من وحل الميدان الى نزل العواصم الفاخرة، يزداد الصراع الليبي داخليا وخارجيا ضراوة يوما بعد يوم في تماه تام، يكون فيه أزيز الرصاص بين الاخوة الليبيين، مواز لمعركة كسر عظام بين القوى الكبرى على اقتسام كعكعة هذا البلد. في حين تعلن إدارة «مطار معيتيقة الدولي» في العاصمة الليبية إغلاق المجال الجوي بشكل مؤقت في مطار «مصراتة الدولي» جراء قصف جوي، وهو المطار المدني الوحيد الذي يعمل في العاصمة الليبية حاليا. تسارع ألمانيا الزمن والحلفاء والخصوم على حد سواء، للانفراد بالملف الليبي والدخول على خط لعبة الأمم الضارية على هذا البلد الغني الذي لولا ثرواته لكان آخر اهتمامات الديمقراطيات الأوروبية. ومن منطق الجلوس بموقع القوة على اي كرسي للتفاوض، يخوض الليبيون فيما بينهم ودون ارادتهم يوميا معارك ضارية تلبي رغبة داعميهم في نيل نصر استراتيجي يتزامن مع أي مبادرة للسلام. وما أشعل المواجهات في ليبيا هذه الايام ورفع وتيرتها، هو عزم برلين على احتضان مؤتمر لا يزال غامض العناوين والمفاهيم والاطراف الحاضرة فيه، ولم يفهم منه سوى أنه مؤتمر ل«اسياد الغابة». إذن هي حرب تموقع تحركها القوى الكبرى وصراع شائك عابر للحدود يتواجه فيه كبار اللعبة عبر وكلائهم الاقليميين الذين يوكلون بدورهم الأمر الى الاطراف المتصارعة في الداخل الليبي. ومع كل يوم يزداد الملف الليبي تشعبا وتعقيدا ويزداد معه الصراع على المستوى الدولي ضراوة وتختلف فيه وجهات النظر الاورو-الاوروبية والاورو–الأمريكية حتى بخصوص حل هذا الملف. وفي هذا كله تغيب عن المشهد الأطراف الحقيقية للأزمة ألا وهي الشعب الليبي المغلوب على أمره ودول الجوار التي اكتوت أمنيا واقتصاديا بهذا الصراع المكلف الذي أرهق وضعها المرهق أصلا. لذلك لم يحسب مؤتمر برلين المزمع عقده الأسابيع المقبلة أي حساب لهذه الأطراف بل تركها على الرف وحصر دورها فقط في تنفيذ ما سيتفق عليه أرباب الحروب والأزمات والمأساة. الملاحظ أن الأزمة الليبية عرّت وبشكل نهائي نفاق المجتمع الدولي واساسا الغربي منه الذي ما فتئ يصدّر الديمقراطيات المفخخة والقيم التي لا يخرج من عباءتها الا التنظيمات الارهابية والتقسيم والطائفية. بينما لا يكون نصيب الشعوب الحرة التي تطمح حقا للتغيير، سوى القتل والتشرّد والعودة الى نمط حياة المخيمات واستجداء الاعانات ولقمة العيش الذي يتكرّم بها المجتمع الغربي. ليبيا اليوم أصبحت مسرحا لصراع عابر للحدود تريد فيه ألمانيا من مؤتمر برلين أن تكون لاعبا أساسيا في السياسة الدولية يرفد قوتها الاقتصادية والصناعية التي لطالما اكتفت بها. وبين الصراع الاورو- الاوروبي على قيادة الملف الليبي والأخذ بزمام الحل والتسوية، لايزال اللّيبيون يدفعون الثمن باهظا وسط أجواء يرون فيها الحل مفقودا ولا صوت يعلو فوق صوت الرصاص.