بالتوازي مع تطور الوضع الوبائي نحو الأخطر، بدا واضحا أن الحكومة تواجه اليوم مأزقا صعبا للغاية يُحتّم عليها واحدا من خيارين أحلاهما مُرّ: إمّا إقرار الحظر الصحي الشامل وما سيؤدي إليه من شلل وركود اقتصادي وإضرار بالفئات الفقيرة والمتوسطة، أو الاكتفاء بمواصلة العمل بالإجراءات المتخذة إلى حدّ الآن والتي لم تكن كافية لمنع انتشار العدوى مع إمكانية إضافة إجراءات أخرى مثل الحظر الموجه.. نظريا، كان بإمكان الإجراءات المذكورة الحدّ بنسبة كبيرة من انتشار العدوى، لكن في أرض الواقع حصل العكس. فشق كبير من المواطنين بدا غير مبال بالخطر وغير ملتزم بالوقاية، والحكومة لم توفر الظروف الملائمة لتفعيل هذه الإجراءات على غرار مساعدة المتضررين من الغلق وردع عدم ارتداء الكمامة وتوفير أسباب التباعد والوقاية في وسائل النقل والأسواق ومؤسسات الخدمات العمومية والمدارس والمعاهد والجامعات ومزيد العناية بقطاع الصحة.. وفي اليومين الأخيرين وبمجرد أن راجت أخبار حول امكانية اقرار الحظر الصحي الشامل، أصاب الرعب الخوف عديد المواطنين والناشطين الاقتصاديين خاصة الفئات التي سبق أن «دمّرها» الحظر الشامل في مارس وأفريل وماي من العام الماضي ومازالت تعاني المخلفات إلى اليوم. فالحكومة لم تكن صادقة عندما وعدت بمساعدة كل من تضرر من ذلك الإجراء و عديد القطاعات الاقتصادية لم تقدر إلى الآن على استرجاع عافيتها. في المقابل يُخيم خوف ورُعب آخران نتيجة ارتفاع نسق العدوى بالفيروس وخاصة نتيجة فقدان المواطن الثقة في المنظومة الصحية العمومية الهشة والضعيفة وعدم قدرته على تحمل نفقات العلاج في القطاع الخاص. وتفاقمت هذه المخاوف في الآونة الاخيرة في ظل ما يتردد عن تأخر تونس – عكس عديد الدول الأخرى - عن الحصول على لقاح كورونا، والذي قد يطول انتظاره فترة اخرى وسيواصل خلالها الفيروس مزيد الفتك بالتونسيين.. اليوم، وبعد مرور أكثر من 3 أشهر على بداية الموجة الثانية من كورونا، بدا واضحا أن الحكومة فشلت في التعاطي مع الوباء على عدة مستويات. فوضعية المستشفيات ظلت على حالها من حيث نقص التجهيزات والأَسرّة و الإطارات الطبية وشبه الطبية ووسائل الوقاية للعاملين فيها وأسعار الكمامات ومواد التعقيم ظلت مرتفعة ولم تقدر عليها عديد الفئات دون ان تتدخل الدولة لتعديلها ووسائل النقل العمومي بقيت مكتظة للغاية دون أن تسعى الحكومة لإيجاد حلول لها. اليوم، وفي ظل التخوف من الحظر الصحي الشامل ورفضه من أغلب فئات المجتمع بسبب عدم قدرتها على تحمل تبعاته وعدم قدرة الدولة على امتصاص آثاره، ستجد الحكومة نفسها أمام حتمية مواصلة العمل بالاجراءات الحالية. غير أن ذلك يتطلب فرض تطبيقها بأكثر صرامة دون تقييد حرية الناس في التنقل والعمل، ومزيد دعمها بإجراءات إضافية والتفكير في إيجاد حلول لكل أشكال الاكتظاظ دون منع المواطن من قضاء شؤونه.. وعلى الحكومة أن تتحمل أيضا كامل المسؤولية في التعجيل بتحسين وضعية المستشفيات لمجابهة أي ارتفاع محتمل في الإصابات وخاصة مسؤوليتها في التسريع بتوفير اللّقاح.. فاضل الطياشي