فرضت الكورونا أجندتها على التونسيين وغيرت موازين حياتهم و ترتيب أولوياتهم بشكل رهيب وكانت بمثابة الرجة التي لها ارتدادات على نمط سلوكهم فكان منه المشرق الذي يتجسّد في المدّ التضامني و الانخراط في المبادرات المجتمعية الخيرية للإحاطة بضعاف الحال و ايصال المساعدات لهم و المشاركة في حملات التحسيس والتوعية بمخاطر الوباء المستجد و استنفار ملكات الإبداع و الاختراع لدى نخبة من مهندسينا الذين بادرو بصنع معدات وقاية وأسرة انعاش و تطبيقات تكنولوجية تعاضد مجهود الدولة، و لكنها كشفت عن وجه قبيح يعرّي أسوء ما فينا من أنانية و استهتار بعد تلك المظاهر المزرية عن رفض عدد من التونسيين لدفن المتوفين من مرضى الكورونا بمقابر مدينتهم وصلت لحد المواجهات مع الأمن رغم الاحتياطات والمعايير العلمية التي يتم التعامل بها مع الجثامين أو تواصل استخفاف عدد لا يستهان به من المواطنين بمقتضيات الحجر الصحي الشامل و تواصل انتشارهم في الشوراع و الأحياء غير عابئين بخطورة هذا الفيروس. تراخي مخيف في تطبيق الحجر الصحي صدم التونسيون بتلك الصور التي راجت في وسائل الإعلام عن تلك الجحافل من المواطنين التي تنتظر تسلّم المساعدات التي أقرّتها الحكومة أمام المعتمديات و مراكز البريد بشكل ينسف معه كل الجهود التي تبذلها وزارة الصحة و الهياكل التابعة لها للحد من انتشار الكورونا دون أن ننسى مواصلة عدد آخر لنمط حياته بشكل عادي غير عابئ بالخطر الداهم الذي يتربص به و تتوسّع رقعته في البلاد و هو سلوك يفسّره الباحث في علم الاجتماع هشام الحاجي في تصريح ل"الشروق أون لاين" ببقايا الثقافية القدريّة المترسّخة في لا وعينا الجمعي فيها قراءة متخلّفة للأوامر الدينية تجعل من القضاء و القدر وحده هو الذي يحدّد مصير الأفراد و المؤسسات ، إضافة إلى الخلط الحاصل في المفاهيم بين الحرية و الاستهتار و التخلي عن كل الضوابط الذي ترسّخ في السنوات الأخيرة لدى جزء من التونسيين بشكل أدّى إلى بروز سلوكات فوضوية تعمّقت بعجز الأحزاب و الجمعيات وخاصة العائلة عن لعب دورها في التأطير و التوجيه و ترسيخ ثقافة المواطنة. رفض دفن موتى الكورونا سقطة أخلاقية و لعلّ ما زاد في وطأة الكورونا هو حالة الغموض التي تحيط به التي أدّت إلى ظهور ردود فعل صادمة لدى التونسيين و منها رفض بعض السكان في منوبة و مجاز الباب و بنزرت لدفن جثامين المتوفين بالفيروس المستجدّ في مقبرة المدينة و نقله إلى مقابر أخرى أو إلى مسقط رأسه خوفا من انتقال العدوى وهي حجة لا مبرّر لها باعتبار خضوع الجثة إلى الاحتياطات الطبية اللازمة قبل دفنها و هو سلوك يخلق وفق محدثنا وصما اجتماعيا سلبيا لأن طقوس الدفن لها جانب من التثمين الإجتماعي و الإحتجاج على دفن ضحايا الكورونا يضاعف من ألم ذويهم إضافة إلى أنها تمثل شكلا من أشكال ضعف التضامن المجتمعي حيث يقع نبذ هؤلاء و في المقابل أجمعت المراجع الإسلامية على اعتبارهم شهداء .