خلّف عدم استدعاء تونس البلد الجار لليبيا، والمتأثّر بكل ما يحدث فيها، لحضور مؤتمر برلين حول الأزمة الليبية عديد التساؤلات والتخوّفات من إقصائها وخروجها صفر اليدين رغم ما قدّمته وتقدّمه منذ بداية الأزمة... فلماذا غيّبت تونس عن هذا المؤتمر ؟ وهل سيكون هناك تأثير على دورها مستقبلا في حل الأزمة الليبية؟ تونس(الشروق) تحشد ألمانيا منذ فترة لعقد مؤتمر حول ليبيا، مُركّزة على مجموعة الدول الصناعية السبع والدول الأخرى (العربية والأوروبية) المعنية بإنهاء الأزمة الليبية. غير أن الألمان لا يُعاملون جميع الأطراف على قدم المساواة، إذ أنهم يعتزمون دعوة الدول الكبرى إلى مؤتمر برلين متجاهلين دول الجوار، التي تعتبر الأقرب إلى الملف الليبي والأكثر تضررا من استمرار الحرب الأهلية فيها. ومثّل غياب تونس عن هذا المؤتمر نقطة الاستفهام الأكبر وهي التي تصدرت من تحملوا وزر الأزمة الليبية وكانت خير سند ومضيف ومساند كما وقفت على الحياد داعية في كل مرة الليبيين الى بناء وطن يتسع للجميع. وحول هذا التساؤل قال وزير الخارجية الاسبق أحمد ونيس، في تصريح ل»الشروق»، إن تونس ومنذ علمها باعتزام المانيا عقد مؤتمر حول ليبيا مستثنية تونس من الحضور، عبرت عن احتجاجها ورفضها لهذا الأمر. وأضاف ونيّس أنه في هذا الصدد قام وزير الخارجية المقال خميّس الجهيناوي بدور كبير بالإضافة الى سفير تونس في برلين، عبر الضغط على ألمانيا للحصول على توضيحات شافية وللتع بير عن قلق تونس من اقصائها عن هذا الحدث المهم . وأكد ونيّس أن هذا الموقف هو ما جعل وزير خارجية المانيا هايكو ماس يأتي الى تونس لتقديم أسباب تغييب تونس عن هذا المؤتمر حيث فسّر الوزير أن المؤتمر لا يتعلّق بالتسوية في ليبيا التي تستدعي حضور دول الجوار وإنما بالشق الذي يهم أوروبا فقط حيث أصبحت أزمة ليبيا ورقة تستغلها أطراف اقليمية ودولية للضغط على أوروبا على حد وصفه. واضاف ماس ان المؤتمر سيبحث عواقب تواصل الأزمة الليبية على أمن أوروبا و ليس بحث الحل السياسي للأزمة، بمعنى أنه شأن أورو أوروبي ستتضح فيه رؤى ومواقع الأطراف المجتمعة في هذا الملف. لكن ونيّس نبّه الى ضرورة متابعة الأمر وحرص الدبلوماسية التونسية على النزول بكل ثقلها لجعل تونس لها دور مهم وعنصر فاعل في اي تسوية للأزمة الليبية وبالتالي جني ثمار ما بعد التسوية الجزائر ايضا مغيّبة وعن تغييب الجزائر التي لها أيضا دور كبير في حل الأزمة الليبية ومتأثرة بالأوضاع فيها ايجابا او سلبا، قلّل أستاذ العلوم السياسية الجزائري سليمان أعراج في تصريح ل»الشروق» من أهمية الحديث عن تهميش دول جوار ليبيا من الحضور في مؤتمر برلين، خصوصا الجزائروتونس، واعتبره قصورا في فهم واقع الأزمة الليبية وتقصيرا في التصور والإرادة التي يعكسها تنظيم هذا المؤتمر. كما أنه سيتضمن تأكيدا للاعتماد على الأموال في توجيه دفة الاستقرار في ليبيا وهو ما اعتبره مشروع فشل مسبق. ويعتقد «أعراج» ان المؤتمر ينطلق من منطق فرض تصور للحل وليس المساعدة على إيجاد حل، وهو ما سيؤثر على مخرجات المؤتمر خصوصا وأن الليبيين أنفسهم سيكونون مغيبين. واضاف أعراج أن هذا الأمر سيواجه برفض ليبي نتيجة غياب فهم مرجعية وأهداف المؤتمر . المؤتمر مقتصر على القوى الدولية من جهته قال الكاتب والباحث السياسي الليبي كامل المرعاش في تصريح ل«الشروق» أن تغييب تونسوالجزائر عن المؤتمر يأتي على خلفية دورهم غير المؤثر في الدعم العسكري والمادي والسياسي لطرفي النزاع. وأوضح المرعاش أن دولا مثل مصر والامارات