رئيس الجمهورية يقرر ان يتضمن مشروع الأمر المتعلق بمنع المناولة حلّ شركة الاتّصالية للخدمات وانتداب أعوانها    عملية زرع كبد ناجحة في مستشفى فطومة بورقيبة بالمنستير    بن عروس : المصالح الطبية البيطرية تواصل برنامجها الميداني للمراقبة الصحية للاضاحي    نتنياهو: الثمن الذي ندفعه في الحرب باهظ    الحجاج يستعدون لقضاء يوم التروية غدا الأربعاء    جالة الطّقس ليوم الأربعاء 4 جوان 2025    وزير الخارجية يسلم الرئيس الفنلندي دعوة من رئيس الجمهورية لزيارة تونس    انتخاب لي جاي-ميونغ رئيسا لكوريا الجنوبية    اشتكته فاطمة المسدي .. 37 سنة سجنا في حقّ شاب    آخر جوائزها من غزّة ... وداعا... سيدة المسرح سميحة أيوب    برنامج استثنائي للنقل    تفكيك شبكة لبيع أدوات الكترونية للغش في البكالوريا    رئاسة الحكومة تحدّد عطلة العيد    صفاقس .. اليوم الثاني من الباك في جبنيانة .. الاختبارات في المتناول والتركيز مفتاح النجاح    ماذا في لقاء رئيس الجمهورية بوزير الدفاع؟    لماذا سرق التمثال الشمعي للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من المتحف بباريس؟    عاجل/ غزة: استشهاد العشرات في إطلاق نار قرب مركز لتوزيع المساعدات    حذاري من حجر الأساس للتطبيع مع الصهيونية    المعهد الفرنسي بتونس ينظم قراءة شعرية لمجموعة "فلسطين متشظية"    رابطة حقوق الإنسان تستنكر الجريمة "الشنيعة" التي أودت بحياة مهاجر تونسي جنوب فرنسا    عاجل: فريق من البياطرة على ذمة المواطنين يوم العيد: التفاصيل    صفاقس.. لحم الخروف ب68 دينارا و البلدية تشن حملة على" الجزارة"    نابل.. حركة بطيئة في أسواق الأضاحي وسط تذمر من غلاء الأسعار    عاجل: الحكومة تُعلن جملة من الإجراءات الاستباقية للموسم الفلاحي القادم    في ندوة دولية حول مكافحة الفساد في الرياضة: سوء التصرف المالي صلب الجامعات والجمعيات والتلاعب بالنتائج ابرز تجليات الفساد الرياضي في تونس    معهد تونس للفلسفة يصدر مرجعا بيبليوغرافيا لفائدة المختصين    ''يجيش لبالك فوائد العظم المصموط في فطور الصباح''... تعرف عليها    عطلة بيومين بمناسبة عيد الإضحى    ''علاش ما هوش باهي'' تنظيف المنزل في يوم عرفة؟ تعرف على السر وراء هذه العادة التونسية    تعرّفوا على أيّام التشريق في الحجّ    في لحظة إنسانية مؤثرة: تلميذة باكالوريا تجتاز الامتحان على سرير المستشفى    متى يكون الوقت المثالي لشواء لحم العيد؟ دليل ونصائح للتونسيين    عاجل/ باكالوريا 2025: تلميذ يُنهي الامتحان في مصحة خاصة    وزارة التربية تتابع ظروف سير الامتحان في يومه الثاني    دراسة جديدة.. الطريق لعلاج أوجاع الركبة يبدأ من الأذن    ترتيب الفيفا: المنتخب الوطني يرتقي في الترتيب العالمي    بشرى سارة لمتساكني هذه الجهة: افتتاح نقطة لبيع الموز المورد والسكر المدعم بهذه السوق..    30 شهيدا فلسطينيا في استهداف اسرائيلي قرب مركز مساعدات بغزة    عاجل/ العثور على جثة طفلة عمرها 5 سنوات متفحّمة داخل كومة تبن..    