لقد فاجأنا الامين العام للاتحاد العام التونسي للشغل الأخ عبد السلام جراد في خطاب ألقاه عند إشرافه على حفل تكريم نجباء أبناء النقابيين بتاريخ 21 اكتوبر ببوادر تحوّل غير منتظر عن موقف أغلب القيادات السابقة للاتحاد، ذلك الموقف الصلب والمجاني في الإقصاء المطلق وحتى العدواني أحيانا للأمين العام الاسبق للاتحاد الأخ أحمد بن صالح، والمتواصل منذ الضربة النكراء الأولى التي وجهها بورقيبة لهذه المنظمة في مثل شهر ديسمبر من سنة 1956، بإحداث انشقاق للمنظمة ثم عزل الأمين العام الشرعي المنتخب في المؤتمر السادس سبتمبر 1956 بما يقارب الإجماع على الرغم من جهود بورقيبة الكثيفة في إسقاطه بمساعدة بعض مناضلين قياديين مؤسسين للأسف، حيث منيت تدخلاته المباشرة والمدسوسة بفشل ذريع. في صميم ذلك الحفل تجشّم الأخ عبد السلام جراد أن يحدث بعض الشروخ في ذلك الحائط الصخري المضروب ضدّ زميله الاسبق والمحتوى الذي يحمله بإطلاق دعوة »إلى ضرورة تكريم جميع مناضلي الاتحاد والقياديين منهم بالخصوص وفي ضمنهم الرجل الذي نحترمه ونقدّر كفاحه الأخ أحمد بن صالح«. وعلى صدى هذا التصريح انطلقت المساعي بتوجيه مباشر من الأمين العام وثلّة من أعضاء المكتب التنفيذي في مقدّمتهم الزميل والصديق عبيد البريكي الأمين العام المساعد للاتحاد المكلف بالتكوين النقابي والتثقيف العمالي، وتوفقت الى أداء زيارة كريمة للاخ أحمد بن صالح في بيته وتحديدا إلى صيغة جيّدة وذكية بعيدة عن الشخصانية والذاتية ألا وهي طرح »فترة 1952 1956« للبحث العلمي الدقيق وفي إطار ديمقراطي منطلق من حوار موضوعي وصريح يدلي كلّ بما عنده في ذلك المقطع المحوري من تاريخ الاتحاد خاصة وتونس عامة. وكان الاهتداء الصائب إلى تنظيم ندوةوطنية جامعة ومنطقية تنزلت في سياق منهجي وفي سيرورة معرفية أصيلة وفاعلة في فلسفة الاتحاد من بداياته الاولى وقد تجذرت أبعادها ومضامينها أكثر خلال الفترة المتحدث عنها كما جاء في التقرير الادبي للمؤتمر السادس. ونستطيع ان نؤكد بدون مجاملة ما بلغته هذه السيرورة من النضج ومن العمق والشمولية والفاعلية في هذه السنوات الأخيرة كما سنرى في الدراسة التي نزاولها في هذا الموضوع بحول اللّه. ❊ في إشكالية الندوة ففي صميم ذلك التوجه الحكيم، انعقدت تلك الندوة الحدث التي استجاب لحضورها الأخ أحمد بن صالح إذ اقتنع بمنطقية الاشكالية التي تنزلت فيها. وقد تجسّد ذلك في الخطاب الذي ألقاه الأمين العام الاخ عبد السلام جراد، الذي سجّل صوتا وصورة ككلّ فعاليات الندوة حيث دافع فيه بجرأة وصدق وحماس عن تاريخية الاتحاد وعن ضرورة التجنّد الكامل لتنقية تاريخية هذه المنظمة العتيدة من كلّ الشوائب، ومن أبرزها ما قد يمسّ مناضليه وبالأحرى شهدائه من بعض الحيف أو التقصير الغامض ربّما كما هو الحال في حقّ أخينا العزيز أحمد بن صالح... إلخ. وأنا أزعم أنّ هذا الخطاب شكلا ومضمونا ولهجة وروحا من قبل نقابي قيادي في أعلى هرم المنظمة ومن صلب توجه نقابي معلوم ومتواتر الصلابة ضدّ تلك الفترة (52 56) وقائدها الأوّل، وما تولّد عنها بقيادته من إبداعات وإنجازات هيكلية جبّارة في بناء عظمة الاتحاد وطنيا وإقليميّا وعالميّا انبثاقا