تعيين فرحات بريك كاتبًا عامًا جديدًا لبلدية صفاقس    عاجل: الصوناد تطلق خدمة جديدة.. باش توصلك فواتير الماء في الوقت... كيفاش؟    عاجل/ الخطوط التونسية تنشر وضعيتها المالية    أريانة: الوزير يحدد مهلة نهائية لتسريع إنجاز الطريق الحزامية X20    غدا.. أسطول الصمود المغاربي ينطلق من ميناء سيدي بوسعيد #خبر_عاجل    عاجل/ ارتفاع حصيلة شهداء التجويع في غزة    مائدة مستديرة في تونس تكشف ازدواجية مواقف القوى الكبرى تجاه القانون الدولي    زغوان: تكريم أبطال الكراتي الذين توجوا في بطولة العالم بمدينة مرمرة بتركيا    تصفيات كأس العالم 2026: منتخب مصر يواصل التألق والمغرب يحسم التأهل للنهائيات    عاجل: صدور نتائج حركة النقل الدورية للابتدائي.. التفاصيل على الرابط التالي    بالفيديو: أضرار فلاحية كبيرة بسبب التبروري في القصرين.. شاهد    محرز الغنوشي: مطر و''تبروري'' في المرتفعات.. واللي يحب يبحر يقصد ربي    غدا.. خسوف كامل والقمر "دموي"    حماية حقوق الطلاب والمستأجرين: نصائح قانونية مهمة من الأستاذ حسين الأقرم    استنفار داخلي وحراك خارجي لمنع ضربة أمريكية وشيكة.. ماذا يجري في العراق؟    وزير التشغيل يبحث مع سفير الاتحاد الأوروبي سبل مزيد تعزيز التعاون في مجال التشغيل والتكوين المهني    وزير التجهيز يتعهد: مهلة أخيرة أمام المقاولين لتسريع لاستكمال ''إكس 20'' قبل نهاية 2025    عاجل: مرض ''الإيبولا'' يعود من جديد    تعزيز جديد في صفوف نجم المتلوي    مركز الارشاد الجبائي عن بعد يتلقى اكثر من 15700 مكالمة الى أواخر شهر أوت المنقضي    "حادث خطير" يُدخل لويس إنريكي غرفة العمليات    عاجل/ زلزال جديد يضرب أفغانستان    زيلينسكي يرفض دعوة بوتين للقاء في موسكو    وزيرة الصناعة تشارك في النسخة الأولى للمعرض الإفريقي للسيارات بالجزائر    اليوم: الحرارة تصل 40 درجة وأمطار بعد الظهر بهذه المناطق..    سدد 21 طعنة لأمه.. شاب يرتكب "مذبحة" في حق عائلته    عاجل/ وصول جثمان الفقيد عبد القادر الذيبي إلى تونس    في الذكرى 69 لانبعاثه: الحرس الوطني يجدّد العهد لحماية الوطن.. #خبر_عاجل    عاجل/ فيروس "إيبولا" يعود من جديد    دوري أبطال إفريقيا.. الكشف عن حكام مقابلات الترجي والإتحاد المنستيري    كأس الكاف.. الكشف عن حكام مباريات الفرق التونسية    الإتّحاد الأوروبي يغرّم شركة "غوغل" و ترامب يتوعّد    وزارة الصحة تُقر خطة عملية للوقاية والكشف المبكر عن السكري..    الساحة الإعلامية تفقد المخرج التلفزيوني الكبير محمد الحاج سليمان    قفصة...35 وليّا صالحا .. أشهرهم سيدي منصور الإدريسي المغربي    في دورة مخصّصة لروح الفنّان الراحل عبد الرزاق الساحلي .. نابل تحتفي بالفنّ التشكيلي    حوار الأسبوع...الممثل صالح الجدي ل«الشروق» .. عقلية «البوز» غيّبت جيلا كاملا من المُمثلين    مهرجان قليبية الدولي نادي السينمائيين الهواة بقفصة ينال جائزة أفضل صورة    الجزائر: وزير التجارة يفتتح فعاليات المشاركة التونسية في معرض التجارة البينية الافريقية    عاجل/ ارتفاع احتياطي العملة الصعبة    حظوظ تونس قوية: فوز واحد يكفي للتأهل المباشر    تراجع طفيف في نسبة التضخّم خلال شهر أوت.. #خبر_عاجل    الليلة: أمطار متفرقة بهذه المناطق..    زغوان: 93 زيارة تفقد صحي تسفر عن حجز مواد غذائية غير صالحة للاستهلاك واصدار تنابيه كتابية    عاجل/ تقلّص الإصابات بفيروس إلتهاب القصيبات الهوائية لدى الرضع بصفاقس    أشغال على جسر حنبعل من نهار الأحد: طرقات مسكرّة والحافلة 347 تتدخل    تونس عاشت "ليلة رعب"! .. الناطق باسم الحرس الوطني يكشف ويوضح..