رغم تراجع عدد الحوادث المرورية خلال الخماسية الفاصلة بين سنوات 2013 و2018 بنسبة ناهزت 33.7 بالمئة إلاّ أن شكل هذه الحوادث أصبح أكثر عنفا ودموية. وهو ما يفسّر ضعف تراجع عدد القتلى في مقارنة بتراجع عدد الحوادث. عنف مروري ينضاف الى قائمة أشكال العنف التي باتت تسيطر على حياة التونسي. تونس/الشروق تشير أرقام المرصد الوطني لسلامة المرور الى ان عدد حوادث المرور تراجع من 8878 حادثا خلال العام 2013 فأودى بحياة 1505 ضحايا واصابة 13539 آخرين الى 5884 حادثا مروريا خلال العام 2018 اودى بحياة 1205 أشخاص واصابة 8876 آخرين. وهنا يتّضح الفرق بين الارقام على امتداد هذه الخماسية. إذ بقدر ما يسجّل تراجع عدد الحوادث (بنسبة 33.7 بالمئة) رسالة ايجابية قد يُفهم منها تحسّن الثقافة المرورية لدى مستعملي الطريق بقدر ما يثير ضعف تراجع عدد القتلى (بنسبة 19.93 بالمئة) اكثر من سؤال حول اسباب نزوع هذه الحوادث نحو الدموية والعنف. ولعلّ مشهد الحادث المروري المريع الذي جدّ صباح امس الاول الاحد في منطقة عين السنوسي بمعتمدية عمدون يؤكّد هذا النزوع نحو الدموية والعنف في الحوادث المرورية. فحصيلة القتلى كانت اثقل من المتوقّع فاكثر من نصف ركّاب الحافلة السياحية التي تعرّضت الى الانزلاق في عمق حوالي 70 مترا لتستقر في الوادي لقوا حتفهم. مجتمع متضامن حالة من الحزن الشديد خيّمت على الرأي العام التونسي. وهو يتلقّى خبر مقتل 22 شابا (كعدد اولي) في حادث انزلاق حافلة كانت تقلهم في رحلة ترفيهية الى اجمل المدن التونسيةعين دراهم. ثمّ انشدت الانظار لاحقا تتابع تطورات حصيلة هذا الحادث المريع. وكانت ردة الفعل التلقائية من الكثير من الاشخاص في باجة والعاصمة الذين تنقلوا الى مقر بنك الدم طلبا للتبرع بالدم لفائدة المصابين وهو مشهد يثبت بلا شكّ اننا مجتمع متضامن امام مصائبه. حالة الحزن هذه تخللها السؤال حول الاسباب التي جعلت الحادث يكون قاتلا بهذا الشكل وايضا حول اسباب هذا العنف الذي يرافق حوادث المرور والذي يجعل من طرقاتنا بساطا للموت الفجائي. وتمثّل السرعة سببا رئيسيا لحوادث المرور في تونس وفقا لمرصد السلامة المرورية. ولا تعني السرعة ان تكون بالضرورة تقود عربتك بسرعة 100 كلم في الساعة في منعرج. بل إنه احيانا 50 و60 كلم في الساعة في منعرج قد تتسبب لك في عدم القدرة على التحكم في العربة. وهو ما قد يكون تسبب في كارثة عمدون صباح الاحد. ولوقف نزيف هذه السرعة لدينا قوانين تحدّد السرعة المطلوبة في الطرقات وتعاقب المخالفين بخطايا مالية هامة في حال عدم احترامهم للسرعة المنصوص عليها. وفي الآن نفسه تنصّ على تعليق لافتات واشارات مرورية تذكّر مستعملي الطريق بالسرعة المطلوبة خاصة عند المنعرجات الخطرة مثل منعرج عين السنوسي الذي يقول شهود عيان من المنطقة إنه يمتد على طول حوالي 3 كيلومترات. فإن كانت طرقاتنا بائسة وتضيق بمستعمليها وبنيتنا التحتية تحتاج الكثير من الصيانة وتركيز اشارات المرور المطلوبة. وتحتاج ايضا الى التوازن الجهوي من حيث تحسين الشبكة المرورية وصيانتها