إذا ما تواصلت الهشاشة المالية للدولة وحالة الفوضى والارتباك في مجابهة وباء كورونا فإن العواقب ستكون أخطر مما هي عليه الآن ولن تتسنى السيطرة على الوضع في الفترة القادمة. فالدولة لم تُبد إلى حدّ الآن أية إرادة حقيقية لتلافي الحالة المتردية للمستشفيات ولمسالك "كوفيد" داخلها أو لتوفير مزيد من التجهيزات اللازمة ومزيد من وسائل الحماية للإطارات الطبية وشبه الطبية ومزيد من الانتدابات في القطاع. والدولة بدت في الأسابيع الأخيرة غير مبالية بتذمرات المواطنين من صعوبات التواصل مع "خدمة 190" أو من رفض قبولهم ببعض المستشفيات ومن عدم قدرتهم على إجراء التحاليل المجانية. وتزداد مخاوف التونسيين من إمكانية تواصل عجز الدولة عن خوض معركة ناجعة ضد كورونا في ظل غياب مؤشرات إرادة حقيقية لديها لتوفير اعتمادات مالية إضافية واستثنائية للقطاع الصحي ، كما حصل في كل الدول تقريبا.. إذ لا يُعرف إلى اليوم إن كانت تبرعات صندوق 18-18 والمساعدات والهبات العينية والمالية التي تلقتها الدولة من الخارج قد أُنفقت فعلا في القطاع الصحي أم وقع تحويل وجهتها إلى نفقات أخرى، وهذا دون احتساب اعتمادات الميزانية الأصلية لوزارة الصحة.. ولا يُعرف إن كانت وزارة المالية قد قامت بتحويل اعتمادات استثنائية لميزانية وزارة الصّحة أم لا. وعلى صعيد آخر، لم تبذل الدولة إلى حدّ الآن أية جهود تذكر للتعاون مع القطاع الخاص في ما يتعلق بالتحاليل وإقامة المصابين. حيث ظلت الأسعار في المصحات والمخابر الخاصة مرتفعة جدا ولا تقدر عليها إلا فئة معينة من التونسيين وتحول علاج كورونا في القطاع الخاص إلى "سوق" للتمعش من آلام ومآسي الناس ولم تتدخل الدولة للمراقبة أو لتوفير دعم مالي لمن يضطر للتوجه إلى القطاع الخاص.. ولم تبذل الدولة أيضا جهودا لمزيد الضغط على أسعار مواد التعقيم والكمامات غير مبالية بعجز الفئات الفقيرة وتلاميذ العائلات المعوزة على تحمل نفقاتها.. ولم تبذل الدولة جهودا لتنظيم تلاقيح النزلة الموسمية لمستحقيها، حيث اكتفت بتوفير 150 ألف تلقيح وقع استهلاكها في ظرف يوم واحد بطريقة اعتباطية دون أن تستفيد منها الأطراف التي في حاجة أكثر من غيرها للتلقيح. اليوم، ورغم الوضع المالي الصعب للدولة، إلا أنه لا خيار أمام الحكومة ومن ورائها وزارة الصحة ووزارة المالية غير تدارك حالة "الهشاشة المالية" في مواجهة الوباء في أسرع وقت ممكن والتحلّي بالجدية وبالإرادة الحقيقية لتوفير اعتمادات مالية استثنائية للقطاع الصحي بكل الوسائل المتاحة.. وعلى الدولة أن تعمل أيضا على توجيه التبرعات والهبات والمساعدات بشكل فعلي وشفاف إلى القطاع الصحي وليس إلى مجالات أخرى وأن تضغط على النفقات غير الضرورية في الوزارات والهياكل العمومية الاخرى وتحولها إلى ميزانيات المستشفيات، وإن لزم الأمر تحويل جانب من اعتمادات ميزانية التنمية للقطاع الصحي..أما مواصلة التعامل مع الوباء بالجهود المالية الحالية فإنه سيزيد من تفاقم الوضع نحو الأسوأ. فاضل الطياشي