من أجل تبييض الأموال...تأجيل محاكمة عبد الكريم سليمان    أمام وزارة النقل... «التاكسيستية» يتمرّدون    بوعرقوب: مدرسة المهاذبة تحتضن يوما تحسيسيا حول ترشيد استهلاك الطاقة    سوسة: حريق بغرفة محرك القطار    ضغوطات جماهيرية لاجراء انتدابات «عالمية»... كيف سيتصرّف الترجي في مليارات المونديال؟    الإطاحة ب'الشبح': منحرف خطير اقترف سلسلة سرقات طالت رجال أعمال وأطباء    المهدية... في اختتام شهر التراث.. «الجبة» واللّباس «المهدوي» في قائمة «اليونسكو»    خلال الحفل السنوي بفرنسا...تتويج تونسي في مهرجان «كان» السينمائي    عزلة نتنياهو في زمن التحول.. هل بدأ ترامب رسم شرق أوسط جديد بلا ظل إسرائيلي؟    من الصحة إلى الطاقة: تونس تطلق سباقًا ضد الزمن لاستكمال المشاريع الوطنية    تطور نسبة الأمية في 10 سنوات    موعد رصد هلال ذي الحجة    الجيش المصري يعلن سقوط طائرة عسكرية ومقتل طاقمها    نجاح أول عملية قسطرة عبر منصة "نجدة" الرقمية لمرضى القلب في ولاية مدنين    صيف 2025 أكثر سخونة من المعتاد في تونس.. #خبر_عاجل    عاجل/ مدنين: احتراق شاحنة ليبية بالكامل    عاجل/ فرنسا وبريطانيا وكندا يهدّدون باتّخاذ إجراءات ملموسة ضد الإحتلال    تصريح مؤثّر من والد رحمة لحمر بعد الأحكام الأخيرة في القضية.. #خبر_عاجل    انطلاق التسجيل في رياض الأطفال البلدية للسنة التربوية المقبلة    مدنين : احتراق شاحنة ليبية    قابس: وفرة في عدد الأضاحي مع انخفاض أسعارها مقارنة بالسنة الفارطة    احتقان الأنف عند الأطفال: الأسباب والعلاج    كأس افريقيا للاندية الفائزة بالكؤوس لكرة اليد سيدات.. الجمعية النسائية بالساحل تفوز على اوتوهو الكونغولي    إصدارات.. الحكاية الشعبية لتنشيط الشباب واليافعين    لطيفة تستعد لألبوم صيف 2025 وتدعو جمهورها لاختيار العنوان    التكييف Autoأو Fan Onأيهما الخيار الأفضل؟    النادي الإفريقي.. بلاغ عن لجنة الإشراف على الجلسات العامة والمنخرطين    عاجل/ الكشف عن موعد انطلاق بطولة الموسم القادم والسوبر    وزارة العدل: اعتمدنا الشفافية والنزاهة في مناظرة الخبراء العدليين    عاجل/ بعد حصار لأكثر من شهرين: شاحنات مساعدات تدخل غزّة وهذا ما تحمله    عاجل/ غزّة: الاحتلال يهدّد بهجوم غير مسبوق والآلاف ينزحون سيرا على الأقدام    حجز 915 كغ من الدجاج المذبوح غير صالح للاستهلاك.. #خبر_عاجل    الكاف: تأخّر منتظر في موعد انطلاق موسم الحصاد    مع ارتفاع درجات الحرارة... اليك بذور طبيعية لترطيب الجسم    لهذا السبب فلاحوا تطاوين يعترضون على التسعيرة الرسمية لبيع الأضاحي بالميزان    الخطوط التونسيّة تؤمن 44 رحلة لنقل 5500 حاج خلال موسم الحج    تزوجته عرفيا: تونسية تخفي جثة زوجها بوضع الملح عليه وتفر..تفاصيل ومعطيات صادمة..!    هذا موعد رصد هلال شهر ذي الحجة..