بكل فخر مزعوم، أعلن الرئيس الامريكي دونالد ترامب عن تصفية زعيم تنظيم "داعش" الارهابي أبي بكر البغدادي، معلنا بالتوازي مع ذلك عن عزمه الاستيلاء على النفط السوري لمنع وقوعه مجددا في يد الارهابيين. في الملف السوري كان هدف أمريكا منذ البداية ثروات البلاد بعد إسقاط الدولة. وما حدث الآن ليس الا تبادلا في الأدوار.فبعد أن أتت واشنطن بجحافل الارهابيين ليدمروا سوريا ويسيطروا على ثرواتها، ها هي الآن بعد أن انتهى دورهم، تأخذ مكانهم. ولكن في شكل المخلّص والحامي. ولم يجانب الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف الحقيقة، عندما استشهد بمقولة شهيرة للكاتب الروسي، نيقولاي غوغول، قائلا "أبو بكر البغداي مرة أخرى قتل؟ أتذكر في هذه اللحظة كلمات تاراس بلبا لابنه أندريه: أنا أنجبتك وأنا أقتلك". فقتل البغدادي اختير له وقت مناسب. فمن جهة هو خدمة كبيرة لترامب في الداخل. وهو الذي بدأ يستعد للانتخابات الرئاسية المقبلة والتي يسعى بكل ما أوتي من قوة الى الفوز فيها ونيل ولاية جديدة مع تزايد خطر عزله. ومن جهة أخرى هو تموقع أمريكي جديد في الأزمة السورية التي وصلت الى مراحلها الأخيرة. بمعنى أنه حسب الأمريكان لا يمكن تغييب واشنطن كطرف فاعل في التسوية المقبلة من بوابة الورقة النفطية. ترامب ومن ورائه واشنطن أعلنا اليوم بما لا يدع الى الشكّ أنهما قطاع طرق ولصوص لا يباريهم أحد في ذلك ضاربين بعرض الحائط كل القوانين والمواثيق الدّولية التي تمنع سرقة مقدّرات الشعوب الأخرى. ففي هذه الحالة ما الفرق بين سيطرة تنظيم "داعش" الارهابي على الثروات السورية أو سيطرة واشنطن؟ أليست لصوصية يرتدي فيها الطرف الأول ثوب الارهاب بينما الطرف الثاني ثوب التجبّر والغطرسة والاستعمار؟ كان لافتا للنظرأن الاعلان الأمريكي السابق عن سحب كل القوات من الشمال السوري الى الأراضي العراقية، ليس إلا مراوغة ومناورة وكان الهدف منها اعادة توزيع الأوراق وتجنّب صدام مع القوات السورية. الطرف الروسي تحديدا كان من أول المشككين في هذا الانسحاب وهو العارف بخبايا الألاعيب الأمريكية حتى أنه لا يزال يشكّك أصلا في مقتل زعيم "داعش" الارهابي أبي بكر البغدادي. واشنطن لا تريد فقط من السيطرة على النفط السوري أن يكون موردا اقتصاديا لها ومكافأة لها على محاربة الارهابيين كما قال ترامب، وإنما أن تظل خنجرا في خاصرة سوريا. كما تهدف الى استنزافها وضرب الجهود التي تبذلها الحكومة السورية مع حلفائها لفرض سيادتها على كامل الارض السورية وإعادة الحياة فيها الى سابق عهدها وإنعاش اقتصادها. كل التجارب والحروب الأمريكية السابقة خرجت منها تجرّ أذيال الخيبة، من كوبا الى الفيتنام و افغانستان...اليوم أو غدا سيكون مصيرها مشابها في العراقوسوريا وغيرها من البلدان العربية. ويبدو أن إخراج الأمريكيين أذلاء من الشمال السوري ومن العراق لاحقا سيكون هو بداية صفحة جديدة من تاريخ انحسار المد الأمريكي في الشرق الأوسط الذي ستليه انسحابات من أماكن أخرى.