فرار إرهابيين من السجن: تأجيل القضية إلى ديسمبر المقبل    سيدي حسين: بطاقات إيداع بالسجن في قضية الاعتداء على تلميذة    عاجل/ هذه الوزيرة تكشف عن احالة 20 ملفا للقضاء في اطار مكافحة الفساد..    وزيرة الصناعة: تونس ستصدر قرابة 40 الف طن من زيت الزيتون المعلب خلال موسم 2024- 2025    الكشف عن ميزانية وزارة التجارة..#خبر_عاجل    ستوكهولم: قتلى في اصطدام حافلة بمحطة للركاب    مع اقتراب صدور مواسم الريح.. روايات الأمين السعيدي تسافر الى الكويت    بنزرت .. مطالبة بإعادة الحياة للمناطق السقوية العمومية    مع الشروق : الكيان الصهيوني يشرّع الجريمة... والبرغوثي في خطر    نبض الصحافة العربية والدولية ...كل الجرائم تتم بأوامر من حكومة نتنياهو محاكمات جنود الاحتلال تضليل للرأي العام    سيدي بوزيد .. إنتاج القوارص فرصة استثمارية.. «معطّلة» !    شبكة الطرقات السيارة: تواصل أشغال التشوير الأفقي وتركيز العاكسات الضوئية    اختتام دورة تكوينيّة في «الطاقة الشمسيّة»    هيئة الانتخابات تنظم تظاهرات بالمدارس والمعاهد في الجهات لتحسيس الناشئة بأهمية المشاركة في الانتخابات    قافلة صحية متعدّدة الاختصاصات لفائدة متساكني حي التحرير والمناطق المجاورة    اكثر من 63 بالمائة من مرتادي مؤسسات الرعاية الصحية يحملون مؤشرات ما قبل السكري (دراسة)    وزير الدفاع يؤدّي زيارة إلى إدارة التراث والإعلام والثقافة التابعة للوزارة    مشروع منظومة مندمجة لإعلام المسافرين على شركات النقل في مرحلة طلب العروض-وزارة النقل-    توافق إفريقي بين تونس والجزائر والسنغال والكونغو حول دعم الإنتاج المشترك وحماية السيادة الثقافية    %23 من التونسيين مصابون بهذا المرض    الرابطة المحترفة 1: برنامج مباريات الجولة 15    عاجل: إطلاق نار في محطة مونبارناس بباريس وفرض طوق أمني..شفما؟!    موعد إنطلاق معرض الزربية والنسيج بالكرم    قرعة كأس افريقيا للأمم: تونس في المجموعة الثالثة مع الكاميرون وغينيا وكينيا    السلّ يعود ليتصدّر قائمة الأمراض الفتّاكة عالميًا    سيدي علي بن عون: تسجيل 7 حالات إصابة بمرض الليشمانيا الجلدية    عاجل/ حكم قضائي جديد بالسجن ضد الغنوشي..    شوف وقت صلاة الجمعة اليوم في تونس    الإفتاء الفلسطينية: إحراق مسجد في الضفة الغربية "جريمة نكراء"    يتسللان الى منزل طالبة ويسرقان حاسوب..    عاجل: أمطار غزيرة وبرد يضربوا كل مناطق هذه البلاد العربية اليوم!    وفاة محمد صبري نجم الزمالك السابق...وهذا هو السبب    إنطلاقا من 20 نوفمبر مهرجان غزة لسينما الطفل في جميع مدن ومخيمات قطاع غزة    عاجل: عودة هذا الاعب الى الترجي    آبل تطلق جواز السفر الرقمي...    عاجل: وزارة التربية تفتح مناظرة نارية...فرص محدودة    مباراة ودية: تشكيلة المنتخب الوطني في مواجهة نظيره الأردني    مباراة ودية: المنتخب الوطني يواجه اليوم نظيره الأردني    7 سنوات سجناً لشاب ابتزّ فتاة ونشر صورها وفيديوهات خاصة    عاجل/ ديوان الزيت يعلن عن موعد انطلاق قبول زيت الزيتون من الفلاحين..    نابل: 2940 زيارة مراقبة خلال الشهرين الاخيرين تسفر عن رصد 1070 مخالفة اقتصادية    عاجل/ "الأونروا" تطلق صيحة فزع حول الوضع في غزة..    