من فلسفة »البرنامج الاقتصادي والاجتماعي«. أنا أزعم أنّي لم أقف على مثله من مسؤول نقابي واحد من ذلك التوجه فيما قرأت وسمعت على امتداد تلك الفترات المتقدّم ذكرها، بل إنّ نقيضها ظلّ متوارثا الى اليوم وقد تكرّر ذلك النقيض على أشدّّه أحيانا من بعضهم بحلبة النقاش في هذه الندوة بالذات مع شخص الأخ أحمد بن صالح ذاته وإن كان مطلوبا أن تطرح تلك الغوامض أو التلبيسات في هذا الصدد المقصود وإن لم يحصل الاقتناع من قبل البعض ولا غرو في ذلك ما دام الاخ أحمد بن صالح ملفوظا من حظيرة الاتحاد في ظل تلك القيادات فكرا وتاريخا واسما من كل أدبيات الاتحاد ومن كل المجامع والمناسبات فضلا عن صورته العمالية في بعض الدراسات والمذكرات. ❊ التصحيح والمصالحة في أحضان روح حشاد وقد سبق ذلك الخطاب التاريخي للأمين العام عرض حوار مصوّر مع الأمين العام الاسبق الأخ أحمد بن صالح أجراه معه الاستاذ عبيد البريكي ومساعده الهادي الأخزوري في بيته وكأنّها المرجع الروحي لهذه التظاهرة المفصلية (ليوم الإطار الزماني الذي أختير لعقد هذه النّدوة) في جوانب كثيرة من الغوامض التي تقدّمت الإشارة اليها في طروح وإيرادات لا تخلو من الروح البيداغوجية... كمن يستهدف التوجيه الى مواقع الاهتمام بالنسبة الى المكونين والمؤطرين في مراكز التثقيف والتكوين النقابي. وقد أجاب الأستاذ أحمد بن صالح في تعليق عن تلك الأسئلة بكثير من الدقّة والشمول وبأسلوب حظ الطرافة فيه غير قليل وإن نقطع السياق غير مرّة عبر عنه الاستاذ (بالتنقيزات) وفي مضامين هذا الحوار ما يتجاوز وجهة المكوّنين والمؤطرين الى ما نحسب أنّ التمهيد المثير في اتجاه التمهيد لحصص النقاش المباشر في الحصص المقبلة، ولو أن الكثير منها قد استبطنته كتب ودوريات ومقالات وأحاديث وندوات مماثلة. وفي هذا الإطار أيضا تمّ عرض حوار مصوّر هو الآخر للأستاذ المسعدي باعتباره كاتبا عاما مساعدا ثانيا لحشاد تناول شخصية حشاد العظيم وفكره وجهاده، وبناءه النقابي إثر استشهاده وطنيا وشعبيا وعالميا في تعميق النضال الوطني من أجل الاستقلال والتحرّر الاجتماعي، ذلك بحمل ما أمكن قبسه من فعاليات اليوم الاول لهذه الندوة بين الحصة الاولى والثانية فيما خصص اليومان الثاني والثالث لتدخلات المحاضرين والمعقبين والمناقشين عبر ثلاث حصص. وكان الدكتور علي المحجوبي أوّل المحاضرين في هذه الندوة يليه د. محمود طرشونة، واختتم المطاف الدكتور أحمد بن صالح وعقب عليه الدكتور حسين الديماسي. ❊ مسحة من القلق والثورة في هذا الموضوع وفي هذا الحيز الزمني كانت المحاضرة الرفيعة للمؤرخ العبقري والجامعي المرموق الدكتور علي المحجوبي الذي أذهل جمهرة المتلقين بحسن توظيفه للمنهج النقدي التاريخي (حسب فهمنا) فيما توفق الى إثباته من الحقائق أو نفيه من الأباطيل والمغالطات والتلبيسات في معلومات ظلت مطموسة أو منكورة او زائفة كنسبة »البرنامج الاقتصادي والاجتماعي« أولا وأخيرا الى الاستاذ »دي بيرينيز«، (De Bernis)وكقضية الباخرة العبارة بين صفاقس وقرقنة التي نسب فيها سجن عاشور للاخ احمد بن صالح وزير التخطيط والاقتصاد الوطني حينذاك وكذا التلبيس في مسألة حتمية التعويض لأصحاب الاجور