#خبر_عاجل    النهائي يشتعل: النادي الإفريقي يواجه الاتحاد المنستيري بتحكيم مصري    رصد هلال ذو الحجة 1446 ه: الرؤية ممكنة مساء هذا التاريخ    الصحة العالمية: مليونا شخص يتضورون جوعاً في غزة    بنزرت: لا اختطاف ولا احتجاز.. توضيحات رسمية بشأن واقعة أطفال منزل عبد الرحمان    الحج 2025 الخطوط التونسية رحلات مخصصة وامتيازات استثنائية في نقل الأمتعة    هام/ غدا: جلسة عامة بالبرلمان للنظر في هذا القانون..    رابطة ابطال اسيا 2 : التونسي فراس بلعربي يقود الشارقة الاماراتي للقب    تواصل اضطراب الرحلات في مطار أورلي لهذا السبب    فياريال يصدم برشلونة في يوم احتفاله بلقب الليغا    لا تُضحِّ بها! هذه العيوب تُبطل أضحيتك    اليوم : انطلاق امتحانات الثلاثي الثالث للمرحلة الابتدائية    ترامب يعرب عن "حزنه" إزاء إصابة بايدن بالسرطان    أشغال بالطريق السيارة أ1 جنوبية ودعوة السائقين إلى الحذر    تصنيف لاعبات التنس المحترفات: أنس جابر تتقدم مرتبة واحدة    طقس الاثنين: ارتفاع في درجات الحرارة    هكذا هنّأت النجمة يسرا الزعيم عادل إمام بيوم ميلاده    'كعكة الرئيس'.. فيلم عراقي يحاكي حكم صدام بمهرجان 'كان'    من تجب عليه الأضحية؟ تعرّف على الشروط التي تحدّد ذلك    النسخة 29 من "الكومار الذهبي للجوائز الأدبية"/ بالأسماء..الاعلان عن قائمة المتوجين في المسابقة..    الفرجاني يؤكد استعداد تونس للعمل مع منظمة الصحة العالمية في مجال تصنيع اللقاحات    









رواية "أحاديث جانبية" لرياض خليف ج (1\3): سيدي بوزيد... موضوعا روائيا!
نشر في الشروق يوم 26 - 02 - 2021

عنوان: ( أحاديث جانبية) و هو الكتاب الثّامن في مجمل منشوراته. حيث سبق له أن عزّز المكتبة الأدبية بمجموعتين قصصيتين حملت أولاها عنوان: ( هنا لندن... ذات مساء) أما الثانية فحملت عنوان: ( صالح البغدادي). كما نشر رواية أولى حملت عنوان: ( علّالة الزّيني) و هذه هي روايته الثانية محلّ اهتمامنا اليوم و التي اختار لها من العناوين : ( أحاديث جانبية).
أمّا في مجال النقد، فقد نشر أربعة كتب هي: ( قراءات في أدب ناجي الجوّادي) و ( سعيد مهران ... نبوءة الرّواية) و هو رؤية نقدية لرواية "اللصّ و الكلاب" لنجيب محفوظ. كما نشر كتابًا حمل عنوان : ( مدخل إلى شعر عامر بوترعة) إضافة إلى نشره لكتاب حمل عنوان : ( لا ثقافة بالحراسة ...) و تضمّن نصوصًا عن المشهد الثقافي.
و إلى جانب هذه الغزارة النّسبية في الانتاج الأدبي، فإن رياض خليف هو باحث ودكتور في اللغة و الأدب العربي بكلية الآداب بالقيروان ، اختصاص سرديات. كما أعدّ أطروحة الماجستير حول حوارية خطاب الرّواية في ( ليلة الإفك ) للمنصف الوهايبي دون أن يثنيه كلّ ذلك عن المساهمة الجديّة و الفاعلة بورقات نقدية و بحثية في ندوات و ملتقيات مختلفة. و هذا إن دلّ على شيءٍ فإنّه يؤكّد لنا درجة النّشاط التي تسكنه لتبيّن لنا مدى عشقه للفعل الأدبي بصفة عامة.