الجزائر: 22 حريق في يوم واحد    محرز الغنوشي: عودة منتظرة للغيث النافع الأسبوع القادم    ''حُبس المطر'': بالفيديو هذا ماقله ياسر الدوسري خلال صلاة الاستسقاء    وزير البيئة: 10 آلاف طن نفايات يوميا وتجربة لإنتاج الكهرباء منها    النائب طارق المهدي: ضريبة على الثروة... ضريبة على النجاح    فرنسا تهزم أوكرانيا وتحسم تأهلها رسميا إلى كأس العالم 2026    اتحاد الشغل بصفاقس: إضراب ال68 مؤسسة "خيار نضالي مشروع" وسط تعطل المفاوضات الاجتماعية    الفرجاني يبحث مع ثلة من الكفاءات الطبية التونسية في مرسيليا جملة من المقترحات تتعلق أساسا بتيسير ممارستهم جزئيا بتونس    رونالدو يرتكب المحظور والبرتغال تتكبد خسارة قاسية تهدد تأهلها المباشر إلى مونديال 2026    الجمعة: الحرارة في ارتفاع طفيف    الاختلاف بين الناس في أشكالهم وألوانهم ومعتقداتهم سنّة إلهية    كم مدتها ولمن تمنح؟.. سلطنة عمان تعلن عن إطلاق التأشيرة الثقافية    خطبة الجمعة ...استغفروا ربّكم إنه كان غفّارا    حالة الطقس هذه الليلة    ديوان الافتاء يعلن نصاب زكاة الزيتون والتمر وسائر الثمار    عاجل : وفاة المحامي كريم الخزرنادجي داخل المحكمة بعد انتهاء الترافع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مجموعة "كذلك " للعراقي برهان المفتي (3/3): بين الواقعية والرمزية
نشر في الشروق يوم 24 - 01 - 2021

كنا لاحظنا في الجزء الثاني الذي نشرناه امس السبت ان نصوص برهان المفتي تدعو إلى التفكير، و التجنيح بالخيال بعيدًا وقلنا أن الجملة الأولى و التي كانت اسمية و خبرية أيضًا ، كانت مربكة و مرعبة ونواصل اليوم في هذا الجزء الثالث والأخير قراءة مجموعة برهان المفتي:
و نلاحظ من خلال كل ما تقدّم أنّ الكاتب اختار منذ البدء قارئه، حيث أنّ القصص و بحكم إدانتها في أحداثها للانهزامية، كانت ترفض القارئ السّلبي و لا تقبل إلا بمن يُقدم على تشكيل الأحداث في صياغة تأويلية تتماشى و قناعاته. لذلك أكاد أجزم أن قصص المجموعة منفتحة على التعدد و التراكم بفعل تنوع القراءات.
ففي آخر فقرة من نصوص المجموعة، شعرت و كأن الكاتب يُقدّم لنا جوابًا لأسئلة الفقرة الأولى في الكتاب، رغم أنها ليست رواية، بل هي فقرة من القصة الأخيرة. فهل يعود ذلك إلى أن الكاتب في نهاية الأمر كان مهووسًا بسؤال جوهري وحيد؟ أم إنه كان متسلّحا في جميع نصوصه بأدوات الرّسم، و لذلك جاءت المجموعة في شكل لوحة فنيّة متماسكة الأطراف؟ و ما التركيز على موضوع الانكسار و الانهزامية، إلا مدخلًا تأويليا لإحدى استنتاجات القصص.
و لإضفاء الوضوح على ما ذكرت، أقدّم للقارئ الفقرة الأخيرة في الكتاب و التي جاء فيها:"...لكن تلك العيون الجاحظة تجمّدت و هي تنظر إلى المريض ذي الجسم المكوّر الخامل و ما عليه من كسوة و رداء ... حتى اندفع واحد من الناس ليأخذ نصيبه ممّا يرى... فتبعه الناس أجمعون، و النمل تحت الأقدام و في كلّ مكان... و بين هذا الهيجان، تداخلت الأيدي والأقدام،... فلا تدري من يأخذ ممّن، أو من يظفر بشيء. و حين حلّ ظلام المغيب، لم تكن في الغرفة إلاّ بقايا كتلك التي يتركها الجائع و هويغادر وليمة دسمة!!". (ص: 109)
و نلاحظ من خلال كل ما تقدم، اعتماد الكاتب برهان المفتي على لغة شاعرية في قصصه مع الارتكاز على الرمزية المنفتحة على تأويلات مختلفة، و هو ما أعطى لكتاباته قيمة إضافية. لذلك أرى أنه من المفيد التقاط بعض الجمل التي رأيت أنها تساعد على تقريب الصورة التقديرية و المثلى لإبداع برهان المفتي و الذي شعرت أنه يحترم كثيرًا قارئ أدبه.
