تونس (الشروق) ينافس المخرج السينمائي سامي التليلي بفيلمه الوثائقي "عالبار"، على التانيت الذهبي للمسابقة الرسمية للأفلام الوثائقية الطويلة ضمن فعاليات الدورة الحالية لأيام قرطاج السينمائية، وسيعرض أيام 30 و31 أكتوبر و01 نوفمبر. تمثل سنة 1978 في الذاكرة الشعبية للتونسييّن ذكرى خالدة للمنتخب الوطني لكرة القدم و "ملحمة الارجنتين"، هذه الاسطورة التي تواردت بين الأجيال ميّزت طفولتي وصاحبها سؤال محيّر ظل بدون اجابة لمدة طويلة: لماذا ترفض أمّي مشاهدة كرة القدم؟ ماذا لو كانت سنة 1978 أكثر من مجرّد قصة كرة قدم؟" بهذه الأسطر اختار المخرج التونسي سامي التليلي تلخيص فيلمه الوثائقي الطويل "عالبار" (والمقصود باللغة العربية بهذا العنوان "على العارضة")، فيلم يشارك به صاحبه ضمن المسابقة الرسمية للأفلام الوثائقية الطويلة ضمن فعاليات الدورة 30 لأيام قرطاج السينمائية وسيكون في قاعات السينما انطلاقا من يوم 3 نوفمبر المقبل. الفيلم كان منطلقه ذاتيا، حيث لاحظ المخرج أن أمه ورغم معايشتها لتلك "الملحمة الرياضية" فإنها لم تتابعها ولم تتفرج في أي من المقابلات، وبتتبع مسيرة الوالدة تبيّن أن مباريات كرة القدم ليست إلا واجهة استغلها النظام الحاكم آنذاك لتغطية أحداث دموية فيما عرف لاحقا بالخميس الأسود وتحديدا يوم 26 جانفي 1978. يربط الفيلم بين ثلاثية السلطة والنقابة والرياضة التي جمعت بين الطرفين الأولين وأنستهما لبعض الوقت صراعهما حيث يروي المعارض فتحي بالحاج يحي كيف أن السجّان يأتي ليشاهد معهم مقابلات المنتخب الوطني التونسي داخل الزنزانة كأنه واحد منهم ليعود بعد ذلك إلى مهامه وتنكيله بهم. الفيلم ليس فقط عملا فنيا محضا ولكنه أيضا وثيقة تاريخية هامة تفكك ملامح تلك الحقبة المفصلية في تاريخ تونس عبر شهادات ثرية من أطراف إما كانوا متابعين أو فاعلين في المشهد، شهادات من الباجي قائد السبسي وجيلبار نقّاش ومحمد الناصر والطيب البكوش واللاعب خالد القاسمي وغيرهم، كلها كانت تقدم للمشاهد وقائع تلك المرحلة من زوايا ووجهات نظر مختلفة، حتى إذا جمعتها وتمحّصت فيها أمكن لك لاحقا فهم الكثير عن تاريخ البلاد. فقد اتصفت الأوضاع الاجتماعية والسياسية أواخر السبعينات بالتدهور الذي بلغ ذروته عند انفجار الأزمة بين الاتحاد العام التونسي للشغل وحكومة الهادي نويرة، وقد بدأت ملامح فك الارتباط بين منظمة الشغالين والحزب الاشتراكي الدستوري وقد تُوِّج هذا المسار باستقالة الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل الحبيب عاشور من اللجنة المركزية والديوان السياسي للحزب الاشتراكي الدستوري وهو ما كان حاسما في العلاقة بين الطرفين وإيذانا بالحرب بينهما، حرب أودت بحياة عشرات (رواية الدولة) ومئات (رواية تقارير مستقلة) فضلا عن العدد الكبير للمعتقلين، وهو ملف لم يتم البت فيه إلى حد الآن ما ترك جراحا غائرة مفتوحة لم تندمل إلى حد اللحظة. ورغم أن الفيلم وثائقي إلا أنه، بدا مكتوبا بحرفية عالية من صاحبه، الذي أخذ وقته ورتب كل المعطيات والوثائق المتوفرة لينسج عملا فنيا بعيدا عن التعقيد، سمته السلاسة، منطلقا من مشاركة منتخب 78 في كأس العالم بالأرجنتين، منطلق كروي لفترة سياسية ونقابية واقتصادية واجتماعية هامة جدا في تاريخ تونس.