1 لما وصلني العدد الأخير من المسار لم أستغرب أن يكون النص الشعري الأول فيها لعبد العزيز الهمامي اعتبارا لمعرفتي بأن هذا الإعلامي الجهوي القيرواني العريق ولج الى الساحة من باب الشعر وله مساهمات شعرية عديدة إضافة الى مساهماته القديمة في الفعل الثقافي وهو واحد ممن خسرهم الأدب وأهداهم الى الصحافة فابتلعتهم وحشرتهم في أركانها الضيقة وقيودها وقلقها. صدور القصيدة في المسار أحالني الى مساهمات شعرية أخرى نشرت هذه الأيام لعبد العزيز وحرك في داخلي بعض الخواطر والكلمات... أولها ما تعلق بالقصيدة التي بدت مسبوكة وعميقة ومن نوع شعري نادر في ساحتنا الأدبية وأعتقد أن في هذه القصيدة ما يمكن أن يجعلها حدثا شعريا. 2 تصفع القصيدة من يتهكم على لغة الصحافة ويعتبر أن الممارسة الصحفية تدمر اللغة الأدبية فهذا الرجل الذي قضى السنوات الطويلة في القفص الصحفي اليومي الجهوي بما فيها من رتابة ومحدودية وتكرار أنتج نصا تميز بلغة ذكية وعتيقة وبدلالات عميقة. 3 يتحدث الشاعر عن الأوائل الذين صنعوا المجد وتضحياتهم. «فهم على الأرض بعض من زخارفها وهم أريج الصبح حين ينسكب هم اطعموا الكون أزهارا وفاكهة لكنهم كوميض البرق قد ذهبوا» ويتخلص الشاعر الى حالة من الحزن والألم تتمحور حول أبعاد شخصية وعامة. «فكيف أخفي جراحاتي إذا نزفت وهل سيجدي كلامي حين اقتضب» ويمضي الشاعر الى حالة من الاغتراب والضياع «اليوم تقطع قفرا لست تعرفه في أول الدرب لا أهل ولا نسب هذا جبينك يندي بيننا خجلا الوجه منخطف والليل مكتئب تاهت بحاري ولم تهدا شواطئها والموج يصبح أحلى حين يضطرب» ولكن الشاعر يطلق باب الأمل في نهاية المطاف «برج الحمام على أطراف نافذتي. ومن مشارف بيتي تطلع الشهب ذاك النخيل إذ طالت ذوائبه فسوف نرتكب العشق الذي ارتكبوا» 4 لا أحد يستطيع أن يمسك لجام السنوات التي تعدو بسرعة وفوضى مطلقة.... عرفت عبد العزيز كما عرفه الجميع... زمن كان المراسل الإذاعي أو التلفزي أو الصحفي نجما لمجرد انتمائه الى الفضاء الإعلامي المناسب.... كان مراسل الإذاعة الذي يحدثنا من القيروان وكنت أنصت خصوصا الى مراسلاته لإذاعة المنستير... ومرت الأيام والسنوات وولجت عالم الجرائد بمراسلات من معهد عقبة بن نافع بالمنصورة ثم من القيروان وكنت أنذاك في السنة السادسة ثانوي وكانت هذه المراسلات الأولى ساخنة ومثيرة للضجيج وهو ما يذكره زملاء وأساتذة تلك الفترة. ..... في تلك الظروف المشحونة بالغربة والأحلام والأوهام وإندفاع الشباب أبلغتني نضار التي كانت تدرس معي أن والدها عبد العزيز يقرأ لي ما أكتبه وهو يبلغني السلام... (وكانت نضار هذه واحدة من عدد قليل اختار دراسة الآداب بتحد) 5 فرحت بهذا السلام فرحة البدايات وأرسلت مع نضار رسالة الى والدها وجاءني الرد المشجع ثم تعرفت على الرجل مباشرة ووجدت منه التشجيع من ذلك أنه في سنة الباكالوريا كان يوجه لي الدعوة ككل اعلاميي الجهة لحضور منتدى الفكر التنموي الذي يشرف عليه من خلال نادي الصحافة بالقيروان... ورغم الصعوبات ورغم العناصر القليلة التي اختلفت معها وحاولت مضايقتي تمكنت من النشاط بكل حرية ومغامرة وخضت تجارب مهمة كمراسل من القيروان وكان عبد العزيز من الوجوه التي لم تقف حجر عثرة في وجهي بل شجعني بما استطاع.... 6 أتذكر دوما أني استطعت النشاط في القيروان رغم عدم انتمائي لها ورغم ظروفي كتلميذ ثم كطالب ولكن في سيدي بوزيد تغيرت أشياء كثيرة ومررت بمراحل مختلفة... صارت الكتابة «أوكسيجينا» ووجدت عراقيل جمة وبدأت أهجر الصحافة مكرها ومتألما في نفس الوقت... 7 خطرت لي هذه الأفكار وأنا أقرأ القصيدة البائية التي أهداها الشاعر الى القيروان وعنوانها بالأوائل وهي قصيدة نالت اعجابي الشخصي والذاتي وذكرتني بالبدايات وبهذا الوجه الثقافي والاعلامي الذي ظل ثابتا في القيروان ومواكبا لها.