الطبوبي يجدّد الدعوة إلى الحوار.. #خبر_عاجل    بنزرت: وفاة شخص وإصابة آخر في حادث انقلاب آلة "تراكس" بمنطقة البحيرة ببنزرت الشمالية    النادي الإفريقي: بسام الصرارفي يلتحق بالمجموعة    الالعاب العالمية (شينغدو 2025): المنتخب التونسي لكرة اليد الشاطئية ينهزم امام نظيره الكرواتي 0-2    "جرانتي العزيزة": عرض الوداع والوصية الفنية لفاضل الجزيري من ركح مهرجان الحمامات الدولي    عاجل: وزارة الدفاع تكشف رزنامة التجنيد الجديدة.. هذه مراكز التسجيل!    تحذير هام من "مياه الشاحنات".. #خبر_عاجل    اليوم: انطلاق دورة إعادة التوجيه الجامعي..    عاجل/ حادث مرور قاتل ببنزرت وهذه التفاصيل..    نقابة الصحفيين تدين اغتيال الطاقم الإعلامي لقناة الجزيرة في غزة    عاجل/ وزارة الصحة تحسم الجدل وتوضح بخصوص ما تم تداوله حول فيروس " Chikungunya "    موجة الحر تزيد في الأمراض المعدية.. شنيا هي الأمراض وفما نصائح لازم تعرفها!    بنزرت: وفاة سائق وإصابة شخصين في حادث انزلاق رافعة    إطلاق مشروع "تعزيز نفاذ الشباب من الفئات الهشة إلى خدمات الصحة الجنسية والإنجابية والصحة النفسية"    تألق في كل لحظة: أوبو تعلن عن هاتف Reno14 F 5G الجديد مع تصوير الفلاش بالذكاء الاصطناعي وتصميم حورية البحر المتلألئ    عاجل/ بشرى سارة للعاطلين عن العمل: حوالي 100 ألف موطن شغل سيوفرها هذا القطاع..    عاجل/ استشهاد طفل باستهداف الاحتلال منتظري المساعدات وسط قطاع غزة..    الدكاترة المعطلون عن العمل: مستعدون للتصعيد في صورة عدم الاستجابة لمطالبنا    عاجل: برشة عقوبات بالسجن والغرامة في اقتراح قانون حماية الحيوان    ريال مدريد يكشف عن طبيعة إصابة نجم الفريق    رسميا: إنتخاب أحمد الثابتي رئيسا للجامعة التونسية للكاراتي    رد بالك '' تكنجل'' هذه الاطعمة في ''الفريجيدار ''    5 غلطات في شرب ''التاي'' تخليك تضر صحتك بلا ما تحس!    تونس تشارك في بطولة إفريقيا لرفع الأثقال للأواسط والأصاغر في غانا بتسعة رباعين    وزارة الثقافة تنعى الفنان المبدع الفاضل الجزيري    المخرج التونسي الفاضل الجزيري في ذمة الله    تونس تودّع فاضل الجزيري، عملاق الساحة الثقافية، عن عمر ناهز 77 عامًا    عاجل: زلزال قوي بقوة 6.2 درجات يضرب هذه البلاد العربية    ماهر السرولي يخلف نفسه على رأس الجامعة التونسية للرياضات الالكترونية    شمال غرب إسبانيا تحترق.. أكثر من 1000 شخص تمّ إجلاؤهم    تجربة سريرية تثبت فعالية دواء جديد في مكافحة سرطان الرئة    نجوى كرم تحطم الأرقام في قرطاج وتكتب فصلاً ذهبياً جديداً مع الجمهور التونسي    عاجل: وفاة صاحب''الحضرة'' الفاضل الجزيري بعد صراع مع المرض    عاجل/ دولة جديدة تقرر الاعتراف بدولة فلسطين خلال هذا الموعد..    فوربس الشرق الأوسط تكشف عن قائمة أبرز 100 شخصية في قطاع السفر والسياحة لعام 2025    اليوم الحرارة مستحبة والطقس رائع جدا أثناء الليل..    خزندار: الإطاحة بمنحرف خطير محل 6 مناشير تفتيش    برشلونة يفوز على كومو بخماسية ويحرز كأس خوان غامبر    نابل: انطلاق فعاليات الدورة 63 من مهرجان العنب بقرمبالية    الرابطة المحترفة الاولى (الجولة الافتتاحية-الدفعة الثانية والاخيرة): النتائج و الترتيب    مرصد سلامة المرور: 458 قتيلا بسبب حوادث الطرقات خلال النصف الأول من 2025    قتله جيش الإحتلال.. الصحفي أنس الشريف يترك وصية مؤثرة عن حياته وعائلته وغزة    دراسة ليبية تحذر من بكتيريا خطيرة في المنتجات البحرية    استراحة صيفية    تاريخ الخيانات السياسية (42) .. ظهور القرامطة    يحدث في منظومة الربيع الصهيو أمريكي (2 / 2)    للطلبة الراغبين في تعديل اختياراتهم الجامعية: دورة إعادة التوجيه تبدأ غدًا    سابقة خطيرة في قطر على مستوى الأمن الداخلي للدولة    غرفة التجارة والصناعة لصفاقس تنظم بعثة أعمال متعددة القطاعات إلى السعودية    انتهاء موسم الحصاد بهذه الولاية بتجميع أكثر من 267 ألف قنطار من الحبوب..    