اليوم اختبار آخر لمدى توفر الانضباط الحزبي.. من المفترض أن يصوت كل نائب اليوم وفق ما قرره حزبه أو ائتلافه لا حسب تقديره الشخصي وما تقتضيه مصلحته الشخصية ولكن هل ما زال اليوم معنى للانضباط الحزبي. تونس الشروق: «ينبغي على أعضاء الحزب الالتزام بمبادئ الحزب والتحلي بقيمه والانضباط لقراراته»... هذه الإلزامية الواردة في مفتتح الفصل 13 من نظام حركة النهضة الأساسي تبدو نقطة فاصلة بين الانتماء للحركة وعدم الانتماء لها أي أنه لا يمكن الجمع بين عضوية الحزب وبين عدم الانضباط لقراراته وهذا هو المبدأ في العمل الحزبي إذ من المفترض أن يكون المتحزب عموما والنائب خصوصا منضبطا تجاه حزبه كساعة سويسرية أو كجندي وطني. لكن ما نعيشه منذ سنوات بعيد كل البعد عن الانضباط الحزبي فقد عاينا تصويت قياديين من تحيا تونس لعبد الكريم الزبيدي في الرئاسية بدل رئيس الحزب ومرشحه يوسف الشاهد، كما عشنا تصويت ندائيين لمرشحة النهضة في انتخاب رئيس بلدية باردو السنة الماضية… ولكن لماذا يصوت المتحزب ضد حزبه؟. حسب نوعية الحزب ترتبط الإجابة بنوعية العلاقة التي تربط المتحزب بحزبه، فإذا كان الحزب مؤسسا على أرضية فكرية صلبة وأهداف جماعية دائمة وبرامج واضحة وممارسة حقيقية للديمقراطية بات المتحزب تابعا لحزبه إلى درجة الذوبان، وأصبح مثله مثل الجندي الوطني المستعد للتضحية بنفسه ومكاسبه ومصالحه من أجل وطنه. أما إذا كان الحزب مشيدا على أهداف قصيرة المدى (مثل الفوز بالانتخابات) دون أن تكون له برامج طويلة المدى أو مرجعية أو أرضية أو أسس أو مبادئ فإن رابطة المتحزب بحزبه تتحلل بمجرد تحقيق الهدف أو ضياع الفرصة نهائيا لتحقيقه… فتتجه الأولوية المطلقة نحو تحقيق المصالح الشخصية ولو على حساب الحزب. لهذا تفتت حزب المؤتمر وانفجر حزب النداء وازدهرت السياحة البرلمانية والحزبية ولم يجد البعض حرجا ولا مانعا في الطواف بين ثلاثة أحزاب إن لم يكن أكثر… ولكن هل يعني هذا أن الانضباط الحزبي مضمون داخل الأحزاب المؤدلجة؟. لأسباب مبدئية لم يعد المشهد السياسي التونسي يتسع للأيديولوجيا والأرضيات الفكرية جراء ازدهار الشعبوية، وإذا استثنينا في مجلس نواب الشعب القادم حركة النهضة وحركة الشعب وبدرجة أقل التيار الديمقراطي فسنجد مجموعة من الأحزاب والائتلافات الحديثة وغير المتجذرة وغير المحكومة بالأرضيات الصلبة ما يعني سهولة انقطاع أبنائها عنها وتوجههم إلى غيرها بحثا عن المصلحة الشخصية. لكن من المبالغة القول إن الانضباط مضمون داخل النهضة وحركة الشعب والتيار الديمقراطي وأحزاب الجبهة الشعبية قبل انقسامها وغيرها من الأحزاب والائتلافات… فمع وجود الرابطة القوية بين هذه الأحزاب من ناحية وأبنائها من ناحية أخرى، توجد أيضا الخلافات الداخلية حيث يجد المتحزب نفسه مجبرا على خيارات لا يرتضيها لأسباب مبدئية فيقرر أحيانا التضحية بالانضباط الحزبي احتراما لمبادئه وقناعاته وليس بحثا عن المصلحة الشخصية. في حركة النهضة التي يضرب بها المثل وطنيا في الانضباط لم يصوت العديد من النهضويين لمرشح الحركة للرئاسية عبد الفتاح مورو، وقبلها لم يصوتوا للراحل الباجي قايد السبسي في تنافسه مع سلفه منصف المرزوقي على رئاسة الجمهورية، وقد نجد اليوم من نوابها من يمتنع عن التصويت للغنوشي في انتخابات رئاسة مجلس النواب وهذا ليس خيانة ولا كرها في الحركة بل لقناعة شخصية بأن الغنوشي لا يصلح لرئاسة المجلس. بالقياس يمكن لقناعات بقية النواب والمتحزبين عموما أن تصطدم مع حسابات أحزابهم وتكتيكاتها وأهدافها فيصوتون ضدها كما قد يحدث مثلا لائتلاف الكرامة لو قبل سيف الدين مخلوف بمشاركة قلب تونس في حكومة واحدة، أو تنازلت حركة الشعب عن شروطها مقابل مشاركة النهضة في حكومتها... لا يمكن اليوم الحديث عن انضباط حزبي في المطلق بل عن انضباط مشروط بتوفر المصلحة الشخصية أو عدم التضارب مع القناعات. ولكن من نحاسب في هذا كله؟ هل نحاسب المتحزب على تمسكه بمبادئه أم الحزب على تكتيكاته؟ الرأي عندنا أن نحاسب المتحزب لأنه يملك الخيار فإما أن يضحي بمبادئه احتراما لحزبه وإما أن يستقيل من حزبه احتراما لمبائه بدل الانتماء لحزب والتصويت ضد قراراته. للانضباط حدود الانضباط شرط ضروري من شروط الانتماء لحزب ما فمتى انضم شخص لحزب بات محكوما بالانضباط لأحكامه وقراراته وعدم مخالفتها لكن لهذا الانضباط حدود. فهو لا يعني أن يمتنع المتحزب عن المعارضة الداخلية وإبداء الرأي والتضحية بأفكاره وقناعاته ومبادئه بل عليه أن يدافع عنها داخليا مثل دفاعه عن حزبه حتى إذا تم اتخاذ القرارات الجماعية توجب عليه أن يدافع عنها وينضبط لها أما إذا وجد صعوبة في التوفيق بين قناعاته وقرارات حزبية فما عليه إلا الاستقالة.