أعود الآن إلى رواية: " أحاديث جانبية " لأشير إلى أنّها جاءت في أربع و خمسين و مائة صفحة من الحجم المتوسط و قُسّمت أحداثها على إحدى عشرة فصلًا اختار الكاتب عنونتها. لينطلق السّرد في فصل أوّل مجزّء إلى سبعة مقاطع. وحمل عنوان: " سكاكين". أمّا الفصل الأخير في الرّواية فقد حمل عنوان : ( صيد في المياه العكرة). و لا أظنّ إلاّ أنّ هذه العناوين و ترتيبها قد خضع إلى منهجية واضحة تسكن الكاتب و حاول جلب انتباه القارىء إلى أهدافها و مقاصدها. لذلك وجدتني أصرّ على فكّ شفرة العلاقة التي تربط بين العنوان الأوّل و الأخير في الرّواية. و هو أمر قد تختلف الإجابة عنه من قراءة إلى أخرى حتّى لدى نفس الشّخص.
و لتقريب مناخات الكتابة الأدبية لدى رياض خليف في هذه الرّواية، سأحاول قدر المستطاع التّوقّف عند بعض العتبات ، محاولا التقاط و لو نسبة قليلة من المفاتيح التي قد تساعدني على فتح بعض مغالق و تأويلات هذا العمل الأدبي.
و لأنّ أوّل علاقة تحصل للقارئ مع الكتاب تكون من خلال الغلاف الخارجي، أشير إلى أن تصميمه و إخراجه الفني قامت به الفنّانة وديعة قليوز، و التي أرى أن عملها كان موفّقا. حيث أشعر أنّها نجحت في جلب انتباه القارئ ، سواء من خلال الألوان التي تزيّنت بها لوحة الغلاف ، أو عن طريق اختيارها لكتابة اسم الكاتب و عنوان الرواية بالأبيض و الأسود. و هي كما نعلم ليست ألوانًا ، بل هي قيمة. و هذا يمنحنا شرعية التّفسير و التّأويل أيضًا.
و الأمر الثّابت في كلّ ما تقدّم، هو أنّ الفنّانة وديعة قليوز، نجحت من خلال تصميمها في شدّ انتباه القارئ ، و دفعته إلى متابعة الأحداث بلهفة، و ذلك لما تمنحه لوحة الغلاف كاملة من إمكانيات رحبة للتّحليق عاليًا في دنيا الخيال دون قطع الصّلة مع واقعنا المعاش بصفة عامّة.
بعد هذا الاغراء الذي يمنحه غلاف الكتاب، يجد القارئ نفسه أمام تقديم الرّواية، و الّذي كتبه الرّوائي محمد الجابلّي و اختار أن يعنونه ب: ( فيض من غيض أو " عباءة مُهترئة ") و هو اختيار لا بدّ أنّه يزيد من لهفة القارئ للاطّلاع على الأحداث.
و هنا أكاد أجزم أنّني عادةً ما أرجئ قراءة نصّ التّقديم إلى ما بعد انتهائي من مطالعة أحداث الرواية و ذلك حتّى تسلم قراءتي من أيّ تأثير خارجي. و لذلك تكون اختياراتي لبعض الفقرات من هذا التّقديم خاضعة أساسًا لوظيفة دلالية تخصّ استنتاجاتي، و تأويلاتي للنصّ الابداعي و التي قد لا تتوافق أحيانًا مع ما ذهب إليه المُقدّم. هذا دون أن أنسى تلك النّصوص التّقديمية التي تطغى عليها المجاملات، و هو الأمر الّذي يسيء إلى العمل عادةً.
