المتابع للتحولات المتسارعة التي يشهدها مجتمعنا يدرك بالعين المجردة أن العنف تصاعد بوتائر كبيرة ومحيّرة. ليس هذا فقط بل إن هذا العنف بات مطبوعا بالكثير من الشراسة والبشاعة مما يشي بأننا ندخل من حيث نشعر أو لا نشعر في دائرة توحش لا مخرج ولا فكاك منها ما لم نتدارك أمرها ونعالجها في الابان. والعلاج هنا لا يجب أن يقف أو يتوقف عند الظاهر والتجليات المادية بل يجب أن يتجه إلى الأسباب الخفية والظاهرة وهي مادية ونفسية واجتماعية وثقافية وتطال حتى برامجنا التربوية والمواد الاعلامية التي نصرّفها في وسائل الاعلام المرئية بالخصوص. هذه الظاهرة الخطيرة وهذه التحولات المحيّرة يفترض أن تهز سياسيينا ومثقفينا ونخبنا.. ويفترض أن ينكب عليها حكامنا بالرصد والتحليل والاستشراف لوضع السياسات والبرامج الكفيلة بتطويقها وتجفيف منابعها قبل أن تنفلت من عقالها وتكتسح المجتمع فيصبح العنف والمزيد من العنف هو قاعدة التعامل بين المواطنين. لكن، ويا للمفارقة فإن حكامنا يبرزون هنا أيضا بغياب كامل. وكما يعجزون عن توفير حلول ناجعة للاقتصاد وللمديونية ولتدهور الطاقة الشرائية ولزحف البطالة والفقر والتهميش والتراجع الثقافي والأخلاقي المحيّر، فإنهم يبرزون أيضا بغياب محيّر علي صعيد تزايد وتائر العنف والجريمة كمّا وكيفا وفظاعة ووحشية.. ليس هذا فقط، بل إننا نجد من سياسيي الصدفة ومن نواب آخر الزمان من يتجرأ جهارا نهارا على اللجوء إلى العنف وسيلة للتعبير وللتواصل.. حيث صدم الشعب التونسي بأكمله قبل أيام وهو يتابع ذلك المشهد المقرف والمقزز وتلك المسرحية الهابطة نصّا وإخراجا التي مثلها نائبان على ركح مجلس نواب الشعب حين تداولا على توجيه اللكمات والركلات لنائبة.. رغم ان قبّة البرلمان كان يفترض أن تكون محرابا للجدال السياسي والفكري الراقي وللتجادل بالكلمات والأفكار والبرامج وليس منصّة لتوجيه الكلام النابي والعبارات البذيئة واللكمات.. ولمن؟ لسيدة محترمة يفترض أن لها حرمتها الجسدية وشرفها وشرف عائلتها مهما كانت أسباب الخلاف معها. ان ما أتاه النائبان في مجلس النواب وعلى مرأى ومسمع من العالم بأسره يبقى فعلا مدانا بأشد المعاني والكلمات. فأبعد من العدوان على النائبة فإن فعلتهما الشنيعة توجه رسائل سلبية بالجملة إلى الشارع التونسي. فعندما يرى المواطن البسيط ان لغة التخاطب في البرلمان قد أصبحت تروّج للعنف المادي وللاعتداء على حرمة البشر فكيف نطالبه باحترام أخيه المواطن وكيف نطالبه باتخاذ الحوار والجدال بالكلمات سبيلا في معاملاته اليومية؟ ألا يعدّ هذا السلوك الهجين والمستهجن تشجيعا للمواطن على اعتماد حجة القوة بدل استعمال قوة الحجة والتعامل بأسلوب حضاري راق يبقى وحده الكفيل بضمان أمن المجتمع واستقراره. وما يزيد الطين بلة في هذا المجال هو الغياب الكامل للردع. فهذا الصنيع وقبله «غزوات» أخرى كثيرة شكلت اعتداءات صارخة على المؤسسات وحتى على شخص رئيس الجمهورية كان يفترض أن يستدعي تدخل النيابة العمومية خاصة وان حالة التلبس كانت ظاهرة وجلية في عديد الحالات ما يحيّد قاعدة الحصانة ويفتح الطريق للقانون ليأخذ مجراه ويردع المخالفين ويرسل للمواطن رسالة ايجابية قوية مفادها أنه لا وجود لجريمة بلا عقاب ولا وجود لأشخاص فوق القانون وفوق النظام العام. فهل نتدارك قبل أن يجرفنا طوفان العنف؟ وهل نتحرك قبل أن نقع فريسة للانفلات والفوضى؟ ومن أدرانا بأنه لا توجد أجندات خفية للدفع نحو طوفان الانفلات والفوضى تنفيذا لمخططات لا نراها ولا تدرك بالعين المجرّدة؟ عبد الحميد الرياحي