في النصف الأول للمشهد العربي هناك دول تهرول للتطبيع... وهناك انكسار رسمي وحالة عجز وهوان غرقت بموجبها كل الأنظمة وحتى الشعوب العربية في وحل مشاكلها ومعضلاتها الداخلية... وبالنتيجة تحوّلت قضية العرب الأولى، قضية فلسطين، التي سال من أجلها الدم العربي مدرارا في مختلف محطات الصراع إلى مسألة ثانوية جدا... وتحول التطبيع مع محتل الأرض والمقدّسات هاتك عرض الشعب الفلسطيني الشقيق إلى مسألة فيها نظر ليهرول بعض العرب لمصافحة مصّاصي الدم الفلسطيني والعربي ويديروا ظهورهم للأشقاء تحت لافتة سلام مزعوم وبوهم دعم السلام مع الصهاينة وكأنما كانت هذه الأنظمة قد خاضت الحروب والمواجهات مع الصهاينة نصرة لفسطين وانتصارا لقضية تبقى قضية العرب الأولى ولو كره المطبّعون. لكن في النصف الثاني للمشهد هناك ما يثلج الصدر وهناك ما يشعل شموع الأمل... وهناك ما يؤكد أن القضية الفلسطينية لا ولن تموت طالما أن مئات الملايين من المواطنين العرب من مراكش إلى البحرين يحملونها في صدورهم ولا يبخلون عليها بالغالي والنفيس. وطالما أن الأقصى الشريف يسكن عقول ووجدان الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج وطالما أن قلوب العرب الشرفاء ونحسبهم الأغلبية العظمى على امتداد الجغرافيا العربية تنبض قلوبهم بحب فلسطين وهم جاهزون للتضحية لأجل فلسطين. ومشاهد الهبّات الشعبية والتحرّكات الجماهيرية الحاشدة التي تشهدها جل الدول التي طبعت أنظمتها... وكذلك استطلاعات الرأي التي أظهرت مزاجا عربيا رافضا للتطبيع، كل هذه العوامل تؤكد أن التطبيع مع الصهاينة وإعطاءهم صكّ «السلام والغفران» مجّانا ودون تحقيق مطلب إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف هو في طريق مسدودة... ولا أفق ولا مستقبل أمامه لأن الحسم في الأخير تملكه الشعوب ويقرره انحياز الجماهير العربية وانتصارهم لقضيتهم المركزية قضية تحرير فلسطين... وطال الزمن أم قصر سوف تعود المبادرة الى هذه الشعوب التي سوف تحسم وتقرر وتصمد حتى تحقيق المطالب العادلة للشعب الفلسطيني. ليس هذا فقط. بل إن الإرادة الشعبية العربية تستند إلى إرادة صلبة ومصمّمة عبّرت وتعبّر عنها المقاومة الفلسطينية التي نظمت يوم أمس في غزة مناورة مشتركة شكلت أقوى وأوضح رسالة الى الصهاينة.. مفادها أن «حلمهم» بالاستفراد بالشعب الفلسطيني وبإطفاء جذوة وروح المقاومة هو من قبيل «حلم ابليس بالجنّة»... ومفادها أن في أهل القضية حماة الوطن رماح يمكن وقت الحاجة أن تذود عن الأرض وعن العرض ويمكن أن تقارع الصهاينة وتلحق بهم الهزيمة كما تجرعوا كأسها على أيدي رجال المقاومة اللبنانية الأشاوس. وفوق هذا فإن الشعب الفلسطيني الذي يتألم للخذلان الرسمي العربي يلتقط جيدا نبض المزاج الشعبي العربي الرافض لهذه الخيانات ويستند إليه في مواصلة مشواره النضالي حتى دحر الاحتلال واستعادة حقوقه كاملة في التحرير والعودة... وحتى رفع العلم الفلسطيني على أسوار القدس وعلى مساجد القدس وعلى مآذن القدس كما صدع بذلك ذات يوم الزعيم الرمز ياسر عرفات رحمه الله . عبد الحميد الرياحي