على مدى سنوات طويلة انتج الدكتور محمد البدوي وقدّم برنامجا ادبيا يعنى بتقديم الاصوات الجديدة على امواج اذاعة المنستير وتقديم الاصدارات الجديدة متنقلا بين ملتقيات الادب ومهرجانته. الزمن غير الزمن، وخاصة الزمن الادبي والثقافي ذلك ما يؤكده الدكتور محمد البدوي الذي كان فاعلا في الجامعة والاذاعة والوسط الادبي قبل ان يختار الانسحاب ويتفرغ لوحدته حسب تعبيره. تونس (الشروق) «الشروق» التقته في هذا الحوار: لماذا انسحب؟ كيف يرى المشهد الادبي اليوم ؟ اين اختفى محمد البدوي ؟ لم نعد نراك في اللقاءات والندوات والملتقيات . هل هو غياب ام تغييب؟ اقامتي الطبيعية بين المنستير ومدينتي طبلبة التي اعددت فيها منزلا ريفيا ونقلت اليه جزءا من مكتبتي، ولقد بقيت بالعاصمة سنتين بعد انتهاء عهدتي في رئاسة اتحاد الكتاب، تحمَّلت فيها رتابة الايام، وطاحونة التفاصيل اليومية المكرّرة، وغياب حياة ثقافية دؤوبة، فلم انتصر على هذه الرتابة الا ببعض الاسفار خارج البلاد، ثم قرّ قراري على ان اعود الى بيتي الطبيعي واعيش وحدتي بعد استقرار الاولاد في فرنسا وامريكا. لا شيء يشغلني غير القراءة والكتابة، وبعض امور النشر التي تقلّصت بعد رحيل الشاعرة نجاة المازني شريكتي في دار البدوي للنشر. وتعمّقت الوحدة بعد انسحابي من اذاعة المنستير التي نشطتُ فيها اكثر من 35 سنة ، وكم يبدو ممتعا ان لا تكون لك التزامات مع احد، وتتفرغ لقلمك، وقد اثمرت هذه المرحلة عددا من الاعمال : نصيبي من الاربعين (سيرة اذاعية وقراءة في علاقة المثقف بالاعلام المسموع) مدن في الذاكرة (عودة الى المدن التي زرتها وشدّتني) مقهى الاسوار (ثلاثون سنة من حياة مقهى بكل ما فيها من ذكريات وتفاصيل) خضت تجربة الانتاج الاذاعي والادبي طيلة سنوات ماذا اضافت اليك ؟ مثلت التجربة الاذاعية محطة هامة في مسيرتي لا تقل عن مسيرة المعهد والجامعة، وقد امتدّت على اكثر من ثلاثين سنة تواصلت خلالها مع الساحة الادبية والثقافية في كل ربوع البلاد، فلا اترك ندوة او مهرجانا ثقافيا في توزر او قابس او بنزرت او صفاقس او القصرين والقيروان ونابل والعاصمة لا انتقل اليه لانقل برامجي على الهواء مباشرة واسجّل لعدد من الشعراء والادباء، مقابل ملاليم لا تكفي احيانا مصاريف الرحلة، ومكّنني هذا من متابعة مخاض الساحة الادبية والثقافية التي كانت تغلي بعديد الاصوات والتجارب. ومكّنني وجودي في كليتي الآداب بالقيروان وسوسة من استقطاب مختلف الاصوات الشبابية التي كانت تبشر بتجارب محترمة وقد استفاد الطلبة من وجود اساتذة شعراء وادباء مثل منصف الوهابيي ومحمد الغزي وصلاح الدين بوجاه وخالد الوغلاني وفرج الحوار وآخرين،،، وكان لهذا الجيل لهفة لمعانقة المصدح واسماع اصواتهم في الآفاق وكان الطلبة والطالبات ياتون للمشاركة في واحة المبدعين من سوسة والقيروان والعاصمة وقد يقيمون عندي احيانا وكانت زوجتي رحمها الله تحسن وفادة هؤلاء الحالمين بامجاد ادبية، وقد نجح الكثير منهم في ان يكونوا اعلام الساحة الادبية اليوم، ولقد سجّلتُ هذه المرحلة في كتابي ( نصيبي من الاربعين) وهو قصتي مع اذاعة المنستير في عيدها الاربعين. اما اليوم فقد تغيرت امور كثيرة، فالشباب الذي كان يهفو لسماع صوته في الاذاعة وجد ضالته في الوسائط المتعددة، وعوّض الفيس بوك عديد البرامج بما يوفّره من سرعة الانتشار وحضور الصورة والشريط وعلامات الاعجاب وعبارات المودة الجاهزة، التي تغذي نرجسية الباث، اكثر مما تغذيها الملاحظات النقدية التي كنت اسوقها عن بعض النصوص، لذا تناسل شعراء الفيس بوك اليوم واختلط الحابل بالنابل، وكثيرا