته على قانون الإعدام وتصريحاته بشأن قانون ميراث المرأة. بطء في المواقف الدولية أما على المستوى الرسمي فقد سجل بطء واضح في مواقف البلدان الصديقة التي عودتنا على وضوح مواقفها والمسارعة بتهنئة الرئيس الفائز في الانتخابات خصوصا بعد الثورة. فلئن بادر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الى اجراء مكالمة هاتفية هنأ فيها قيس سعيّد معربا عن رغبته في تعزيز الشراكة بين البلدين، فإن الأمر مع الرئيس الأمريكي كان مختلفا. اذ لم يصدر عنه أي موقف. بل جاءت التهنئة من وزير الخارجية مايك بومبيو، الذي قال إن انتخاب قيس سعيّد رئيسا لتونس شكل «علامة فارقة مهمة على طريق الديمقراطية في البلاد». وزاد قائلا «أهنئ الشعب التونسي الذي مارس حق التصويت الذي ناله بشق الأنفس»، مضيفا أن «الولاياتالمتحدة تتطلع إلى العمل مع الرئيس المنتخب قيس سعيّد لمواصلة التعاون الطويل الأمد بين بلدينا». وقد لاحظ المراقبون أن صيغة التهنئة اختلفت عما تعودته الولاياتالمتحدة من الوضوح والمباشرة. فقد كان الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما قد هنأ الباجي قائد السبسي، بفوزه في الانتخابات الرئاسية. كما هنّأ أيضا الشعب التونسي على نجاحه في إجراء أول انتخابات رئاسية في ظل الدستور الجديد. وفي نفس الاطار هنأ الاتحاد الأوروبي رئيس الجمهورية المنتخب قيس سعيّد على تقلده هذا المنصب الرفيع، مجددا استعداده لمواصلة دعم تونس ومواطنيها في جميع المجالات. وقال مجلس الاتحاد الأوروبي والمفوضية الأوروبية في بيان مشترك « انه وبالنيابة عن الاتحاد الأوروبي، نهنئكم على تنصيبكم بعد انتخابكم بأغلبية كبيرة لرئاسة تونس». ولكن الملاحظة التي تلفت الانتباه هي ما أضافه البيان من حديث عن أن «التحديات على المستوى السياسي والاقتصادي والأمني كبيرة في تونس.وتستوجب أكثر من أي وقت مضى، تنظيم حوار وطني بناء وشامل «. وفي ذلك إشارة الى صعوبة جديدة لم تكن مطروحة في ما قبل. وتتعلق بالشأن السياسي ورؤية الاتحاد الأوروبي لسبل حلها عبر « حوار وطني «. وهو ما يثير التساؤل عن حدود هذه المخاوف وأسبابها خاصة مع إقرار الجميع بسلامة المسار الديمقراطي في البلاد ونجاح الانتخابات الرئاسية والتشريعية. العلاقات الدولية بين تونس والبلدان الصديقة والشقيقة اتسمت على مدى عقود بروح من التعاون والتشارك التي تنبني على الاحترام والتقدير وعدم التدخل في الشؤون الداخلية . ويحتاج الاستمرار في هذا النهج المحافظة على إشاعة أجواء الطمأنينة والوضوح والابتعاد عن كل ما من شأنه إعطاء رسائل خاطئة .