هل جبلت بعض أحزاب المعارضة على الشكوى والتباكي في كل الظروف والأحوال؟ وهل أن المعارضة في قاموس البعض تعني نفي كل شيء والاصرار على الهتاف ضد الظلام حتى والشمس في كبد السماء؟ وهل تعني المعارضة التقوقع والتنكر لكل شيء بما يحولها الى نوع من جلد الذات؟ أسئلة تطرحها بإلحاح مواقف البعض ممن يمكن نعتهم ب»محترفي المعارضة» الذين «لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب» ويجدون لذة في التباكي بدون موجب وفي الصراخ بدون سبب... هؤلاء وجدوافي انطلاق الحملة الانتخابية مجالا خصبا لإطلاق العنان لنزعاتهم البكائية التي تجعلهم يصورون الأمور على غير حقيقتها وتجعلنا نتساءل ان كانوا فعلا يملكون عقولا يميزون بها وآذانا يسمعون بها.. وان كانوا أصلا يعيشون الواقع كما يجب ان ينظر اليه بموضوعية وليس كما تصوره أنفسهم المريضة أو حساباتهم السياسوية الضيقة.. والضيقة جدا. فقد تعالت بعض الأصوات، في مسعى لا يفسّره الا اصرار مبيت على محاولة إفساد أجواء العرس الديمقراطي الذي تعيشه بلادنا، وذلك من خلال الشكوى من «الحيف» المسجل في تعاطي الاذاعة والتلفزة مع الحصص الممنوحة للأحزاب.. بحيث يتباكى هولاء على «ضعف حصتهم» مقارنة بتلك الممنوحة لمرشحي التجمع في الانتخابات التشريعية.. وهو ما يعني حسب هؤلاء وجود اختلال في الميزان لفائدة التجمع وعلى حساب مرشحي أحزاب المعارضة... ولأن الأرقام تبقى سيدة الأدلة فإنها تغرينا باستنطاقها والغوص في مدلولاتها.. وبلغة الأرقام فإن مجمل الوقت المخصص لحملات كل القوائم في الاذاعة والتلفزة يبلغ 840 دقيقة بمعدل 5 دقائق لكل قائمة من ال168 قائمة المتقدمة للتشريعية.. وبعملية حسابية بسيطة نجد أن التجمع الدستوري الديمقراطي سوف يتمتع ب130 دقيقة (26 قائمة * 5 دقائق) وهو ما يعني تخصيص نسبة 15.47 فقط من الوقت المخصص لكامل القائمات فيما ستحظى قوائم أحزاب المعارضة مجتمعة نسبة ال84.53 المتبقية والتي تمثل الأغلبية الساحقة من الوقت المخصص للحملات الدعائية.. فلماذا يشتكي هؤلاء؟ وأين يرى محترفو البكاء السياسي انخرام الميزان لفائدة التجمع؟ ولماذا لا يحاولون اشعال الشموع بدل التمادي في لعن الظلام حتى وان لم يكن موجودا الا في عيونهم؟ نقول هذا مع يقيننا بأن كل نظام انتخابي في العالم مهما بدا مكتملا فإنه يبقى قابلا للتحسين ولمزيد التطوير... ويكفي أن نذكر تجربة بعض البلدان العريقة في المجال والتي تحدد نسبة الحصص لكل حزب على ضوء عدد المقاعد التي يحوز عليها في البرلمان، لندرك أن النظام المعمول به في تونس لتحديد الحصص الاذاعية والتلفزية هو نظام أكثر تطورا وأكثر عدلا لأنه يساوي بين الجميع ويمنح الكل نفس الحظوظ ويسمح بأن يظفر الحزب الحاكم ب15 فقط من الوقت المخصص للحملات الدعائية، في حين تظفر أحزاب المعارضة بنسبة ال85 المتبقية.. وهي أرقام ذات دلالة وتنصف التجربة التونسية في هذا المجال وإن كره البعض ممن يحترفون المعارضة العمياء والذين يبقون قلة قليلة والحمد لله مقارنة مع أغلبية أحزاب المعارضة التي تقبض على هذه الفرصة لمحاولة التعريف ببرامجها وكسب المزيد من المؤيدين دعما للتجربة الديمقراطية التونسية وتكريسا لعقلية التعدد والاختلاف النزيه والبناء.. وهو الدرس الذي يريد رئيس الدولة تمريره من خلال هذا العرس الديمقراطي وصولا لإرساء حياة سياسية أرقى.