فإن عدم احترام القانون سواء من قبل مستعمل الطريق او من قبل المكلف بتطبيق القانون هو الدافع الى كل هذا القتل في طرقاتنا. عنف مروري هو مسار كامل لتأسيس دولة القانون والعدالة الاجتماعية فبالقانون وحده نجبر مستعملي الطريق على الانتباه الى المخاطر وبالقانون وحده نفرض اصلاح وصيانة الطرقات وبالقانون ايضا ننظّم عملية نقل الاشخاص حتى لا تتكرر فواجع الحوادث المرورية القاتلة مثل تلك المتكررة في نقل عاملات القطاع الفلاحي. وبالقانون أيضا نفرض صيانة وحماية ممرات السكك الحديدية. فليست العربات السائرة على العجلات المطاطية وحدها تنقلب وتتسبب في الكوارث فالقطارات ايضا تنقلب. وتتسبب في خسائر بشرية ومادية وآخرها انقلاب 5 قاطرات من قطار شحن الفسفاط على مستوى منطقة الصمايرية بالسند قبل يومين فقط من كارثة عمدون. وحين نتحدث عن القانون فإننا نلقي المسؤولية كاملة على من يسهرون على تطبيق القانون بدءا برجال الشرطة المرورية والحرس الوطني وصولا الى المؤسسات ذات سلطة الاشراف. فالنقل الخاطئ للاشخاص يستوجب تسجيل محاضر وتنزيل خطايا مرورية لوقف هذا النزيف. وهذا ما يتوجّب على حامل الزيّ في الطرقات العامة الحضرية وخارج المناطق الحضرية تنفيذه. وإذا ما تأكدت المعطيات من وزارة التجهيز بأن الطريق الذي شهد الحادث المريع صباح امس مجهز بزلاقات الامان وبالعلامات العمودية والأفقية اللازمة لإعلام وتنبيه مستعمليها خاصة بوجود منحدرات خطيرة وعلامات تحديد السرعة وعلامات تحجير المجاوزة وكذلك وجود حائط واق فإن الخطأ الرئيسي يظلّ في تجاوز القانون على مستوى السرعة وربّما ايضا على مستوى تنظيم الرحلة وعدم تأمينها بإعلام الأمن. ويحذّر مراقبون من التطبيع المجتمعي مع المصائب ومع العنف دليل ذلك تنامي العنف الاجرامي وتنوع أشكاله وتنامي العنف الزوجي والأسري وزيادة حجم العنف ضد الاطفال. وهو وضع سوسيولوجي نفسي طبّع مع العنف. فانعكس ايضا على سلوك مستعملي الطريق ولكم في ما يحصل يوميا في الطرقات نماذج جيدة حول تنامي هذا العنف المروري الذي هو شكل من اشكال العنف المتزايد بين التونسيين. الشعب يريد كان من الجيّد ان يتفاعل رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة مع المصاب الجلل الذي هزّ التونسيين صباح الاحد. حيث تنقلا الى مكان وقوع الحادث المريع وعادا المصابين. هذا التفاعل يعكس بلا شكّ تجاوب الحاكم مع مصائب محكوميه ولكنه تجاوب يظلّ شكليا وعاطفيا ووليد اللحظة وهذا ما يزيد في التباعد بين الحاكم ومحكومه. التقارب والتفاعل بين من يحكم والشعب يكمن في الأداء اليومي للحاكم. حيث المطلوب منه العمل بجدية على طرح مختلف أزمات شعبه وإيجاد حلول ومخارج لها. لا يطلب الشعب عناقا ولا قبلة ولا تهدئة خاطر عند حلول مصيبة هو يطلب طريقا آمنا يمر منه كي يرفّه عن نفسه ويطلب خدمات أساسية تحترم كرامته الإنسانية. الشعب يريد أملا يمنحه الخبز والعيش الكريم. الشعب يريد دولة القانون والعدالة الاجتماعية والتنموية. ويريد طرقات آمنة ودولة آمنة من الفساد والمفسدين. أسماء سحبون