كيريوس ينسحب من بطولة ويمبلدون بسبب الإصابة    بعد الانتصار على بوركينا فاسو... المنتخب التونسي يحقق تقدمًا جديدًا في ترتيب الفيفا    هل يجوز صيام يوم العيد؟    في المحرس: افتتاح معرض سهيلة عروس في رواق يوسف الرقيق    الدورة الثامنة للمعرض الدولي لزيت الزيتون من 12 الى 15 جوان الجاري بسوسة    هام/ الهيئة الوطنية للسلامة الصحية تقدم جملة من التوصيات الوقائية لضمان سلامة الأضاحي..    تنفس... ركّز... وأقرى مليح!    عبد السلام العيوني يحطم رقمه الشخصي في ملتقى باريس لألعاب القوى    ياسين القنيشي يحرز فضية مسابقة دفع الجلة لفئة في ملتقى باريس لألعاب القوى    خطير/ دراسة تحذّر: "الخبز الأبيض يسبّب السرطان"..    جريمة قتل تونسي في فرنسا: وزارة الداخلية تصدر بلاغ هام..#خبر_عاجل    زلزال بقوة 5.8 درجات يضرب تركيا قبالة سواحل مرمريس..وهذه حصيلة الضحايا..#خبر_عاجل    مبادرة إنسانية في جبنيانة: سائق نقل ريفي يرافق تلاميذ البكالوريا مجانًا    كأس العالم للأندية: تشلسي يدعّم صفوفه بالبرتغالي إيسوغو    عودة منتظرة: المسبح البلدي بالبلفيدير يفتح أبوابه للعموم بداية من هذا التاريخ    أبرز ما جاء في لقاء رئيس الدولة برئيسة الحكومة..    أغنية "يا مسهرني" تورطه.. بلاغ للنائب العام المصري ضد محمود الليثي    أولا وأخيرا .. من بنزرت لبن قردان    المؤرخ التونسي عبد الجليل التميمي يفوز بجائزة العويس الثقافية    









رواية "أحاديث جانبية" لرياض خليف ج (1\3): سيدي بوزيد... موضوعا روائيا!
نشر في الشروق يوم 26 - 02 - 2021

عنوان: ( أحاديث جانبية) و هو الكتاب الثّامن في مجمل منشوراته. حيث سبق له أن عزّز المكتبة الأدبية بمجموعتين قصصيتين حملت أولاها عنوان: ( هنا لندن... ذات مساء) أما الثانية فحملت عنوان: ( صالح البغدادي). كما نشر رواية أولى حملت عنوان: ( علّالة الزّيني) و هذه هي روايته الثانية محلّ اهتمامنا اليوم و التي اختار لها من العناوين : ( أحاديث جانبية).
أمّا في مجال النقد، فقد نشر أربعة كتب هي: ( قراءات في أدب ناجي الجوّادي) و ( سعيد مهران ... نبوءة الرّواية) و هو رؤية نقدية لرواية "اللصّ و الكلاب" لنجيب محفوظ. كما نشر كتابًا حمل عنوان : ( مدخل إلى شعر عامر بوترعة) إضافة إلى نشره لكتاب حمل عنوان : ( لا ثقافة بالحراسة ...) و تضمّن نصوصًا عن المشهد الثقافي.
و إلى جانب هذه الغزارة النّسبية في الانتاج الأدبي، فإن رياض خليف هو باحث ودكتور في اللغة و الأدب العربي بكلية الآداب بالقيروان ، اختصاص سرديات. كما أعدّ أطروحة الماجستير حول حوارية خطاب الرّواية في ( ليلة الإفك ) للمنصف الوهايبي دون أن يثنيه كلّ ذلك عن المساهمة الجديّة و الفاعلة بورقات نقدية و بحثية في ندوات و ملتقيات مختلفة. و هذا إن دلّ على شيءٍ فإنّه يؤكّد لنا درجة النّشاط التي تسكنه لتبيّن لنا مدى عشقه للفعل الأدبي بصفة عامة.
