الصيام من اقوى الوسائل لتهذيب النفوس وكبح شهواتها وتقويم عاداتها لبلوغ هذه الغاية النبيلة غير انه تختلف اوضاعه وطرقه على حسب تفاوت النفوس في توجيهاتها الخلقية مراعيا في ذلك تطبيق المصالح في كل زمان ومكان كما تقتضيه حكمة اللطيف الخبير، الله اكبر ما اعظم شهر الصيام يحتفل الله به في السماوات اظهارا لفضله واشادة بجزيل ثوابه، فتفتح بقدومه ابواب الجنان وتغلق ابواب النيران وتصفد فيه الشياطين ونادى مناد يا باغي الشر اقصر، ما اعظم هذا الاحتفال الرباني بهذا الشهر المبارك، انه موسم القرب والرضى، انه متنزلالمغفرة والرحمة فيه تتجلى المجاهدة للنفس وتتحقق المراقبة لله السميع البصير، حيث يمسك الصائم من ملاذه ويفطم نفسه عن شهواته خوفا من الله الذي يعلم به ويراه في سره ونجواه ولذا جاء في الحديث القدسي: يقول الله تعالى: {كل عمل ابن آدم له الا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي}. ولعل هذا الجزاء الاوفى الذي جعله الله له هو سر اضافته اليه فقد فرض صيام رمضان على عباده فخيرهم بادئ ذي بدء بين الصيام والطعام على سنة التدرج في التكاليف الشرعية فقال: {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين}. فلما ألفته النفوس وتهيأت للالتزام به وأشرقت لها أسرار تشريعه اوجب سبحانه الصيام عليهم قادرين مقيمين فقال تعالى: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه}. وعذر المريض والمسافر والحامل والمرضع اذا خافتا على ولديهما فرخص لهم في تركه مع ايجاب القضاء تحقيق لسماحة هذا الدين الحنيف وسره الملموس فقال تعالى: {فمن كان منكم مريضا او على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}.