ما لا يقرا المتقبل كامل النصوص في الفيس نظرا لدقّة الخط، ولتعدّد المشاغل، وغالبا ما تكون التعليقات اطلاقية جاهزة وممجوجة وعامّة لا تتقدم بالتجربة، اما الكتابة القصصية فحظها لا يرقى الى حظ النوادر القصيرة. ان الاذاعة رغم كل مظاهر التطور تبقى مهمّة وتحتاج الى تطوير خطابها بتجديد اساليب الخطاب ومحتواه. ولا يغيب عن اذهاننا انّ الاذاعات التونسية كانت تقوم اساسا على المتعاونين الخارجيين من رجال الاختصاص في كل الميادين الثقافية والرياضية والاقتصادية الخ،،، لكن رياح الثورة والحراك النقابي مكّنا مختلف المراسلين مهما كانت مساهماتهم من ان يصبحوا موظفين مرسّمين وصارت الميزانية لا تكفي الاّ لخلاص هؤلاء، وهم لم ينجحوا في تقديم ما كان يقدمه المتعاونون الخارجيون الذين كانت تحرّكهم المنافسة والحماسة والرغبة في التميز كلّ في مجال اختصاصه، وليس منطق الوظيفة والساعات الاضافية، لذا فضلت الانسحاب والتفرغ لتقديم الاضافة في المكتوب بعد ان اخذ مني المسموع سنين عديدة من عمري دونتها في ( نصيبي من الاربعين) عايشت اجيالا من الكتّاب منذ السبعينات الى اليوم، كيف تحدد اجيال الادب التونسي؟ قد نحتاج مسافة زمنية كافية لتحقيق تراكم ابداعي يمكّن من الفصل بين الاجيال. وليس ثمة ايسر من اعتماد التقسيم الزمني حسب العشريات فنتحدّث عن جيل الثمانينات والتسعينات الخ... وهي طريقة بسيطة ساذجة لان عمر الجيل الواحد يتجاوز العشر سنوات، ولا يمكن لمرحلة زمنية، قصيرة كانت ام طويلة ان توحّد الابداع، لذا يكون من الصالح ان نتحدث عن اتجاهات ومدارس تتجاوز حدود الزمن وتجعل ابناء المدرسة الواحدة يشتركون في خصائص معينة وان تباعدوا في الزمان والمكان. وامام تقارب التجارب في الاقطار العربية . ان التقسيم الى اجيال نحتاج الى استبداله بتقسيم آخر يقوم على مقاييس قد تتعلّق بالمضامين او الاساليب، ولا يستقيم هذا الا بوجود حركة نقدية جادّة تتابع المشهد وايقاعه، والجامعة في وضعها الحالي لا تقوم بهذه الوظيفة لانها لا تهتمّ الا بما تكرّس واستقرّ، ونحتاج الى مبادرات فردية او ربما جماعية في قادم الايام حتى يصبح النقد رافدا للابداع. الاصوات النسائية اصبحت ظاهرة بارزة في الادب التونسي، كيف تقيّمها ؟ بما ان نمط الحياة في البلدان العربية عموما وفي تونس بالخصوص قد شهد تطورا كبيرا وعرف تغييرات جوهرية مسّت البنية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وفازت المراة بحريتها، واكتسبت حقوقا لم تكن موجودة ودخلت المدارس والجامعات باعداد فاقت اعداد الذكور وتابعت نفس البرامج التعليمية وهي اليوم تسمع وتشاهد نفس البرامج الاذاعية والتلفزية، فطبيعي ان يكون للمراة نفس الحضور تقريبا على الساحة الابداعية وهو في تزايد، ولهذا نشا ما تميز في البداية على انه ادب المراة وهو تقسيم اجرائي لا غير لانه لا يكاد يختلف عن بقية الاعمال الادبية التي تمتح من نفس الذاكرة ونفس المراجع. غير انّ بعض التجارب تتميز عن غيرها بوَعي دقيق بقضايا المراة وهمومها واحلامها التي تختلف فيها عن الرجل وهي نصوص مؤنثة لها مميزات خاصة ليست عامّة عند كل النساء الكاتبات وتبقى اعمالا متفرّدة جديرة بكل الاهتمام. وفيما عدا هذا تتشابه الابداعات ونادرة هي الاعمال المتفردة ببصماتها خاصّة. الدكتور محمد البدوي في سطور من مواليد مدينة طبلبة استاذ في كليتي الآداب بالقيروان وسوسة قبل احالته على التقاعد من اعماله مصادر ادب الطفل احفاد شهرزاد الخ... منتج اذاعي في اذاعة المنستير تولى رئاسة اتحاد الكتاب التونسيين اسس دار نشر رفقة الشاعرة الراحلة نجاة المازني