أعود إلى تقديم الأستاذ محمد الجابلّي، لأختار أوّلاً هذه الفقرة التي قال فيها:
( سيدي بوزيد "المبتدأ و الخبر "، مدينة الثورة كما وسمها البعض و قدّرت الحكاية أن تكون شاهدة على مسارات متعرجة فيها مفارقات ساخرة لكنها سخرية مثقلة بأوزار الحقيقة المرّة هي من قبيل الرصانة الفاجعة تلك التي وسم بها « أدونيس » سخرية أبي العلاء في غفرانه.). ( ص : 5)
فهل نحن مقدمون على مطالعة عمل روائيّ يتحدّث بسخرية هادفة عمّا آلت إليه الأوضاع في مدينة الثّورة؟ أم إن العمل الرّوائي سيحدّثنا عن الالتواءات و التعرّجات التي فرضت مثل هذه النّتائج الكارثية للواقع المعاش؟
و حتّى يكون لهذه الأسئلة معاني إضافية، أرى أنه من المفيد الإشارة إلى تلك الجملة الدّقيقة و البليغة أيضًا. حيث نرى محمد الجابلّي يتساءل في موقع لاحق(... أليست الرّواية هي تاريخ من لا تاريخ لهم كما ارتأى البعض؟) ( ص :6)
و هنا تجدني أتساءل: هل إن تاريخ الشّعوب نلامسه و نتابع تفاصيله من خلال كتب التاريخ أم بتذوّق و متابعة الانتاجات الابداعية و الفنية بصفة عامة؟ خصوصًا إذا سلّمنا بأنّ التّاريخ يكتبه المنتصرون. كما أنّ هذا التّاريخ غالبًا ما يذكر القادة و الزّعماء، و يتناسى كليًّا دور الشّعوب في البناء.
و بناءً على ما تقدّم يُصبح للفقرة القادمة و المنتقاة من نصّ الإهداء عدّة معاني ممكنة. حيث يقول الجابلّي:
" رواية تقول إننا في « زحامنا الثوري » فقدنا براءتنا و إنّ « العباءة المهترئة » لا قدرة لها على ستر عورتنا، « أحاديث جانبية » هي من صميم خطابنا المغيّب، حين غيّبنا الفكر و المعرفة و الابداع و انسقنا وراء راقصي المشهد المسطّح و راقصاته ذاك الذي غاب منه الخيال و الحلم و غابت منه الممكنات ... ) ( ص :8)
الأكيد و أن كل هذه الآراء تخصّ أساسًا الأستاذ محمد الجابلّي و التي قد يُسلّم بها البعض و يرفضها آخرون، لكن الثّابت أنّه كان منحازًا للمستضعفين في هذه الأرض و الّذين تنساهم عادةً كتب التّاريخ. و يتأكّد هذا الأمر بعد الاطلاع على تلك الجملة الأخيرة التي ختم بها تقديمه و قال فيها:
(ختاما نذكر بما قاله الكاتب الألماني « غنتر غراس » في حفل تتويجه بجائزة نوبل: « قدر الكاتب الحقيقي أن يقف دوما في صف الخاسرين ... لأن صف الخاسرين هو صف الحقيقة المغيبة في التاريخ البشري ...) ( ص : 9).
و يلاحظ معي القارئ أن كل هذه المواقف و الاستنتاجات المدسوسة داخل نصّ التّقديم تدفع القارئ أساسًا إلى متابعة الأحداث بتركيز كبير و شغف متواصل. ويحصل هذا سواء اطّلع على نصّ التّقديم قبل مطالعة الرّواية أو بعد انتهائه من قراءتها.
كما أرى أن نصّ الاهداء جاء مفعمًا بالمعاني رغم قصره، و دافعًا إلى التّسلّح بالانتباه قصد متابعة أحداث الرواية التي صرت أطمح من خلالها إلى تبيّن مواقع السّقوط حتّى أتفاداه. فهل سأنجح في هذا المسعى؟ و هل سيعينني متن الرّواية على تفادي السّقوط؟
و هذا هو نصّ الاهداء: ( ... إلى أصدقاء لم يسقطوا بعد) ( ص : 11)
فهل أكون حقيقةً من ضمن المقصودين بهذا الاهداء ؟
؛ رياض خليف


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.