في طليعة القطاعات المتضررة من إجراءات مكافحة انتشار فيروس كورونا نجد قطاع الصحافة الورقية. هذا القطاع الذي كان يعاني ويواجه صعوبات جدية هددت بقاءه وجعلته يكابد لتأمين بقائه. لتأتي أزمة كورونا فتزيد من تعكير أوضاعه ووضع بقائه على المحك..فقد سارعت الحكومة والدولة عموما الى إقرار إجراءات للحد من انتشار الفيروس وحماية صحة المواطنين من شروره وانعكاساته المدمرة على صحتهم. وهي إجراءات يساندها الجميع بالمناسبة وينخرطوا في معركة إنجاح الحجر الصحي الشامل وإجراءات الطوارىء ليلا طالما أنها أنجع سلاح لمنع انتشار الفيروس. لكن هذه الإجراءات نزلت بمثابة رصاصة الرحمة على قطاع يتنفس تحت الماء بطبعه ويعاني لتأمين بقائه وسط غابة من المشاكل والمصاعب والمعوقات. خاصة في واقع مثل واقع صحف دار الأنوار عموما وصحيفة الشروق خصوصا التي راهنت أولا وأخيرا على رصيدها وعلى انتشارها لدى القرّاء بفعل اقترابها من مشاغلهم والتحامها بآمالهم وانتظاراتهم، وكذلك على ثقة المستشهرين فيها. وهو رهان أمّن لها البقاء والاستمرار حتى الآن رغم منافسة الوسائط الالكترونية ورغم الصعوبات الاقتصادية للبلاد عموما. ذلك ان الاغلاق الكامل للبلاد ولمناحي ومفاصل ألحركة فيها مفعول مدمر بالكامل. فحين توفر ظروف إنهاء الحركة فإنك تكون قد أصدرت حكم «الإعدام» على صحيفة ورقية. وحين تعود وتنتظر منها أو تطالبها بالاضطلاع ولو بجزء يسير من التزاماتها المادية تجاه منظوريها فإنك تكون كمن قطع أجنحة عصفور وعاد ليطالبه باستعمال أجنحته للطيران. وصحيفة الشروق التي خاضت حتى الآن كل معاركها وغالبا ظروفها ومشاكلها المادية بإمكانيات وقدرات ذاتية تجد نفسها اليوم ضحية قرارات وسياسات لا ناقة لها فيها ولا جمل. لأنها لم تختر الاحتجاب عن الصدور ولم تتخذ قرارا بوقف مصادر مواردها المتأتية بالكامل من بيع الصحيفة ومن الاشهار. والواقع ان المسوءول قبل اتخاذ قرارات في هذه الاحجام وفِي هذه الخطورة كان يفترض ان ينزلها في إطار استراتيجية شاملة ومدروسة. استراجية تراعي خصوصيات كل القطاعات وفِي طليعتها الصحافة الورقية التي تفقد مع الحجر الصحي الشامل كل قدرة على الحركة وكل إمكانية لامتصاص الاثار القاتلة والمدمرة لتوقف عملية الانتاج البيع بالكامل وبصفة فجئية وبلا مقدمات، ومع ذلك فقد كان الرهان في قطاع الصحافة الورقية ورهاننا في صحيفة الشروق على مراسيم الحكومة وعلى الإجراءات التنفيذية المرافقة عساها تشعل شموع الأمل في قطاع نكب باجراءات الحجر الشامل...وتحمي قوت آلاف المنتسبين للقطاع ومنهم المئات في دار الأنوار بين صحفيين وفنيين وموظفين وسواق وعملة من براثن الحاجة وانقطاع الأجر بغتة. لكن رجاء الجميع سرعان ما خاب والامل سرعان ما تبدد بعد ظهور هذه الإجراءات رغم ما سبقها من لغط ومن تأكيدات حول الحرص على عدم إغلاق اي موءسسة وخسارة اي موطن شغل. فقد تم إقرار إجراء ال 200 دينار الذي سرعان وقع بدوره في دائرة الجدل والتأويلات... ليجد القطاع نفسه ضحية وضع صعب لم يختره، بل فرض عليه فرضا. ومع احترامنا لكل القطاعات ومع تضامننا مع كل أبناء شعبنا في هذه المِحنة القاسية فإننا نتساءل عن «الحكمة» وراء إسقاط نفس الإجراءات على كل القطاعات... هكذا وبصفة عشوائية لا تراعي الخصوصيات والمؤهلات وتحشر الجميع في نفس الكيس. وبالمحصلة فقد أصيب قطاع الصحافة الورقية بخيبة أمل نتيجة هذه الإجراءات الصادمة التي تتجاهل خصوصيات القطاع وتشي بعدم إلمام كبير بحجم الصعوبات التي كان يعانيها القطاع أصلا والتي زادتها أزمة كورونا تعكيرا وتعقيدا. وبالمحصلة تجد صحيفة الشروق وهي قاطرة الصحافة المكتوبة ضحية وضع فرض عليها فرضا.. نتيجة لاستحالة طبع وتوزيع الصحيفة وهو المورد الوحيد الذي تعول عليه للإيفاء بالتزاماتها إزاء كافة العاملين بها. وهذا وضع احست به وتعاطفت معه عديد القوى السياسية التي نشكر تعاطفها وندعو البقية للانسجام مع أطروحاتهم والقيام بواجبهم التضامني مع صحيفتنا ومع القطاع عموما.كما احس به الكثير من قرائها الكرام الذين يتصلون يوميا لإبداء تضامنهم والسؤال عن موعد صدور الصحيفة من جديد. وهذه مواقف نبيلة ونداءات نتمنى ان تصل مسامع اصحاب القرار لينظروا الى واقع القطاع وواقع صحف دار الأنوار بالجدية وبروح المسؤولية اللتين يتطلبهما هذا الظرف الصعب وما يفترضه من تحرك سريع لتأمين اجور المنتسبين لقطاع الصحافة الورقية. نحن لا ننتظر منة من أحد ولا نطلب أعطية من أحد.بل نطلب من حكومتنا تحمل مسؤوليتها إزاء صحيفتنا التي تضررت بفعل قرارات لا ضلع لها فيها. هذه الصحيفة التي عرفت منذ صدورها كيف تعول على نفسها وتطور مضامينها باستمرار... والتي لبت على الدوام نداء الواجب وانخرطت في كل المعارك والجبهات الوطنية وتنتظر الآن إجراء منصفا يحفظ كرامة منتسبيها ويشعهرهم بأن دولتهم تحس بهم وبمصاعبهم وتقف الى جانبهم كما وقفوا على الدوام بجانبها. غدا تزول غمة الكورونا... وغدا يقف الجميع امام مرآة التاريخ. ومرآة التاريخ لن ترحم أي ضالع في اغتيال الصحافة المكتوبة... هذا الركن الركين الذي لا يستوي الحديث دونه عن حرية وعن إبداع وعن فكر وعن بناء ديمقراطي سليم... أليس كذلك؟