عن تخفيض الدينار... (وقد أفاض بن صالح في شرح ظروفه فيما بعد) بكون الدينار يومئذ قد استقل عن الفرنك الفرنسي وأخذ شخصيته الوطنية بالرصيد الموجود لدينا، وكذا الشأن في سلامة سير أعمال المؤتمر السادس للاتحاد ودقة الفرز لأصوات الناخبين بما في ذلك مقاربة الإجماع على انتخاب بن صالح وفي فضاعة ما أقدم عليه بورقيبة من ضرب المنظمة وخلع أمينها العام الشرعي... إلخ. دون ان يهمل تناقض بورقيبة في وسم البرنامج الاقتصادي بكونه منتحلا فكريا واقتصاديا عن الماركسية او الشيوعية ثم عاد اليه تطبيقيا وعمليا لسياسة الستينات ثم إنقلابه عليه في أواخر الستينات بكثير من المزاعم والافتعالات والتهم الخطيرة. وقد أجاد الدكتور كل الاجادة فيما أثبته من الحقائق العلمية حول جدوى التعاضد بانتهاج المباشرة التمهيدية أو التجريبية على أراضي المعمرين بالشمال الغربي التي لم تتجاوز 300 تعاضدية في البداية الى غاية إيقاف المسيرة. وخلافا لما تواتر من الأراجيف عن افتكاك أراضي المواطنين يؤكّد الدكتور أن البناء في فترة الستينات قد قام على إرساء توازن حقيقي وفاعل بين القطاعات الثلاثة (العام والخاص والتعاضدي) ومداه في الاصل والجوهر هو إرساء التقارب بين طبقات المجتمع (الطبقة الثرية، والمتوسطة والضعيفة) شأن ما نجده في البلدان »السكندنافية« مثل السويد التي تعدّ حاليا من أرقى بلدان العالم اقتصادا وثقافة وحضارة واستقرارا بالخصوص... والحق أقول أنّي لم أقف قط على مقول من هذا النوع مكتوبا أو مسموعا بهذه الجرأة والموضوعية منذ انقلاب سبتمبر 1969 إلى اليوم من جانب محايد مثل الدكتور المحجوبي في هذه النّدوة اللهمّ ما كان من الأبحاث الاقتصادية والاكاديمية التي سبق الحديث عنها في كتبنا في مثل هذا المقال. وكم يعجب العاقل أن ينعدم وجود مثل هذا القول وتلك المواقف لدى أعضاء الحكومة والحزب الحاكم (قبل زوال الزّعيم) وجميع قيادات المنظمات الوطنية دون استثناء وكذا وسائل الإعلام الوطنية بإطلاق وكانت طرفا مباشرا عمليا في تطبيق ذلك الخيار بل كانت تهلل وتبارك آناء الليل وأطراف النهار... لتنقلب فجأة من النقيض الى النقيض بنفس الحماس والتأييد والتهليل والتشنيع والتشويه (ومن مدح ثمّ ذمّ فقد كذب مرتين...). ومن أولئك المشنعين أحد رفقاء حشاد أديبنا الكبير الاستاذ محمود المسعدي الرجل الأوّل من المكرّمين في هذه المناسبة من إحياء ذكرى حشاد العظيم الذي كان موضوع محاضرة الأديب والمبدع صديقنا المحبوب الدكتور محمود طرشونة، ونأمل أن نتناول جوانب من محاضرته في مقال لاحق بحول اللّه. ❊ التقرير الاقتصادي والاجتماعي للاتحاد مضمونه وتأثيراته كان موضوع تدخل الدكتور أحمد بن صالح الذي قد يجوز أن نقول عن موضعه ابتداء في تصوّر قسم من المتلقين : إنّه »القوس أعطيت باريها« كما يقول العرب أو »إنّها فرصة القول المباشر للنقابيين«. لقد تحدّث الدكتور أحمد بن صالح في الموحيات والدوافع التي حدت الى التفكير في إنجاز ذلك المشروع الصعب من منظور جدلي بحكم كونه (بن صالح) دستوريا صميما بالنّشأة والبيئة الاسرية والتربوية ثم الدّراسيّة، والحرية الفكرية والثقافية العصرية العميقة في بلاد الاستعمار المفقودتان