نعم، مجلس نواب الشعب جدير بالإشادة و حقيق بالثناء بعد مصادقته على مشروع القانون المتعلق بالتفويض لرئيس الحكومة حتى يصدر مراسيم بغرض مجابهة جائحة كورونا. فليس بالأمر السهل ان يتنازل مجلس نواب الشعب عن صلاحياته الأساسية في درس ونقد مشاريع القوانين و تنظيم الحوارات حولها و مراقبة سلامة تطبيقها بعد صدورها. ان ذلك سبب و جود البرلمان، لا سيما في النظام البرلماني او شبه البرلماني الذي هو نظامنا،و الذي هو في كل الحالات ابعد ما يكون عن النظام الرئاسي. لقد اثار مشروع قانون التفويض جدلا شديدا، و كان ذلك عن حق لأكثر من سبب. من جانب رئاسة الحكومة فان التخوف من تعطيل مرور القوانين بسبب التباطؤ الإجرائي او لإهداف أخرى مقصودة مثلما كان الأمر مع حكومة الشاهد، مثّل الدافع الرئيسي للتشبّث بطلب التفويض.و لا شك، كذلك، ان السيد الياس الفخفاخ استوعب الدرس من سابقيه و يريد ان ينطلق في مهمته على راس الحكومة و هو ممسك بكل أدوات السلطة لا سيما القانونية منها. أما في الجانب المقابل لرئيس الحكومة فان حجج الاعتراض على التفويض كانت اكثر و اهم. و اول هذه الحجج الخشية من ان يشكل هذا التفويض سابقة يصبح بموجبها الاستثناء قاعدة فيتغير بذلك نظام الحكم خفية و دون إرادة شعبية و ينحرف عن اصله الذي صاغه له الدستور. الكل يعلم ان الصلاحيات المعطيّة دستوريا لرئيس الحكومة تغنيه مبدئيا عن الالتجاء لأي تفويض لان العمل و الإنجاز ليس في حاجة الى تكديس النصوص القانونية والى التشريعات. و هل ادلّ على ذلك من بريطانيا مهد الديمقراطية التي تُساس بقانون عام؟لكن خطورة الوضع الراهن تدفع للاستثناء الذي يضمن السرعة في المبادرة و النجاعة في الفعل. اما إذا كان المراد بالحصول على التفويض هو تمرير بعض مشاريع القوانين التي طال تعطيلها و نومها في الرفوف في المدة النيابية السابقة ،او التي ينوي السيد الفخفاخ تمريرها عنوة،فان ذلك لمما يزيد من التخوف و الخشية، وان كان يجدر التفكير بان تكون لرئيس الحكومة آلية قانونية تمكنه، استثناءً، من تمرير قانون يراه أساسياً، مرة او مرتين خلال المدة البرلمانية. و في الحقيقة ان الجدل الذي اثارته مسالة التفويض والذي وصل احيانا حد اللغو، إنما يدلّ على غياب الصدق و الثقة بين أطراف السلطة في البلاد.و هما شرطان أساسيان لإثمار كل مشروع حكم ديمقراطي و سببا كل تقدم و تطور. لكن هناك خير في التسونامي الوبائي التي يجتاح العالم و الذي احيا جذوة التضامن و التآزر بين بني البشر.التفويض لرئيس الحكومة هو من ذلك الخير الذي اذكى الوعي بضرورة تجاوز تخمينات و حسابات كل طرف و التغاضي عن كل الخلفيات استجابة لنداء الواجب وخدمة للمصلحة العليا. والمطلوب اليوم تثبيت هذه الثقة التي لا خلاص لهذا البلد دونها، والتي سبق اليها مجلس النواب في انتظار ان ينظم رأسا السلطة و كل القوى الأخرى التي تروم الخير لتونس قولا و عملا. و يبقى ان الشرط الذي لا غنى عنه لتحقيق و تقدم المشروع الديمقراطي هو في قيام مجلس نواب الشعب بدوره في ارساء النقاش و تنظيمه و ضمان تواصله ،ترسيخاً لثقافة الحوار، و صونا لحق الاختلاف ،و تكريسا لحرية الرأي و التعبير. من اجل ذلك و جب التذكير انه لا غنى لتونس عن برلمانها، و ان الحكومة و رئيسها إنما هما تحت رقابة مجلس نواب الشعب و ان تلك هي القاعدة الدستورية،وما تبقى استثناء. و لعله يجدر بنا و نحن نستعد لإحياء عيد الشهداء بعد أيام قليلة ان نذكّر ان مطلب الجماهير التونسية التي تحدّت جبروت المستعمر ونيرانه يوم 9 افريل 1938 كان برلمانا تونسيا يجسد حريته و سيادته على ارضه