من هذه الاختيارات، أذكر مثلًا ذاك التّساؤل المدسوس في قصة( مدينة الزجاج) و الذي جاء كما يلي:"... هل الناس جميعًا بأقدام مسمارية؟..." (ص: 7)، فهذا السّؤال يفتح أمامنا شبابيك الخيال واسعة و يجعلنا نبحث حقيقة عن مدى امتلاكنا لأدوات مواجهة هذا المصير الجديد و الذي جعل من (مدينتنا أرضُها من زجاج)، حتى يُفترض امتلاكنا جميعًا لأقدام مسمارية تُخوّل لنا مجابهة الواقع.
كما أشعر أن الجملة التي جاءت في قصة ( ربّما تعرفونهم) و التي شعرت بعمق رمزيتها، حيث قال: " ... و أخذ كبيرنا من كلّ كلب عظمة الذيل ليجعل منها قلمًا يكتبُ به تاريخ القرية كما قال، و أمر أن نجعل باقي العظام إبرًا دقيقة، و أمرنا أن ندبغ جلود تلك الكلاب..." (ص: 12)
و بالعودة إلى الموروث الشعبي الذي أعلمنا باستحالة استقامة ذيل الكلب رغم وضعه في قصبة مدّة طويلة، تجدنا مصدومين من إصرار كبير القوم على كتابة تاريخ القرية بعظمة ذيل الكلب. فهل يعني هذا أن كل التاريخ الذي كتبناه، لا يمكن له أبدًا أن يستقيم؟ خصوصًا و أن السارد طلب منا بعد ذلك أن نجعل من باقي عظام الكلاب إبرًا ، و هو ما سيسمح لنا بعد ذلك بالتّشكيك في كل التاريخ المكتوب عن القرية.
و إضافة إلى هذا الشعور بالشك و التساؤل الذي يصيب قارئ قصص مجموعة ( كذلك) ، وجدتني مشدودًا إلى نوعية التهم الموجّهة للشخصيات. حيث نجد الراوي يقول مثلًا في قصة " موت مفاجئ" : "...فعلمت أنّني كنتُ أعاني من إفراط في التفكير، و صعوبة في التكيّف مع المتغيّرات المحيطة، و كنت مُدمنًا على التّحليل المنطقي..." ( ص : 20)
و أظن أن مثل هذه التّهم الموجّهة لإحدى شخصيات القصص تفضح الأهداف الحقيقية للكاتب. حيث نلاحظ أنه اختار مخاطبة وعي القارئ دون الادعاء بأنه يسرد عليه خبرًا منطقيًا. و بذلك يتخلّص نهائيًا من الواقعية ليرتمي مباشرةً في أحضان الرّمزية، و التي تتطلّب من القارئ اختيار المدلولات التي تتناسب مع تأويلاته للأحداث.
و تأكيدًا لهذا الاختيار الفني و الأسلوبي في الكتابة القصصية لدى برهان المفتي، نقرأ مثلًا في قصة " حينذاك": "... فنخرج من الوادي إلى يوم نفخ جديد حيث لا صوت في قريتنا، فالشّفاه مشغولة بالنفخ، و لا فعل هنا فالأيادي تمسك بالنفاخات التي تكبر حتى وقت المسير إلى الوادي مع المغيب." ( ص: 55)
و الحقيقة أن مثل هذه الرموز و الصور الموحية إلى مواقف محدّدة من الأحداث كانت كثيرة و متعدّدة، حتى إن القارئ يتساءل أحيانًا ،هل هو بصدد مطالعة سرد قصصي أم يُتابع بذهنه رسم لوحة شعرية موغلة في الخيال؟
و لتأكيد ما ذهبت إليه، أرى أنه من المفيد الإشارة إلى تلك الجملة التي جاءت في قصة " السقوط" حيث يقول الراوي: "... يقومون بخياطة يومهم إلى أحلامهم الّتي ستبدأ بعد أن تميلَ الشمس و تنزل عباءة اللّيل ..." ( ص: 83) أو تلك الجملة التي جاءت في سرد قصة " الفكرة": "... نعم، أنا أخبركم هذه القصة بعد أن تحوّلت جثتي إلى قلم ناطق،..." ( ص: 93)
و أتمنى أن أكون، و من خلال هذه الفقرات و الجمل المنتقاة من القصص، قد تمكنت حقيقة من تقديم بعض مميزات الكتابة القصصية لدى برهان المفتي، هذا المبدع الذي شعرت أن الرسم الكاريكاتيري شغله كثيرًا عن الاهتمام بإبداعاته القصصية، و التي أشعر أنها كانت إضافات نوعية للمكتبة الأدبية بصفة عامة. و من باب الأماني الشخصية، أقترح على الكاتب نشر طبعة جديدة من مجموعته ( كذلك) تكون كل قصة منها مرفوقة برسم كاريكاتيري خاص بها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.