في وطنه... أحزاب ومنظمات وقوى عتيدة ومتنوعة لمجتمع مدني ثم حياة وممارسة نقابية حظ التناقضات والصراعات داخلها غير قليل كان متهيئا لها في مدرسة حشاد الذي ألقى به في أتونها المحموم. حيث لم يحمله كلّ ذلك على نزع ثوبه وارتداء ثوبهم حزبيا ونقابيا وثقافيا أيضا، ومن هناك كانت لفتنه المأساوية لبنية الحزب الذي ينتمي اليه والذي كانت تقوده الاحداث اكثر مما يبتكرها، في صلب مذهب وفلسفة ذات أبعاد واضحة ومحدّدة يكتنفها برنامج مرحلي في ضمن برنامج طويل المدى وكان التقرير الاقتصادي والاجتماعي والبرنامج المتولّد منه الذي تقدّم الحديث عنه وما واجهه من المقاومة العنيفة ولا سيما من قبل رئيس الحزب والجناح المطلبي في الاتحاد والاتجاه الليبرالي في منظمة الاعراف اقتصاديا وزراعيا. وفي ردّ الفعل ضدّه حتى من قبل أقصى اليسار (من كونه يشوّه الاشتراكية العلمية) ما يؤكّد البعد الثوري الوطني والقومي في فكر الدكتور أحمد بن صالح. على أنّه لا جدال في هذا البرنامج أنّه كان الوحيد في العالم الثالث الذي أجاب في الإبان عن تصوّر الحركة العمالية والوطنية فيما ينبغي ان تكون عليه تونس بعد رحيل الاستعمار فيما كان العالم على بيّنة مما حدث في ذلك العالم الثالث من الاضطرابات والتطاحنات الداخلية بسبب فقدان تصوّر مرسوم لما بعد الحكم الأجنبي كما هو حال تونس إزاء الانشقاق الذي اخترق الحزب الدستوري عند إعلان الاستقلال الداخلي ودور الاتحاد وتصوّره المرسوم في البرنامج الذي عقلن الموقف في مؤتمر صفاقس نوفمبر 1955 في جوّ المصادقة على اللائحة الاقتصادية التي نسخت أو تكاد من النصّ المذكور. وقد أتى الدكتور أحمد بن صالح بكلّ دقّة وشمول على كل الجوانب المتعلقة بمضمون هذا البرنامج وتأثيراته عند الرّجوع إليه بعد التجربة الليبرالية التي توخاها بورقيبة بعد تقطيع برنامج الاتحاد وإقصاء بن صالح، وهي التأثيرات التي تجددت في عشرية الستينات. وقد عقب العالم الاقتصادي المرموق الدكتور حسين الديماسي على ذلك التدخل في محاضرة قيّمة جدّا مسجلة بالصوت والصورة في توثيقات الندوة لا غنى للباحث والقارئ عنها وسأعود إليها في عمل لاحق بحول اللّه إلى جانب من المناقشات التي تلت التدخلات المذكورة. ❊ استنتاجات ومواقف: نقط على الحروف وبعد فلعلّه من المفيد أن نستجلي مما تقدّم جملة من الاستنتاجات والمواقف: 1) إن السياق الذي تنزّلت فيه هذه الندوة وهو »التكوين النقابي والتثقيف العمالي« إنّما كان خيارا في منتهى الذكاء والملاءمة لمقتضى الحال من حيث الموضوع والهدف، والاطراف المؤتلفة حوله نوعيّة ومستوى، وهو ما يجمعه عنوانها، الندوة الوطنية حول الحركة الوطنية خلال الفترة (1952 1956) أي طرح ودرس قضية وطنية ذات بعد تاريخي خاص وخطير ذلك الذي تجسّد في التقرير الاقتصادي والاجتماعي لتلك الفترة بمختلف أبعادها. 2) واعتقادنا أنّه ما كان ليحدث ما حدث من انعقاد هذه الندوة الشجاعة (ولو أنّها متأخرة جدّا) لولا الارادة النضالية العمالية من قبل هرم قيادة المنظمة وأمينها العام على وجه الخصوص كما طفح به خطابه الافتتاحي الذي سبق الحديث عنه دون ان تغفل ما كان من استعداد وتجاوب بعض مساعديه ولا سيّما القائمين على قطاع التثقيف والتكوين كالأخوين البريكي والاخزوري فيما بذلاه من الجهد في تأمين كل الاسباب المادية والبشرية والمنهجية لانجاح هذه الندوة الحدث... 