كلب ''روكي'' يفارق الحياة بعد اعتداء همجي في زاوية سوسة، والنيابة تبدأ تحقيق    تونس: حجز 172 طناً من المواد وحملات رقابية مكثفة تُسفر عن 9 قرارات غلق في النصف الأول من 2025    إطلاق الدورة الأولى لمسابقة "Cactus INNOV " لاختيار أفضل الابتكارات في تثمين التين الشوكي    الأحد.. طقس صاف مع بعض الأمطار المحلية    اليوم: غلق وقتي للطريق نحو باجة بسبب تقدم أشغال توسعة المدخل الجنوبي للعاصمة    نجوى كرم تُشعل قرطاج بعد غياب تسع سنوات: ليلة حنين وأغانٍ خالدة أمام جمهور غصّت به المدارج    القمر يضيء سماء السعودية والوطن العربي ببدر مكتمل في هذا اليوم    كيفاش الذكاء الاصطناعي يدخل في عالم الفتوى؟ مفتى مصري يفسر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حين تتهاوى حقائق التّاريخ في هذه البلاد
نشر في الشروق يوم 28 - 02 - 2021

بعد جزء اول نشرناه يوم الجمعة وثان نشرناه امس السبت وأشار فيه الكاتب يوسف عبد العاطي الى أن كثرة التّصادير كانت مقلقة وانها كثيرًا ما ساهمت في تشتيت الانتباه لأنّها جاءت لتعوّض السّرد الرّوائي لحظة انسياب الأحداث
نواصل اليوم نشر الجزء الثالث والأخير من هذه الدراسة :
و في هذا المجال، وجدتني أتساءل عن زاوية النّظر التي سيُتابع الكاتب من خلالها الأحداث. إضافةً إلى الحيرة التي تملّكتني في آخر الفقرة، و خاصةً حين قال:( ... انفلتت الأمور...). فهل ستعكس لنا الأحداث الفوضى التي طبعت حياتنا في هذه السّنوات الأخيرة، أم إنّنا سنواجه واقعًا نحن صنعناه؟
لذلك وجدتني أستدعي مباشرةً آخر فقرة في الرّواية، و التي شعرت أنّها تُقدّم للقارئ أحدى الإجابات الممكنة لأسئلتي السّابقة، دون الادعاء بأنها الوحيدة الممكنة.
و هذه هي الفقرة الأخيرة في الرّواية:
( راج الخبر واضحا لا لبس فيه:
عفيف قاتل دب الصحراء...
احتدّ اللّغط و خرج عثمان الشرقي ببيان تلته إذاعة محلية و ردّده بعض « الفيسبوكين » باستهزاء:
« تُروّج بعض الصفحات و الوسائل الإعلامية المأجورة و المعادية للثورة و الكرامة إشاعات تستهدف رئيس حزبنا و تمسّ من كرامته و شرفه. الغرض منها التشويش عليه في الاستحقاقات الانتخابيّة القادمة و الانقضاض على المسار الثوري و التنصّل من قضيّة دب الصحراء العادلة. و بهذه المناسبة نذكّر أنّ حزبنا و بإلحاح من سي عفيف كان الحزب الوحيد الذي بادر بتكوين لجنة للمساندة و شارك أهالي الفقيد و أصدقاءه تحرّكاتهم و أيّدها، و سيواصل القيام بهذا الواجب و لن يعنيه صيد بعضهم في المياه العكرة... ) ( ص : 153/ 154)
و كانطباع أوّل يخرج به الباحث عن الخيط الرّابط بين الفقرة الأولى و الأخيرة في الرّواية، أرى أنّه لا يمكن أن يحيد عن اشتراكها في الحديث عن الفوضى التي انتشرت في البلاد. حيث نقرأ في الفقرة الأولى عبارة (... انفلتت الأمور ...) بينما تطالعنا الفقرة الأخيرة بعبارة ( احتدّ اللّغط). و هو ما يوهم القرّاء عامّةً بأن الكاتب ارتكز أساسًا في سرده للأحداث على أسباب و نتائج هذه الضّوضاء و الهرج و المرج الذي طبع حياتنا. و للتّأكّد من صحّة هذا الرأي أرى أنه من واجبنا الاطلاع على فصول الرّواية كاملة. لأنّ هذه المقارنة بين مفتتح الرّواية و خاتمتها لا يمكن إلاّ أن تكون عامل تشويق إضافي للقارئ دون الادّعاء بمنعه من التوصّل إلى تأويلات أخرى أكثر عمقًا.
