منذ الحملة الانتخابية كانت لقيس سعيد الرئيس الحالي مواقف غامضة من الصحافة التونسية وباعتباره أصبح اليوم «المواطن الأول» في تونس تحوّل ذلك الغموض الى عدم اعتراف. تونس (الشروق) يعتبر رئيس الجمهورية في البلدان الديمقراطية المواطن الاول أي انه المسؤول أمام مواطنيه عن حقوق المواطنين ناهيك ان دستور 2014 تحدث صراحة عن ذلك الدور للرئيس وخصّه بحماية الحقوق والحريات في البلاد وهو ما منحه قيمة اعتبارية تفوق القيمة التي منحت لباقي المسؤولين في الدولة. وللأسف فان الرئيس الحالي برهن أنه لا يحترم أهم ركيزة في النظام الديمقراطي وذكرنا في السنوات الاولى التي تلت الثورة حين حاول عدد من المسؤولين إقصاء الإعلام الوطني بكل مؤسساته العمومية والخاصة وبمختلف اختصاصاتها ووسائلها وحاولوا تأسيس ما سمي ب«الإعلام البديل» حينها، واليوم هي نفس الممارسات التي يحاول قيس سعيد تكريسها. كما يذكرنا سعيد في هرولة الكثير من السياسيين والمسؤولين إلى الإعلام الأجنبي والجزيرة بالتحديد في تلك الفترة مقابل رفض التعامل مع الإعلام التونسي وهو نسخة مشوهة من الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي الذي ربما كان هناك ما يبرر سلوكه في تلك المرحلة التي وصفت «بالثورية» لكنه تراجع عنها فيما بعد. لقد هرول قيس سعيد أيضا خلال حملته الانتخابية الى قناة الجزيرة في حين ذهب متثاقلا الى القناة الوطنية لابعاد شبهة معاداة الاعلام الوطني لكنه عاد الى تلك الممارسة بعد وصوله الى قصر قرطاج فلم يعقد ندوة صحفية واحدة تجمع وسائل الإعلام التونسية وواصل التهرب منها وحتى المرة الوحيدة التي وجد فيها وجها لوجه مع الصحافة التونسية كانت عند زيارته الى القيروان في المولد النبوي الشريف لكن الحل تمثل في احتجاز الصحفيين بعيدا عنه بعدة أمتار ليقف هو خاطبا في الجموع رافضا ان يستمع لأسئلة السلطة الرابعة. ربما لا يخيفنا تجاهل قيس سعيد للصحافة التونسية لانه هو الخاسر الأكبر بتلك الممارسة وإنما ما يخيفنا حقيقة هو انه بدأ بنقل العدوى الى مسؤولين آخرين حيث لم تعقد رئاسة الجمهورية كالعادة ندوة صحفية عند تكليف رئيس الحكومة الحبيب الجملي وقام هذا الأخير بالالتجاء الى الصحافة الأجنبية ممثلة في قناة الجزيرة فكان أول ظهور له خارج تونس. طبعا كانت للجملي تصريحات عديدة في الصحافة التونسية تدارك بها ما خلفه تقصير رئاسة الجمهورية او تجاهلها لأهمية عقدة ندوة صحفية في قصر قرطاج لكن كان عليه ان يتصل على الأقل بالقناة الوطنية التونسية ليكون اول تصريح له داخل تونس وليس خارجها ونرجو ان يكون مرد ذلك عدم إدراكه لأهمية الأمر وليس الاقتداء بقيس سعيد. إذن نجد ان الصحافة التونسية اليوم مستهدفة من رأس الدولة وهو رئيس الجمهورية لكن لم يقدم أي تبرير لممارساته فلا يمكنه العودة اليوم الى اسطوانة «اعلام العار» التي روجتها الترويكا كما لا يمكنه الحديث عن صنصرة او ما شابهها من ممارسات انتهت في تونس منذ سنة 2011 كما ان تنوع وتعدد وسائل الإعلام يسحب منه كل الحجج التي قد يسوقها فان تحدث عن الرداءة نقول له لست مجبرا للكلام في البرامج الرديئة وان تحدث عن الإثارة نقول له كان من الممكن ان تتحدث في نشرة الأخبار أو في حديث خاصة. الصحافة التونسية أصبحت تشكل فسيفساء تحمل من التنوع والحرية ما يجعلها تلبي حاجة المجتمع التونسي بكل توجهاته لكن رئيس الجمهورية الذي لم يجد نفسه في كل تلك المؤسسات الإعلامية هو مطالب بمراجعة موقفه ورئيس الحكومة المكلف مطالب بعدم الاقتداء برئيس الجمهورية في ذلك التوجه حيث انه سيكون في مواجهة الصحافة بشكل يومي بعد تسلمه السلطة في حين ان سعيّد سيلزم قصره وقناة الجزيرة قد تشبع حاجته الى إعلام احترف صنع أبطال من ورق.