2 مكرّر) ويقيننا أنّ لأولئك من الخبرة والالمام الشامل والدقيق بالواقع النفسي والفكري والسياسي للمحيط النقابي والاجتماعي والسلطة بالدرجة الاولى. [ربّما]، ما كانت لتجازف بالإقدام على طرح هذه القضية بعد خمسين عاما من الصلابة في الطّمس والسعي الى اجتثاثها من سيرورة التاريخ. ويكفي دليل على ذلك ما تعالى من حرارة الترحيب بقدوم الأمين العام الأسبق للاتحاد الأخ أحمد بن صالح من لدن الحاضرين بهذه الندوة وفي مقدّمتهم أطر القيادات الجهوية والقطاعية وسلك التأطير والمكونين وما عدا بعض أفراد من قدماء النقابيين من بين المشمولين بالتكريم فيما أظن [وكأنّهم الاستثناء الذي يصحّح القاعدة]، ثم ما كان من الاريحية التي تراءت من تعاليق بعض الصحف وحسن تجاوبها لما حدث في هذه الندوة ولو بعد طول انتظار ولا سيّما ما صدر عن جريدة »الشعب« الغرّاء اللسان الرسمي للمنظمة، حيث لا يفوتنا ان نوفي لأسرتها الكريمة في شخص أخوينا الأستاذين مدير التحرير ورئيس التحرير خالص الشكر سابقا ولاحقا. 3) ولا غرو [في تصوّرنا] أن يقابل اعضاء الندوة الاخ الامين العام الاسبق بتلك الحفاوة والتكريم وكان قد أقصي عن التواصل مع الجماهير العمالية والشعبية منذ الانقلاب على المخطط التنموي 1962 1969 المنبثق عن البرنامج الاقتصادي والاجتماعي في سبتمبر 1969. وذلك مؤشر واضح على تطور مسيرة التثقيف والتكوين لهذا القطاع من نضال الاتحاد بفضل الاعداد الجيد للمكونين وتبادل التجارب والطرائق مع الدوائر التكوينية في البلدان المتقدّمة والتركيز على ترسيخ التفكير النقدي والمباشرة الميدانية الواعية كما سنرى من البحث الذي نزاوله في هذا المضمار. 4) لكل ذلك [في تصوّرنا] أن هذه الندوة قد نجحت بكل المقاييس بل صنعت الحدث ولا ضير أن نقول أنّها كذلك، ولو كان الحدث مجرّد الانعقاد وتطارح الموضوع في ذلك المناخ الذي تقدّم عرضه ولو أنّ هذه الندوة لم تسفر عن بيان مبدئ ذي ملامح لما يمكن التفكير في اقتراحه من الاشكاليات والابعاد وذلك اقتضاء لسؤال يطرح نفسه طوبى لعقد هذه النّدوة وبعد؟ فلو توقف الأمر عند ذلك لا قدّر اللّه لكان ما حدث ضربا من التأبين المسبق لكن ما جاء في خطاب الأخ الأمين العام يؤكد القطع بهدف العزم على المضي في ذلك التوجه المشرّف. 5) ونحن ممن يعتبر أنّ الإقرار او السكوت على سلخ مقاطع أو فترات من سيرورة تاريخ المنظمة إنّما هو عدوان على التاريخ واعتداء فضيع على الاشخاص والجماعات التي استقطبتها تلك الفترات وذلك في كنف مجتمع واع وبين قمم علميّة في مستوى عالمي كالذين حاضروا في هذه النّدوة وفي صلب الموضوع وشبيه بهذه الفترة او المقطع. هو مقطع ستينات القرن الماضي الذي امتنع الضالعون في مأساتها كل الامتناع عن درسها علميا من قبل محايدين من الدّاخل والخارج، ومن نزهاء الفنيين مما قد تكون عليه بشاعة المشهد لو أكّد البحث العادل والسليم نقيض ما سلّط على تلك الفترة من نكير الأقوال والأفعال وما نال رجالاتها من التعذيب والسجون والمنافي.