الجزائر بشعبها وبقيادتها ليست مجرد رقم في سجل الأمم، وليست مجرد دولة يمكن أن تمرّ عليها مرور الكرام. الجزائر وعلى مدى تاريخها الطويل أمة عظيمة ودولة مبادئ وشعب شجاع، أصيل، مقدام... شعب ينحاز دوما للحق وشعب متشبّع بقيم الرجولة والنخوة والإيثار. قيم جعلت الجزائر على مدى القرون أمة شامخة، أصلها ثابت ورؤوس أبنائها في السماء. وقيم جعلت الجزائر تعلّم المستعمر الفرنسي أصول النضال والذود عن حياض الوطن وترسم لشعوب العالم الثالث كيف يكون فداء الأرض والعرض وكيف تكسر شوكة المحتلّ وكيف يمرّغ أنفه في الوحل. على هذا الدرب قارع الشعب الجزائري الاحتلال الفرنسي حتى كنسه من أرض الجزائر الطاهرة. وعلى هذا الدرب نهضت الجزائر منذ استقلالها في ستينات القرن الماضي بدورها الريادي صلب دول العالم الثالث ودول عدم الانحياز... حيث ظلّت صوتا مسموعا في المحافل الدولية وصوتا منحازا على الدوام للمظلومين وللمسحوقين على الساحة الدولية... وصوتا نصيرا لقضايا الحق والتحرّر والانعتاق. وعلى هذا الدرب تمضي الجزائر، مستلهمة من تاريخها المجيد معاني النخوة والشموخ وقد ظهرت هذه المعاني جليّة في الفترة الأخيرة عندما استبد الحنين إلى الحقبة الاستعمارية وإلى العقلية الاستعمارية البغيضة بالرئيس الفرنسي.. وعندما حدثته نفسه بالتعرّض للأمة الجزائرية وللشعب الجزائري ولتاريخ الجزائر وللكرامة الوطنية لشعب الجزائر. فقد انتفض الرئيس الجزائري السيد عبد المجيد تبون ليعيد أبناء «جول فيري» (المنظّر لحملات الاحتلال الفرنسية) إلى أرض الواقع وإلى أحجامهم الحقيقية. وليرسم قواعد جديدة لعلاقات الجزائر بفرنسا عمادها الندية والتكافؤ واحترام السيادة الوطنية والقرار الوطني للدولة وللشعب الجزائريين. والواقع أن انتفاضة الجزائر ضد الغطرسة الفرنسية تتجاوز الرئيس الفرنسي والدولة الفرنسية إلى كل قوى الاستكبار في العالم... تلك التي تحتسب نفسها فوق القانون الدولي وفوق تاريخ الأمم وتبيح لنفسها القفز على قواعد اللياقة وعلى القواعد المتّبعة في العلاقات الدولية لتصرّف نعرات الحقد والتعالي ولتعطي الدروس العبثية وتتلاعب بتاريخ الشعوب. ومن هذه المنطلقات كانت هبّة الرئيس الجزائري وهبّة الجزائر نصرة لشقيقتها تونس في وجه نفس قوى الاستكبار التي تحاول الضغط على بلادنا لتوجيه الأحداث فيها وللتأثير على القيادة التونسية. الرئيس تبّون كان واضحا وجريئا حين أعاد تذكير هذه القوى بأسس العلاقات الدولية القائمة على احترام سيادة الدول واستقلال قرارها الوطني... وكذلك حين أكد بأن الجزائر بالمرصاد لمن يهدد تونس وحين نصح دعاة التدخل في الشأن التونسيوالجزائري بضرورة الكنس أمام بيوتهم والكف عن إعطاء المواعظ والدروس والعمل بها في بلدانهم إن كانت تصلح لشيء. إنّها جزائر الأحرار حين تتكلم وأنه صوت الحكمة والجرأة والقيم والمبادئ حين ينطلق نصرة للشقيق. صوت يجدر بمن باعوا الذمة والضمير من بعض التونسيين بالجغرافيا الذين راحوا يستجدون الدعم الخارجي ويستقوون على بلدهم بالأجنبي ويحرّضون عليه أن ينصتوا إليه وأن يتعلموا منه عساهم يستوعبون ولو القليل من معاني الوطنية الصادقة ومن قيم النخوة والرجولة. عبد الحميد الرياحي