و في محاولة منّي لتقديم صورة أوضح لأحداث الرّواية، سأحاول اقتطاع بعض الجمل و الفقرات التي شعرت أنها كانت معبّرة عن هذه الاستنتاجات التي ذهبت إليها. مُشيرًا في هذا المجال إلى أنّ هذه المقتطفات تخضع أساسًا للتّدليل على استنتاجاتي الخاصّة للأحداث و التي قد لا يوافقني عليها عدد آخر من القرّاء. و هذا عامل يُؤشّر لثراء مقاصد السّرد الرّوائي.
و من هذه الاختيارات التي شعرت بعمق بلاغتها، نقرأ مثلًا:
( أسرّ لي الحاج علي رحمه الله مرّة قبل أن يقعده المرض أنّ أحدهم عرض عليه أن يسجّل ابنه في قائمة الجرحى و الشهداء لينال المنح و المساعدات بشرط أن يعطيه نصيبا ... زعق في وجهه... لست أبيع دم ابني و لا أبتزّ وطني...) ( ص:17)
و الأكيد أن القارئ سيتأكّد من خلال هذا الاختيار، زاوية النّظر التي تابع من خلالها الكاتب الأحداث. بل أشعر أن الجملة اللّاحقة ستُقدّم لنا موقفه من المتملّقين الّذين يسعون إلى الرّكوب على هذه الثّورة حيث يُصوّر لنا في أسلوب هزلي و ربّما يكون حقيقيًا أيضًا حديث بعض هؤلاء الوصوليين و الذي خطب في النّاس قائلًا:(...سنظلّ أوفياء لثورة السّابع عشر من نوفمبر. ثمّ استدرك وسط قهقهات متعالية و قال " عفوا ... سنظل أوفياء لثورة الحرية و الكرامة ... ثورة السابع عشر من ديسمبر المجيدة ..."( ص :20)
و أظنّ أنّ هذه الجملة كانت كفيلة لوحدها لتبيّن لنا البعض من مواقف الرّاوي، و الّتي نشعر أنها كانت معادية للمنافقين و الوصوليين الّذين يحاولون الرّكوب على أهداف الثّورة، مستعينًا لإبراز ذلك على تقديم نماذج مختلفة منهم. و هذا ما تُقدّمه لنا هذه الجملة مثلًا:
( يظهر عفيف هذه الأيّام بكثافة، ناشطا سياسيًا و محلّلا إخباريًا متخصّصا في دراسات الرّبيع العربي مثلما يكتبون أمام اسمه أحيانا. لست أدري أين تخصّص و متى؟ و أين تدرّس هذه التخصّصات التي ينسب إليها هو و غيره؟) ( ص : 21)
الأكيد أن هذا الأمر ينسحب على عدّة مظاهر عشناها و مازالت تحصل في واقعنا، الّذي أفرز لنا مختصّين في مجالات لا نعلم ما هي الجهات التي تدرّسها لتسلّم شهادة التخصّصات فيها. دون أن أنسى في هذا المجال بأنّني أتحدّث عن عمل إبداعي، و ليس شريطًا وثائقيًا.
و حتّى تكون صورة هذه الثّورة التي يتحدّث عنها هذا العمل الرّوائي سأقدّم إلى القارئ إحدى هذه التّعريفات التي جاءت في أحداث الرّواية و الّتي يقول فيها الرّاوي:
(... ثورة غريبة افتكّها الغرباء عنها... الثّورة الحقيقيّة التي حلمت بها الأجيال و انتظرتها، لم تأت بعد...) ( ص: 55).
و أرى أنّ غضب الرّاوي من هذا الواقع الفوضوي كانت ظاهرة في هذه الجملة التي شعرت أنها اختزلت الاستنتاجات و العبر أيضًا. حيث نجده يقول: ( ها نحن نرى حقائق التّاريخ تتهاوى من هذه البلاد... من كانوا في القائمات الأولى للمناشدين و المنشدين، صاروا اليوم معارضين لا يشقّ لهم غبار...) ( ص : 139) فهل هناك ما هو أعمق من هذه المرارة؟
الأكيد و أن رواية « أحاديث جانبية » تستحقّ التّعمّق في بنائها الفني و البلاغي، لكن حسبي في هذه الورقة جلب انتباه القارئ و المختصّ لدفعهم إلى مطالعة أحداثها، و الخروج بما يرونه مناسبًا من التّأويلات و الاستنتاجات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.