أعود الآن إلى رواية: " أحاديث جانبية " لأشير إلى أنّها جاءت في أربع و خمسين و مائة صفحة من الحجم المتوسط و قُسّمت أحداثها على إحدى عشرة فصلًا اختار الكاتب عنونتها. لينطلق السّرد في فصل أوّل مجزّء إلى سبعة مقاطع. وحمل عنوان: " سكاكين". أمّا الفصل الأخير في الرّواية فقد حمل عنوان : ( صيد في المياه العكرة). و لا أظنّ إلاّ أنّ هذه العناوين و ترتيبها قد خضع إلى منهجية واضحة تسكن الكاتب و حاول جلب انتباه القارىء إلى أهدافها و مقاصدها. لذلك وجدتني أصرّ على فكّ شفرة العلاقة التي تربط بين العنوان الأوّل و الأخير في الرّواية. و هو أمر قد تختلف الإجابة عنه من قراءة إلى أخرى حتّى لدى نفس الشّخص.
و لتقريب مناخات الكتابة الأدبية لدى رياض خليف في هذه الرّواية، سأحاول قدر المستطاع التّوقّف عند بعض العتبات ، محاولا التقاط و لو نسبة قليلة من المفاتيح التي قد تساعدني على فتح بعض مغالق و تأويلات هذا العمل الأدبي.
و لأنّ أوّل علاقة تحصل للقارئ مع الكتاب تكون من خلال الغلاف الخارجي، أشير إلى أن تصميمه و إخراجه الفني قامت به الفنّانة وديعة قليوز، و التي أرى أن عملها كان موفّقا. حيث أشعر أنّها نجحت في جلب انتباه القارئ ، سواء من خلال الألوان التي تزيّنت بها لوحة الغلاف ، أو عن طريق اختيارها لكتابة اسم الكاتب و عنوان الرواية بالأبيض و الأسود. و هي كما نعلم ليست ألوانًا ، بل هي قيمة. و هذا يمنحنا شرعية التّفسير و التّأويل أيضًا.
و الأمر الثّابت في كلّ ما تقدّم، هو أنّ الفنّانة وديعة قليوز، نجحت من خلال تصميمها في شدّ انتباه القارئ ، و دفعته إلى متابعة الأحداث بلهفة، و ذلك لما تمنحه لوحة الغلاف كاملة من إمكانيات رحبة للتّحليق عاليًا في دنيا الخيال دون قطع الصّلة مع واقعنا المعاش بصفة عامّة.
بعد هذا الاغراء الذي يمنحه غلاف الكتاب، يجد القارئ نفسه أمام تقديم الرّواية، و الّذي كتبه الرّوائي محمد الجابلّي و اختار أن يعنونه ب: ( فيض من غيض أو " عباءة مُهترئة ") و هو اختيار لا بدّ أنّه يزيد من لهفة القارئ للاطّلاع على الأحداث.
و هنا أكاد أجزم أنّني عادةً ما أرجئ قراءة نصّ التّقديم إلى ما بعد انتهائي من مطالعة أحداث الرواية و ذلك حتّى تسلم قراءتي من أيّ تأثير خارجي. و لذلك تكون اختياراتي لبعض الفقرات من هذا التّقديم خاضعة أساسًا لوظيفة دلالية تخصّ استنتاجاتي، و تأويلاتي للنصّ الابداعي و التي قد لا تتوافق أحيانًا مع ما ذهب إليه المُقدّم. هذا دون أن أنسى تلك النّصوص التّقديمية التي تطغى عليها المجاملات، و هو الأمر الّذي يسيء إلى العمل عادةً.
