الهام في الفيلم العراقي المبرمج في المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة لأيام قرطاج السينمائية هذا العام، هو تاريخ انتاجه وتحديدا فترة تصويره التي سبقت اندلاع الحرب على العراق بشهر واحد. ويحمل الشريط عنوان «زمان رجل القصب» اخراج عارم علوان. وعرض الشريط عشية أمس الأول في قاعة المونديال هاني جوهرية وأقبل عليه جمهور غفير أبدى حماسا فياضا للمخرج والشريط والشعب العراقي بشكل عام. وكشف المخرج قبل انطلاق العرض أنه اضطر إلى تصوير الشريط بكاميرا فيديو رقمية، نظرا للحظر الذي كان مضروبا على العراق خلال فترة الاحتلال، وأوضح ان شريط 35 ملم الذي تعتمده السينما، كان من ضمن المواد المحظورة التي أقرتها الأممالمتحدة، وبتعلة احتوائها على مواد كيمياوية قد يقع استغلالها لأغراض أخرى حربية. وفي لقاء خاطف مع «الشروق» كشف المخرج أيضا أنه فقد جزءا كبيرا من الأشرطة الخامة التي صورها نتيجة قصف مركز السينما في بغداد عند اندلاع الحرب، ولذلك حاول استغلال ما تبقى من الأشرطة لانجاز الفيلم. الحصار والفيلم في الواقع لا يصور الحرب كما كان يتوقعه الجمهور، وإنما هو رصد للعراق زمن الحصار وتحديدا خلال الأيام الأخيرة قبل اندلاع الحرب، والتي شهدت تهديدات من الولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا بضرب العراق. وسط هذه الأجواء المضطربة، ينزل الشيخ «زمان» إلى العاصمة بغداد بحثا عن الدواء لزوجته المريضة. وفي العاصمة بغداد يرصد المخرج حالة المجتمع المتأزمة، والشعور بالاستنفار لدى كل الفئات خوفا من اندلاع الحرب.. ويكشف المخرج في الأثناء فقدان أدنى المتطلبات الحياتية للانسان، وهي الدواء الذي يعجز الشيخ زمان عن ايجاده في الصيدليات.. فيلجأ في النهاية إلى المستشفى المسيحي حيث يعثر على ضالته، ولكن ما أن يعودا إلى القرية حتى تموت زوجته المريضة قبل تناول الدواء. القرية والحصار في الشريط يرسمه المخرج في القرية النائية بين النهرين إذ لا يربطها بالعالم الخارجي سوى دوي الطائرات الحربية التي تمر من حين لآخر في سماء القرية. وتبدو القرية رغم هدوئها وجمال المناظر الطبيعية فيها، محاصرة يعيش أهلها بما هو متوفر بينهم فقط.. وحتى عند محاولة الاتصال بالعالم الخارجي، يجد الشيخ.. «زمان» نفسه غريبا في المدينة، لا يمتلك حتى بطاقة هوية. الأفكار والحرفية كل هذه الأفكار عبر عنها المخرج بأسلوب بسيط جدا، ولكنه موظف يحمل دلالات كبيرة.. فالمخرج لم يعتمد آلة كاميرا سينمائية، ولا ديكورات ضخمة، ولا مؤثرات، ولا جحافل من الممثلين.. اكتفى فقط، بما أمكن توفيره، ومع ذلك نجح في تقديم مشاهد طبيعية وعفوية جميلة جدا استطاعت أن تبلغ رسالة المخرج وهي الحصار والاستنفار للحرب. وحتى لا نبالغ في التنويه بالفيلم، نقول ان السينما لا تخلقها الاعتمادات الكبيرة وإنما الأفكار والحرفية.