#خبر_عاجل    مأساة فلسطينية صادمة: القصة الحقيقية وراء فيلم ''صوت هند رجب''    أسطول الصمود يدعو القباطنة والربابنة وميكانيكيي السفن والبحّارة وطواقم السفن في كافة دول المغرب العربي إلى الانضمام إليه    المنستير: وفاة طفلين وإصابة والدهما في حادث مرور أليم بسيدي بنور    تصفيات مونديال 2026 (أفريقيا) – ليبيا تُنعش آمالها بالفوز على أنغولا والرأس الأخضر يتصدّر    تونس تشارك في مهرجان"بهولنج" الدولي للمسرح بالهند    الكواكب تدعو للحذر والجرأة... ماذا يخبّئ لك برجك اليوم؟    عاجل: دولة عربية تعيش خسوفا للقمر لأكثر من 5 ساعات...التفاصيل    عاجل: انفراج أزمة الأدوية بداية من الأسبوع القادم    فتح باب التسجيل في قسم "قرطاج السينما الواعدة ضمن أيام قرطاج السينمائية"    خطبة الجمعة..في ذكرى مولد المصطفى عليه الصلاة والسلام.. كيف نحب هذا النبي؟    مهرجان البندقية: 24 دقيقة من التصفيق لفيلم "صوت هند رجَب" لكوثر بن هنية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في خلفيات إعلان الجمهورية: براديغم" المرحليّة البورقيبيّة" مطبّقا على الفترة جانفي 1956 – جويلية 1957 (1)
نشر في الشروق يوم 24 - 07 - 2020

في تعريفه للبورقيبيّة ، أنحى الحبيب بورقيبة باللائمة على الذين اختزلوا "طريقته" في مقولة "خذ و طالب" مشددا على أنها في ذات الآن نهج سياسيّ و "نظرة للحياة في مبدئها و أصلها..." اعتمدت مرحليّة ذكيّة لتحقيق الغايات التي وقع ارتسامها.
ويقرّ بورقيبة أنه بالرغم من اختلاف السياقات، و تنوّع الاكراهات و الصعوبات فإن تلك " الطريقة [ظلت] واحدة، و فصولها واحدة، من 1934 إلى معركة بنزرت عام 1961.." .
سنعنى في هذا العمل برصد أهمّ ملامح التمشيّ المرحليّ البورقيبيّ في إقرار النظام الجمهوري في تونس خلال الفترة الواقعة بين 1956 و جويلية 1957 و هي فترة من الزمن فاصلة و واصلة. هي فاصلة باعتبار أنها دشّنت عهدا جديدا فارقا في تاريخ البلاد تميّز بوضع مداميك الدولة الوطنية الناشئة و إرساء مؤسسات السيادة و تحديث المجتمع، و لكنّها واصلة اعتبارا إلى أنها لم تشكّل سوى طور ضمن سيرورة تحريريّة و تحديثيّة بدأت فصولها مع اختمار الحركة الوطنيّة على عهد الحماية و اشتداد عودها، و تواصلت بعد الاستقلال السياسي للبلاد على هيئة إصلاحات عدّة. سيرورة وسمها الحضور الطاغي لبورقيبة بميسمه، و مرحلة جوّد فيها بورقيبة " البورقيبيّة" بإتقان باذخ.
و نودّ بادئ ذي بدء التنبيه إلى أن دراستنا هذه تتنزل ضمن مدارين اثنين هما: الحدث L'événement و إحياء الذكرى La commémoration. مداران يتضمن الواحد منهما الآخر و يحيل عليه. و لنا في هذا الصدد ملاحظتان:
أولا: سجّل منذ أزيد من عشريّتين اكتساح لافت لظاهرة أحياء الذكريات و التخليد و استحضار الذاكرة للحقل الجامعي و المنابر الثقافيّة المشهورة ( فضلا عن وسائل الإعلام واسعة الانتشار)، و تزامن ذلك مع شيوع مفاهيم جديدة نحو المسؤوليّة و واجب الذاكرة.« Le devoir de mémoire ».
و الواقع أن هذا الشغف عكس نوعا من التصادي مع حمّى أحياء الذكريات التي انخرطت فيها الأمم و الشعوب – بشكل غير مسبوق- لاسيما منذ تهاوي جدار برلين عام 1989. و راحت الشعوب تراجع فهارس تواريخها و تتصيّد المناسبات لتخلّد الأيام المجيدة و اللحظات الفارقة مثل أحداث الاستقلال، و الثورة، و تواريخ ولادة العظماء الأفذاذ أو وفاتهم الخ...
الكل يتذكّر و يسجّل و يحتفل. و عادت إلى الواجهة أدبيات قامت بالتبئير على حب الوطن و معنى فضيلة الانتماء إليه. و تنوعت تبعا لذلك أشكال الاحتفاليات و سلوكياتها الأمر الذي حدّا بالمؤرخ الفرنسيّ المعروف بيار نورا Pierre Nora إلى القول: " إننا نعيش اليوم بلا أدنى ريب، عهد أحياء الذكرى بما أن كل شيء اغتدى، هذه الأيام ذريعة لإحياء الخمسينيات و المئويات و المئويات الثانية أو الثالثة الخ..."