مثلا يقدمون دعما عسكريا ولوجستيا مؤثرا للجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر يقابله نفس الدعم وأكثر من تركيا وقطر لحكومة السراج، بينما تكتفي تونسوالجزائر بالحياد في أغلب الأحيان وتقتصر أدوارهم على دعم سياسي واعلامي بسيط، وبالتالي فإن غياب الدور الميداني الفاعل سينتج عنه غياب لدور هام في فرض حل معيّن. ورغم ذلك أكد المرعاش أن تونس لن تكون مغيّبة عن أي تسوية يمكنها ايصال الأزمة الليبية الى برّ الامان معتبرا ان تونس ستكون أكبر مستفيد أمنيا واقتصاديا من حل الأزمة الليبية. من جهة اخرى شكّك المرعاش في انعقاد المؤتمر اصلا مرجعا ذلك لتضارب المواقف الاقليمية والدولية بالإضافة الى الخلافات الاوروبية- الاوروبية والاوروبية- الأمريكية. الملاحظ أن الأغرب من ذلك أن الليبيين أنفسهم، أصحاب القضية، ربما لن يُدعوا للمؤتمر، المخصص أصلا لحل أزمتهم وهذا يدل على أن الدول الكبرى التي تتصارع على النفوذ في ليبيا منذ أكثر من عشر سنوات، تريد تصفية الحسابات القديمة والجديدة بينها أولا، لتنتقل لاحقا إلى تنفيذ خريطة طريق جديدة، إذا ما توصلت إلى صيغة لتقاسم الكعكة تُرضيها جميعا، وهو ما أكده غسان سلامة في تصريحاته الأخيرة، التي أوضح فيها إن المؤتمر «سيركز في الأساس على ترميم موقف الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن من الأزمة وهذا ما يفسّر تحديدا عجز مجلس الأمن عن القيام بأي دور نتيجة لتضارب المصالح والمطامع بين الدول الكبرى، التي يقف بعضها خلف حكومة الوفاق في طرابلس، فيما يدعم بعضها الآخر القوات التي يقودها المشير حفتر. وفي العموم، يبدو أن ألمانيا تريد من هذا المؤتمر ترسيم موطئ قدم لها في الملف الليبي كلاعب اساسي والنجاح فيما فشلت فيه ربما فرنساوايطاليا، وهو ما سيمنحها عودة قوية للساحة الدولية بعد أن كانت حبيسة الفكرة التقليدية كقوة اقتصادية وصناعية لكن غير مؤثرة خارجيا. ويرى متابعون أن ألمانيا بمكانتها القوية داخل البيت الاوروبي وبإرثها غير الاستعماري في شمال افريقيا وعدم تدخلها في الأزمة الليبية منذ الاطاحة بالعقيد الراحل معمر القذافي، قد تنجح في لم شمل الفرقاء الدوليين والاقليميين حول رؤية واحدة للأزمة الليبية. لا غنى عن تونسوالجزائر لم يثر تغييب دول جوار ليبيا عن مؤتمر برلين المزمع عقده الاسابيع المقبلة ممثلي هذه الدول فحسب بل دخلت ايطاليا على الخط أيضا معتبرة ان تغييبهم يعد فرصة ضائعة ولا غنى عنهم في أي تسوية. واستنكر لويدجي دي مايو وزير الخارجية الإيطالي على هامش جلسة سماع بمجلس الشيوخ عدم توجيه الدعوة لكل من تونسوالجزائر للمشاركة في مؤتمر برلين بخصوص دولة ليبيا. ووصف دي مايو غياب جارتي ليبيا المؤثرتين في إشارة إلى تونسوالجزائر بالفرصة الضائعة، لأنه لا يمكن فهم الملف الليبي دون إشراك التونسيينوالجزائريين العارفين بخبايا الأوضاع في ليبيا ولهم دراية كافية فيما يتعلق بالإرهاب، مستدلا في هذا الإطار بأن غالبية المهاجرين غير الشرعيين الذين يصلون إلى سواحل إيطاليا ينطلقون من السواحل التونسي. وفي المحصلة يبدو أن مؤتمر برلين هو شأن أورو- أوروبي لترتيب البيت الداخلي وانهاء الصراع حول التعامل مع هذا الملف أولا وإعطاء فرصة جديدة لطرف جديد في الأزمة الليبية وهي ألمانيا ثانيا والتي تعتبر قائدة المحور الغربي بقوتها الاقتصادية وقد تلعب دورا كبيرا في «ترويض» الأطراف الاقليمية البارزة المتداخلة في الشأن الليبي والتي تعطل لحد الآن من منطلق مصالح داخلية واقليمية أي فرص للحل.