أعود إلى تقديم الأستاذ محمد الجابلّي، لأختار أوّلاً هذه الفقرة التي قال فيها:
( سيدي بوزيد "المبتدأ و الخبر "، مدينة الثورة كما وسمها البعض و قدّرت الحكاية أن تكون شاهدة على مسارات متعرجة فيها مفارقات ساخرة لكنها سخرية مثقلة بأوزار الحقيقة المرّة هي من قبيل الرصانة الفاجعة تلك التي وسم بها « أدونيس » سخرية أبي العلاء في غفرانه.). ( ص : 5)
فهل نحن مقدمون على مطالعة عمل روائيّ يتحدّث بسخرية هادفة عمّا آلت إليه الأوضاع في مدينة الثّورة؟ أم إن العمل الرّوائي سيحدّثنا عن الالتواءات و التعرّجات التي فرضت مثل هذه النّتائج الكارثية للواقع المعاش؟
و حتّى يكون لهذه الأسئلة معاني إضافية، أرى أنه من المفيد الإشارة إلى تلك الجملة الدّقيقة و البليغة أيضًا. حيث نرى محمد الجابلّي يتساءل في موقع لاحق(... أليست الرّواية هي تاريخ من لا تاريخ لهم كما ارتأى البعض؟) ( ص :6)
و هنا تجدني أتساءل: هل إن تاريخ الشّعوب نلامسه و نتابع تفاصيله من خلال كتب التاريخ أم بتذوّق و متابعة الانتاجات الابداعية و الفنية بصفة عامة؟ خصوصًا إذا سلّمنا بأنّ التّاريخ يكتبه المنتصرون. كما أنّ هذا التّاريخ غالبًا ما يذكر القادة و الزّعماء، و يتناسى كليًّا دور الشّعوب في البناء.
و بناءً على ما تقدّم يُصبح للفقرة القادمة و المنتقاة من نصّ الإهداء عدّة معاني ممكنة. حيث يقول الجابلّي:
" رواية تقول إننا في « زحامنا الثوري » فقدنا براءتنا و إنّ « العباءة المهترئة » لا قدرة لها على ستر عورتنا، « أحاديث جانبية » هي من صميم خطابنا المغيّب، حين غيّبنا الفكر و المعرفة و الابداع و انسقنا وراء راقصي المشهد المسطّح و راقصاته ذاك الذي غاب منه الخيال و الحلم و غابت منه الممكنات ... ) ( ص :8)
الأكيد و أن كل هذه الآراء تخصّ أساسًا الأستاذ محمد الجابلّي و التي قد يُسلّم بها البعض و يرفضها آخرون، لكن الثّابت أنّه كان منحازًا للمستضعفين في هذه الأرض و الّذين تنساهم عادةً كتب التّاريخ. و يتأكّد هذا الأمر بعد الاطلاع على تلك الجملة الأخيرة التي ختم بها تقديمه و قال فيها:
(ختاما نذكر بما قاله الكاتب الألماني « غنتر غراس » في حفل تتويجه بجائزة نوبل: « قدر الكاتب الحقيقي أن يقف دوما في صف الخاسرين ... لأن صف الخاسرين هو صف الحقيقة المغيبة في التاريخ البشري ...) ( ص : 9).
و يلاحظ معي القارئ أن كل هذه المواقف و الاستنتاجات المدسوسة داخل نصّ التّقديم تدفع القارئ أساسًا إلى متابعة الأحداث بتركيز كبير و شغف متواصل. ويحصل هذا سواء اطّلع على نصّ التّقديم قبل مطالعة الرّواية أو بعد انتهائه من قراءتها.
كما أرى أن نصّ الاهداء جاء مفعمًا بالمعاني رغم قصره، و دافعًا إلى التّسلّح بالانتباه قصد متابعة أحداث الرواية التي صرت أطمح من خلالها إلى تبيّن مواقع السّقوط حتّى أتفاداه. فهل سأنجح في هذا المسعى؟ و هل سيعينني متن الرّواية على تفادي السّقوط؟
و هذا هو نصّ الاهداء: ( ... إلى أصدقاء لم يسقطوا بعد) ( ص : 11)
فهل أكون حقيقةً من ضمن المقصودين بهذا الاهداء ؟
؛ رياض خليف


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.