و يكاد الإجماع ينعقد اليوم على أن إحياء الذكرى يمنح الشعوب، في كلّ مرّة، قوّة دافعة، و طاقة ايجابيّة للاستمرار و مراكمة الإنجاز رغم جملة المحاذير و الانحرافات التي هي صميم ذلك الضرب من الممارسات و الاستعمالات...
و ممّا ينبغي تأكيده هنا هو أن الرغبة الطافحة في إحياء الذكريات و المناسبات قد جعلت المؤرخين و فلاسفة التاريخ يستأنفون النظر في قضيّة تصوّر المجتمعات للزمن و أنماطه، و يبرزون تعدّدية تلك الأنماط و علاقتها بعضها ببعض، و من ثمّ يراجعون مفهومي الذاكرة و الذكرى شبه المتضافرين و اللذين ظلاّ مرتبطين حتّى وقت قريب بنمط واحد من أنماط الزمن و هو الماضي.
و خلال هذه المراجعة المذكورة دأب هؤلاء على التذكير بإشارة هامّة لهايدغر Heidegger تقول: "انه في البدء لم يكن لفظ ذاكرة ليعني القدرة على استرجاع الماضي و إحياء الذكرى..."، إذ كان ذلك اللفظ يحيل " على النفس بكاملها كاستيعاب باطني دائم لكلّ ما يخاطب الإحساس بكامله. الذاكرة في أصلها هي الحضرة، بالقرب من... هي أن نظلّ مشدودين إلى... لا إلى الماضي و حده و إنما إلى الحاضر و كل ما سيأتي. إن ما مضى، و ماهو حاضر، و ما سيأتي كل هذا يلتقي في وحدة الحضرة التي تتخذ كل مرّة طابعا خاصّا."، و هذا ما يغري على القول إنّ إحياء الذكرى ليس " حضورا للماضي، و الأهم من ذلك ليس أحياء و امتلاء، و وصلا و اتصالا، و إنما هو كذلك، و ربّما أساسا غياب و ابتعاد و انفصال..." .
و قد لاحظ فرانسوا هارتوغ François Hartog إن إحياء الذكرى بما هو طقس مطرد و عادة جارية، قد تزامن مع سياسة " الميراثيّة" أي تحويل مظاهر عديدة من المجال إلى التراث (Patrimoine) و خلص إلى أن تحوّل التاريخ إلى ميراث يدلّ في الواقع على إقبار رمزي لذلك الماضي..." . و في عبارة مختزلة: " لم تعد الذكرى فقط فرصة للاستحضار و ربط الصلة، و إنما كذلك، و ربّما أساسا مناسبة انفصال.إنها ليست مناسبة إحياء، فقد تكون أيضا و ربّما أساسا مناسبة دفن جديد..."
ثانيا: عودة الاهتمام بالحدث وردّ الاعتبار إليه في البحوث التاريخيّة بعد كسوف طويل نسبيّا فرضته مدرسة الحوليات الفرنسيّة بأجيالها الثلاثة المعروفة.
و يذهب فرانسوا دوس François Dosse إلى أن نهضة الخطاب التاريخي (بعد تشظّي التاريخ) رهينة بانبعاث الحدث، و أن ما سارت عليه مدرسة الحوليات طيلة أربع عشريات من غمط للحدث و تبخيس له، كاد يعصف بخصوصيّة علم التاريخ و وظيفته ، ذلك أن التاريخ هو الاختصاص الوحيد القادر على التحكم في جدليّة نظام الحدث أي جدليّة الأمد البعيد و الأمد القصير و جدليّة البنية و الظرفيّة...
و كما هو معروف فان التاريخ يستمدّ مادته الأولية من الحوادث الماضية و ذلك خلافا للمقدمات اللازمنيّة التي تسبق المقاربات الانتروبولوجيّة أو السوسيولوجيّة...
على أن إعادة الاعتبار للحدث لا تعني تجديد العهد مع المقاربات اللافيسيّة المعروفة (نسبة إلى ارنست لافيس Ernest Lavisse) المتشرنقة على التاريخ الوقائعي و التاريخ المعركة، بل يتعيّن معالجة الحدث ضمن قالب نظري و منهجي بما يمكّن من إبراز الحدث الدال المرتبط وثيق الارتباط بالبنية التي أنتجته. و هذا معناه أن الحدث من شانه أن يكشف عن البنية. فهو ينتج عن البنية و يؤثر فيها في نفس الوقت. و لسنا في حاجة إلى التذكير أن تاريخ الزمن الراهن و هو التاريخ الذي لا يزال البعض من فاعليه و شهوده على قيد الحياة يحيل على الحدث، و من ثمّ فان الاهتمام بالتاريخ القريب (إعلان الجمهوريّة في قضيّة الحال) هو بالنهاية عودة إلى الحدث بامتياز.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.